محللون إسرائيليون يحذرون من خطورة ليبرمان ويعلون

تناولت ثلاثة مقالات في الصحف الإسرائيلية اليومية الكبرى الثلاث، يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس، اليوم الأربعاء – 26.8.2009، أداء وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، وأجمعت على أن آراءه وتصريحاته المنفلتة، في غالبيتها الساحقة، لا تخدم إسرائيل، وخصوصا سياستها الخارجية، وحتى أن أحد المقالات حذر من مخاطر تحول الحكم في إسرائيل إلى فاشي، في حال "احتل الحكم" زمرة مؤلفة من أشخاص مثل ليبرمان ووزير الشؤون الإستراتجية ورئيس أركان الجيش الأسبق، موشيه يعلون. كما دعا أحد المحللين نتنياهو إلى إقالة ليبرمان من منصبه فورا.

وجاء مقال المحلل السياسي في هآرتس، ألوف بن، مباشر وواضح، أكثر من غيره، بعد أن طالب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بإقالة ليبرمان. وكتب أنه "تنتظر نتنياهو بعد عودته من جولته في أوروبا مهمة وطنية هامة، وهي إخراج ليبرمان من منصبه". وأوضح بن أن السبب الذي جعله يطرح هذا الطلب بصورة مباشرة هو أن "خطورة الضرر الذي يلحقه ليبرمان بالدولة وبعلاقاتها الخارجية يتصاعد".

وأشار بن إلى التصريحات التي أطلقها ليبرمان خلال الأيام الأخيرة فقط، وكتب أنه "في أيام شهر آب، حيث تقل كمية الأخبار، يزوّد ليبرمان وسائل الإعلام بمسرحية يومية... يضرب السويد، ويركل النرويج، ويطهر سلك وزارة الخارجية من العرب والحريديم (اليهود المتدينين المتشددين)، ويظهر رئيس الحكومة كأنه أحمق يهدر وقته على عملية سياسية لا جدوى منها، ويهدد دبلوماسييه بأن من لا يلائم نفسه مع الخط السياسي الذي يتم إملاءه من أعلى سيتم الإطاحة به. ومن يعلم ما الذي سيعلنه اليوم".

وتابع بن أن "أداء ليبرمان كوزير للخارجية يتلخص بالفشل. فلوزراء الخارجية يوجد دور مزدوج، دفع المصالح القومية بواسطة اتصالات دبلوماسية مع دول أخرى، واستعراض مواقف المجتمع الدولي (أمام الحكومة) خلال عملية صناعة القرارات الداخلية. وعلى وزير الخارجية أن يدلي بصوت السياسي (على المستوى القومي) في غرفة المداولات التي يقررون فيها شن الحروب وعقد السلام، مثلما يستعرض وزير الدفاع القدرات العسكرية". لكن ليبرمان، بحسب الكاتب، يواجه صعوبة في أداء دوره، لسبب بسيط وهو أن "المقاطعة والعزلة التي فرضتهما عليه دول العالم. فمصر لا تسامحه على الإهانات التي وجهها لرئيسها، وتتجاهله في أعقاب ذلك حكومات عربية أخرى. والتقى الأوروبيون والأميركيون معه مضطرين، وأوضحوا الاشمئزاز الذي شعروا به نحوه من خلال لقاءات متواضعة ودعوة (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي نتنياهو إلى استبدال وزير الخارجية. والروس، الذي فكّر ليبرمان بتحويلهم إلى حلفاء، دعوه إلى موسكو في نفس الوقت الذي عقدوا فيه لقاء مع (رئيس المكتب السياسي لحماس) خالد مشعل".

ورأى بن أنه "في وضع كهذا يكون قد تم تحييد وزير الخارجية. ففي ظل غياب من يتحدثون معه، لا يمكنه العمل في الدبلوماسية... وجولته في دول أميركا الجنوبية وأفريقيا تتعلق بمسائل هامشية بالنسبة للسياسة الخارجية الإسرائيلية. وهكذا تتقلص قدرته على الإسهام في صناعة القرارات الإستراتيجية في القدس. فما الذي سيستعرضه في المداولات، انطباعاته من الشاطئ في البرازيل؟ والنتيجة هي اختلال التوازن الداخلي في القيادة".

وخلص بن إلى أنه "في المؤسسة السياسية يتوقعون أن يوجه المستشار القانوني للحكومة (مناحيم مزوز) لائحة اتهام خطيرة ضد ليبرمان، بموجب توصيات الحكومة، ويضع نهاية لولايته الضارة. لكن يخظر على نتنياهو الاختباء وراء مزوز. وبصفته أكثر الدبلوماسيين خبرة في الحكومة، يدرك نتنياهو جيدا الضرر الذي يسببه ليبرمان في وزارة الخارجية. وعليه، عشية استئناف العملية السياسية ومع اقتراب حسم الموضوع الإيراني، أن يستبدل ليبرمان فورا بوزير مناسب أكثر، من دون علاقة مع العملية الجنائية. وبهذا سيتم اختبار القدرة القيادية لرئيس الحكومة".

من جانبه، أشار ايتان هابر، الكاتب في يديعوت أحرونوت، ومدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، إلى مقولة مشهورة لوزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بأنه "لا توجد لدولة إسرائيل سياسة خارجية وكل خطواتها نابعة من سياسة داخلية". ورأى عابر أن "أكثر تعبير مخلص بالأفعال لهذه المقولة يرفعه كراية ومبدأ من يشغل اليوم منصب وزير الخارجية".

وأضاف عابر أن ليبرمان يعتمد على الناحية العاطفية للقسم الأكبر من الجمهور في إسرائيل. وكتب أن "ليبرمان حل لغز السياسة الإسرائيلية منذ وقت طويل. إذ يوجد بيننا مجموعة سكانية هائلة، وتشكل الأغلبية بالتأكيد، هي مجموعة عاطفية، ومزروعة على جذور الماضي والمخاوف الموغلة في القدم. ولا يوجد لهذه المجموعة وقت ولا ’رأس’ للتفكير. يلقون إليها بكلمة أو اثنتين كطعم، وهي ’تأكله’ ويبقى في كرشها".

ووصف عابر ليبرمان بأنه "أوليغارك سياسي". والأوليغاركية هي حكم الأقلية، لكن "الأوليغارك" بالمفهوم الإسرائيلي هو رجل الأعمال الروسي الذي جمع ثروة هائلة، بصورة غير قانونية، خلال فترة انهيار الاتحاد السوفييتي والسنوات القليلة التي أعقبت ذلك. وأضاف هابر أن "ليبرمان هو أوليغارك يركز عمله في السياسة، التي ينفذ بواسطتها أعمالا تجارية أيضا. ومثل الأوليغاركيين الذين يجمعون الدولارات، هو يجمع الأصوات. والاعتبار الأول بالنسبة له هو، حتى وإن أدى ذلك إلى إلحاق أضرار بدولة إسرائيل. والدولة، ومنصبه كوزير للخارجية، هما بنظره وسيلة لجمع المزيد من الأصوات. كافة الوسائل مشروعة. هل تذكرون أيضا ’تبادل الأراضي والسكان’" وهو الشعار الذي أطلقه ليبرمان لكسب تأييد اليمين المتطرف داعيا من خلاله إلى طرد العرب.

وتابع هابر أن "وزير خارجية آخر كان سيستصرخ السماء والأرض ومساعديه وأتباعه لو أن دولة واحدة في العالم قاطعته. لكن ليبرمان يتجاهل التلميحات بأنه ليس لديه ما يبحث عنه في واشنطن وأنه لا يجدر به أن تطأ قدمه في أوروبا". وخلص الكاتب ساخرا إلى أنه "تبقى له فقط التنقل من ساو باولو إلى تريندد، غامبيا وزامبيا، وبيع الجمهور الإسرائيلي مدى إهمال (إسرائيل) لهذه الدول ومدى أهمية ربط علاقات دبلوماسية معها، بدلا من لندن وباريس وبرلين".

وتناول المقال الثالث للصحفي المخضرم غدعون سامت، في معاريف، إضافة إلى ليبرمان، تصريحات يعلون من الأسبوع الماضي والتي أثارت ضجة في إسرائيل. فقد هاجم يعلون، خلال اجتماع للجناح اليميني المتطرف في حزب الليكود، حركة "سلام الآن" ومن وصفهم ب"النخب" اليسارية في إشارة إلى قضاة المحكمة العليا وصحفيين كبار. وشدد سامت على أنه لم تبق هناك نخبة في اليسار الإسرائيلي.

لكن مقال سامت هدف بالأساس إلى التحذير من تطور عملية النزوح الكبرى نحو اليمين المتطرف في إسرائيل. وكتب أنه "إذا كانت هناك أية جدوى العربدة الكلامية من جانب أفيغدور ليبرمان وبوغي يعلون، فهي التوضيح التي منحته لطبيعة الحزب الحاكم. ومع التأييد الصامت لأشخاص مثل (الوزير) دان مريدور (الذي يعتبر من الشخصيات المستقيمة والليبرالية إلى حد ما رغم وجوده في اليمين) والتلوي التكيتيكي لرئيس الحكومة، فإنه تحدث هناك تحولا يجعل الحزب يبدو شبيها بحركات المعارضة المهووسة في أوروبا" في إشارة إلى حركات اليمين الفاشي.

ورأى سامت أنه لم يعد هناك يسارا ولا نخبة يسارية في إسرائيل. وأن نخبا مثل أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفيسور التقدمي زئيف شترنهل، "باتت تعيش في عزلة. وأكاديميون قليلون جدا من اليسار الذين ما زالوا يحافظون على مواقفهم. وحتى أني أسمع لدى زعيم ميرتس، حاييم أورون، نوعا من الحذر تجاه الطموح بأن تقنع مواقف اليسار جمهورا أوسع. فالشارع غارق في شكوك عميقة، إن لم يكن عداء، تجاه السلام وبقايا ما يتمسك به اليسار".

وأضاف سامت أنه حتى مؤشرات السلام التي ظهرت في السنوات الماضية كانت وهمية. وكتب أن "الأمور تبدو غريبة، وكأن حكومات ولدت في اليمين، أي حكومتي أرييل شارون وايهود أولمرت، منحت اليسار انتصارا كبيرا. فهذان، وفي أعقابهما بنيامين نتنياهو، تبنوا معادلة الدولتين. لكن هذه مجرد أوهام، وجاءت تحت ضغط أميركي. وليبرمان توجه إلى شهور إسرائيلي متنامي عندما قال، هذا الأسبوع، استمرار لسلسلة تهديداته، إنه ’بعد 16 عاما أيضا لن نتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين’، وهذا الشعار يتغلغل في معسكر اليساريين السابقين" الذين أصبحوا في معسكر اليمين.

وحذر سامت من أن "هذه الديمغوغية آخذة بالتعاظم. وعندما يتحدث يعلون وليبرمان وموشيه فايغلين (زعيم الجناح اليميني المتطرف في الليكود) عن احتلال الحكم، في المستقبل، فإنهم يتنبئون بانتصار السوقية السياسية بأبشع صورها، ومن خلال إعادة اصطفاف القوى السياسية. ونحن نواجه الآن هجوما غير مسبوق من حيث حجمه داخل المؤسسة (السياسية في إسرائيل) التي غيرت وجهها بالكامل، وفي الحلبة التي لم يعد فيه اليمين واليسار المألوفين، واحتل مكانهما تحالفا لا يعرف الحدود ومدعوم من حزب العمل، الآخذ في الاحتضار".

وخلص سامت إلى أن "النخبة المثقفة الإسرائيلية النازحة نحو اليمين ما زالت تشمئز من يعلون. لكنها مجرد جزء من ذلك العمود الفقري الذي يشكله معسكر اليسار-الوسط، والذي انهار في دول أخرى عندما أتاحت ظروف دراماتيكية لأشخاص مثل يعلون الصعود إلى القيادة والسيطرة عليها. وسوف تستغربون، أن سيطرة كهذه ربما ليست خيالية مثلما تبدو لطائفة العابرين من اليسار المتلاشي".