تحليلات سياسية إسرائيلية: حكومة نتنياهو تنفض الغبار عن نظرية باراك بشأن عدم وجود شريك فلسطيني

حركة السلام الآن: الذين يعتقدون أن الفلسطينيين سينضمون إلى الحركة الصهيونية ويقسمون يمين الولاء لدولة إسرائيل أصيبوا بخيبة أمل جراء قرارات مؤتمر فتح * ردود فعل المعلقين الصحافيين والمحللين السياسيين الإسرائيليين تتراوح ما بين الترحيب بهذه المواقف والتحفظ منها

في الوقت الذي شنّ فيه وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، ومعظم الوزراء في حكومة بنيامين نتنياهو، هجومًا حادًا على المواقف التي عبر عنها المشاركون في مؤتمر فتح السادس المنعقد في بيت لحم، تراوحت ردود فعل المعلقين الصحافيين والمحللين السياسيين الإسرائيليين ما بين الترحيب بهذه المواقف والتحفظ منها.

وقال باراك إن "الخطابات التي أسمعت في مؤتمر فتح والمواقف التي تم التعبير عنها خطرة وغير مقبولة علينا". وأضاف: "مع ذلك يجب أن نعي أنه ليس هناك حل في الشرق الأوسط إلا في إطار تسوية شاملة وواسعة، تشملنا وتشمل الفلسطينيين". وتابع: "أنصح [الرئيس الفلسطيني] محمود عباس بالاستعداد للدخول إلى عملية تسوية، وبالأساس أنصح الرئيس [الأميركي] باراك أوباما أن يعمل على دفع تسوية شاملة في المنطقة قدمًا".

وردًا على تصريحات وزير الدفاع تساءل المحلل السياسي في صحيفة هآرتس، عكيفا إلدار، أمس الاثنين (10/8/2009): ما هي المواقف التي توقعها باراك؟ هل توقع أن تعلن فتح، مثلاً، أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية؟ أم أنه كان سيكتفي بموافقة الرئيس عباس على الاستمرار في توسيع البؤر الاستيطانية غير القانونية؟.

وتابع يقول: لقد تبنى المؤتمر السادس لحركة فتح برنامجًا سياسيًا يدعو إلى دفع حل الدولتين بطرق سلمية. وعلى الرغم من أن البرنامج أبقى ثغرة للكفاح ضد المستوطنات، إلا أنه حدّد ذلك في نطاق عصيان مدني شرعي، على غرار المظاهرات ضد جدار الفصل في منطقة بلعين. ويعتبر هذا البرنامج بمثابة إعلان حركة فتح طلاقها البائن من حركة "حماس" وأيديولوجيتها المتطرفة.

وأضاف: بطبيعة الحال في إمكان باراك أن يجد أسانيد "مهنية" لهجومه هذا، كما ورد في تقويمات قام "مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب"، الذي يتغذى من وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية [أمان]، بتعميمها على أعتاب مؤتمر فتح، وأكدت أن المؤتمر يتميّز بمواقف متطرفة إزاء النزاع مع إسرائيل.

وقال إلدار إن إسرائيل تنفض، على ما يبدو، الغبار عن "الكتاب الأبيض"، الذي صدر في أول أيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية بإيعاز من رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، إيهود باراك، من أجل تعميم نظريته بشأن "عدم وجود شريك" [فلسطيني]، وذلك كي تعود إلى تلك المرحلة. ونوّه إلى أنه تم، مؤخرًا، تجنيد مؤلف هذا الكتاب، العقيد عيران ليرمان، الذي كان من كبار المسؤولين في شعبة الاستخبارات العسكرية، للعمل في ديوان رئيس الحكومة مع مستشار الأمن القومي، عوزي أراد.

في سياق آخر كتب دوف فايسغلاس، مدير عام ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، أمس الاثنين، تعليقًا في صحيفة يديعوت أحرونوت ذكر فيه أنه كان من المتوقع أن تعكس الخطابات والقرارات في مؤتمر فتح، بهذا القدر أو ذاك، الواقع الفلسطيني الآخذ في التحسن، وأن تشير إلى بداية اتخاذ مواقف معتدلة عملية. غير أن الفلسطينيين، كعادتهم، فضلوا التمسك بالشعارات المتطرفة، التي تعتبر، في معظمها، معزولة عن الواقع. ولعل أكبر مثال على ذلك هو القرار بشأن "مسؤولية إسرائيل عن اغتيال [الرئيس الفلسطيني الراحل] ياسر عرفات".

واعتبر الكاتب أن ردات الفعل في إسرائيل على المؤتمر كانت متوقعة. فاليمين اعتبره دليلاً آخر يدعم استنتاجه الأبدي، وهو أنه لا يوجد ولن يوجد قطّ شريك [فلسطيني] للمحادثات. أمّا اليسار فيحاول أن يقنعنا أن من شأن التحليل المعمق للخطابات والقرارات أن يؤكد أن ما حدث في مؤتمر فتح لم يكن فظيعًا للغاية.

لكنه أضاف: مهما يكن فإن الاستنتاج الواضح من قرارات مؤتمر فتح هو أن قيادة هذه الحركة لا تملك الجرأة والاستقامة لمصارحة شعبها، كما يستلزم الجهد الصادق لإحراز تسوية دائمة مع إسرائيل. إن السلام الإسرائيلي- الفلسطيني يتطلب القيام بتنازلات مؤلمة، لا من جانب إسرائيل فحسب وإنما من جانب الفلسطينيين أيضًا. ومن هذه التنازلات مثلاً: إبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في يد إسرائيل؛ التنازل عن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل؛ تسوية موضوع القدس. وبناء على ذلك يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يعملوا في تحسين الواقع، لا أن يتعلقوا بأوهام الحل الدائم. ويمكن أن يُعتبر هذا العمل غاية سياسية بحد ذاتها تحرّر القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية، في المرحلة الحالية، من وطأة اتخاذ قرارات ليس في إمكانهما حسمها.

وعلى النقيض من ذلك أكد ياريف أوبنهايمـر، السكرتير العام لحركة "السلام الآن"، في تعليق آخر ظهر في يديعوت أحرونوت أمس الاثنين، أن مؤتمر فتح يعكس استعداد الفلسطينيين للسلام مع إسرائيل.

وكتب يقول: إن الذي يعتقد أن الفلسطينيين سينضمون إلى الحركة الصهيونية ويقسمون يمين الولاء لدولة إسرائيل لا بُدّ أن يصاب بخيبة أمل جراء قرارات المؤتمر السادس لحركة فتح، الذي عقد في بيت لحم. غير أن الذي يتأمل الواقع بصورة جادّة وحقيقية يرى أن هذا المؤتمر قد عكس استعداد الشعب الفلسطيني وقدرته على التوصل إلى سلام مع إسرائيل، "من خلال التنازل عن تطبيق حق العودة في تخوم دولة إسرائيل".

وتابع: في واقع الأمر ليس من السهل أن يكون المرء فتحـاويًا في المجتمع الفلسطيني. وعلى الرغم من أعوام الاحتلال الطويلة ومضاعفة عدد المستوطنات وبناء جدار الفصل في عمق الأراضي الفلسطينية، لا تزال هذه الحركة السياسية الفلسطينية المدنية تدعو الفلسطينيين إلى خوض كفاح سلمي، من خلال مواجهة نزعات التطرّف الدينية التي تأتي من جانب "حماس" وحزب الله وإيران. كما أن إسرائيل لا تبدي حماسة للتعاون مع قيادة فتح في مجالات كثيرة، مثل المستوطنات ومسار الجدار والإفراج عن السجناء، علاوة على أن المفاوضات لم تسفر عن أي نتيجة وأدت إلى إضعاف مكانة المعتدلين في الطرف الفلسطيني. إن الذي يرغب في فشل المفاوضات سلفًا هو رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزراؤه، الذين يطالبون الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل دولة يهودية.

وختم: "من الأفضل أن نرى الواقع على حقيقته وأن نستنفد الفرص كلها من أجل التوصل، في الوقت الحالي، إلى اتفاق مع القيادة الفلسطينية العملية والمعتدلة قبل أن يتم استبدالها بقيادة دينية متعصبة، ترى أن الجهاد العنيف هو الوسيلة الرئيسية لمحاربة إسرائيل".

وكانت صحيفة هآرتس قد أنشأت، يوم الجمعة الماضي (7/8/2009)، مقـالا افتتاحيا أكدت فيه أن المواقف السياسية لحركة فتح تفنّد الادعاء بشأن عدم وجود شريك فلسطيني.

ومما جاء فيه:

"حظي البرنامج الجديد لحركة فتح وخطاب محمود عباس بتأييد جارف لدى أكثر من 2200 مندوب في المؤتمر السادس للحركة، الذين جاء جزء كبير منهم من الشتات الفلسطيني. ووجه هؤلاء جميعًا من بيت لحم رسالة سياسية لا تقبل التأويل إلى إسرائيل فحواها: حل الدولتين لشعبين ما زال الخيار الإستراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية.

"وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر، الذي عقد بعد 20 عامًا من انعقاد المؤتمر السابق، يجري في ظل الاحتلال الإسرائيلي ووصول عملية السلام إلى طريق مسدودة، إلا أن حركة فتح التزمت الخيار السياسي ومبادئ مبادرة السلام العربية. وبذا فقد ميزت هذه الحركة نفسها عن حركة "حماس"، وتماثلت مع الإجماع العربي والدولي بشأن التسوية السياسية، على أساس إقامة دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وعلى أساس إيجاد حل عادل ومتفق عليه مع إسرائيل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194.

"وقد رفض المؤتمر مطلب الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، كما رفض اقتراح إقامة دولة فلسطينية ذات حدود موقتة، ودعا إلى توثيق العلاقات مع معسكر السلام في إسرائيل، غير أن هذه الدعوة بقيت، للأسف، ملطخة بوصمة التلميح البشع أن إسرائيل اغتالت ياسر عرفات.

"من ناحية أخرى جرى التشديد، في برنامج فتح وفي خطاب الرئيس عباس، على أنه في حال انعدام تقدّم حقيقي نحو حل الدولتين فسيتركز الكفاح في مطلب إقامة دولة ثنائية القومية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، أو في إعلان إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 من جانب واحد. كما جرى التأكيد أن فتح تحتفظ لنفسها بالحق في الكفاح من أجل حرية الشعب الفلسطيني بطرق شرعية، تشمل مواجهة المستوطنين والقوى التي تدافع عنهم، وكذلك إعلان عصيان مدني سلمي.

"بناء على ذلك يجدر بالجمهور العريض وأصحاب القرار في إسرائيل أن يدرسا، بمنتهى الجدية والمسؤولية، قرارات مؤتمر بيت لحم. فالمواقف السياسية لحركة فتح تفند الادعاء الرائج لدى معسكر اليمين الإسرائيلي وفحواه أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام. ولا شك في أن مصير الحركة الوطنية الفلسطينية في المعسكر الفلسطيني سيكون مرهونًا، إلى حدّ كبير، بسياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء شروط استئناف العملية السياسية، وفي مقدمها تجميد الاستيطان في المناطق [المحتلة]".