السلطات الإسرائيلية لا تطبق قوانين التعليم في القدس الشرقية

تعريف

يستعرض هذا التقرير الذي أعدته جمعية "عيرعميم" بالتعاون مع "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، مؤخرا، أوضاع قطاع التعليم (العربي- الفلسطيني) في مدينة القدس (الشرقية) وذلك عشية افتتاح العام الدراسي الجديد (2009-2010). ويقدم التقرير مقاربة جوهرية وموضوعية ونقدية لأحوال جهاز ومؤسسات التعليم العربي- الفلسطيني في الشطر الشرقي من مدينة القدس، يعكس فيها صورة دقيقة، مسنودة بالأرقام والمعطيات، للأوضاع المزرية و"المأساوية" التي تعانيها مؤسسات جهاز التعليم البلدي ( الحكومي) في القدس المحتلة.

وتكمن أهمية هذا التقرير، عدا عن مضامينه ومحتوياته الجوهرية، في كونه ربما أول تقرير من نوعه يصدر عن منظمات وهيئات إسرائيلية حقوقية، في صدد تسليط الضوء على صورة وأوضاع مؤسسات جهاز التعليم البلدي( الحكومي) في مدينة القدس، والذي تديره وتتحمل المسؤولية المباشرة عنه حكومة وبلدية دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا "الجهاز" الذي حذرت، أخيرا، العديد من الجهات والهيئات الفلسطينية المقدسية من مخاطر انهياره الوشيك.

توطئة: أطفال بلا مدارس

تحت هذا العنوان يستهل التقرير مؤكداً على أنه "عشية افتتاح العام الدراسي 2009-2010 يحرم عمليا آلاف التلاميذ الفلسطينيين في القدس الشرقية من الالتحاق بالتعليم العام (الحكومي) المجاني، على الرغم من أن هذا الحق مكفول لهم كمواطنين- مقيمين- دائمين في دولة إسرائيل، بموجب قانون التعليم الإلزامي"، ما يعني أن السلطات الإسرائيلية لا تطبق قوانين التعليم في القدس الشرقية. ويضيف التقرير مبينا أنه "في السنة الأخيرة - أي العام الدراسي السابق- كان أقل من نصف التلاميذ الفلسطينيين في القدس الشرقية، 40,745 من أصل 90,000 طالب وطالبة تقريبا، يتعلمون في "جهاز التعليم البلدي"، مشيرا إلى أن أهالي الأولاد الذين لم يتوفر لهم مكان في مدارس هذا الجهاز "يضطرون لإرسالهم إلى مدارس خاصة أو غير رسمية تعتبر الكلفة المالية للتعليم في الكثير منها عالية جداً" ومرهقة للأهالي.

ويمضي التقرير مشيرا إلى أنه "وفقا لتقديرات حذرة فإن هناك حوالي 5500 طالب غير مسجلين في أي إطار تعليمي، عام أو خاص".. ويستطرد التقرير في عرض صورة الأوضاع المزرية لقطاع التعليم الفلسطيني في القدس مبينا أن "آلاف التلاميذ يضطرون للتعلم في صفوف لا تصلح للتعليم.. (إذ أن) بلدية القدس تقيم الكثير من صفوف التدريس في مباني مستأجرة لم تخصص أصلا لهذا الغرض (...) في غرف صغيرة مكتظة وتنقصها التهوية، دون صفوف إسناد ودون ساحات للعب". وأكد التقرير على أنه "من الناحية العملية فإن نصف الغرف الدراسية التي تديرها بلدية القدس (في القدس الشرقية) حاليا ليست نظامية وغير مطابقة للمواصفات التي ينبغي توفرها في صفوف التعليم". وفي هذا الصدد تقر البلدية الإسرائيلية في بياناتها الرسمية - على ما أورده التقرير- بأن من بين الغرف الدراسية التي لا تفي بالمواصفات اللازمة، هناك 221 غرفة (188 غرفة في مدارس و33 غرفة صف في رياض أطفال) تقع في مبان "في وضع غير ملائم".

النقص في غرف التدريس : الوعود والواقع

ويستطرد التقرير لافتا إلى أن "النقص الخطير في غرف التدريس يحتل منذ سنوات عديدة محور مشاكل جهاز التعليم في القدس الشرقية"، مضيفا أن إحدى الخطط الرئيسية التي أعدت بطلب من البلدية سنة 2000، توقعت نقصاً يصل إلى 1322 غرفة تدريس في العام 2005، وأن هذا النقص سيصل حتى العام 2010 إلى 1835 غرفة تدريس. وكان النقص في غرف التدريس في القدس الشرقية قد بلغ في العام الدراسي السابق (2009-2008)، وفقا لتقرير "مراقب الدولة" الأخير، 1000 غرفة تدريس على الأقل، فقط في المدارس الحكومية التي يديرها جهاز التعليم والبلدية الإسرائيليين، وذلك في جميع الطبقات العمرية. ومن المتوقع أن يصل هذا النقص في العام الدراسي المقبل (2010-2011) إلى ما لا يقل عن 1500 غرفة تدريس، وذلك وفق نفس التقديرات الواردة في هذا التقرير. وأردف التقرير أن "النقص في غرف التدريس في مؤسسات جهاز التعليم العربي في القدس الشرقية استمر على الرغم من التعهدات المتكررة التي قطعتها الدولة، على إثر قرارات أصدرتها المحكمة العليا الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، القاضية ببناء مئات غرف التدريس اللازمة" لسد النقص وتلبية احتياجات التلاميذ الفلسطينيين في القدس الشرقية.

البلدية: المشكلة "نقص في الأراضي"!

ويمضي التقرير قي هذا السياق إلى القول إنه "على الرغم من عدم وجود خلاف على أن عدد غرف التدريس الناقصة في القدس الشرقية يصل إلى ما يزيد عن 1000 غرفة، إلا أن مجموع غرف التدريس التي كانت قيد البناء، في السنة الأخيرة، في كل القدس الشرقية لم يتجاوز 39 غرفة تدريس، وجميعها في مدرسة جديدة واحدة"(؟!) وبحسب التقرير فإن "الحجة المركزية" التي تسوقها بلدية القدس في معرض تبرير التقصير في بناء غرف التدريس اللازمة هي " النقص في الأراضي المتيسرة لبناء صفوف جديدة". غير أن معدي التقرير يفندون هذه الذريعة بقولهم إن معطيات مسح للأراضي زودتها بلدية القدس للمحكمة العليا الإسرائيلية، في العام 2006، بينت بوضوح أنه كانت هناك في ذات الفترة في القدس الشرقية ستة عشر قطعة أرض متيسرة فوراً لبناء 123 غرفة تدريس جديدة، فضلا عن 17 قطعة أخرى قابلة للمصادرة مقابل تعويض مالي لأصحابها، يمكن أن تشيد عليها 262 غرفة تدريس إضافية. ولكن "على الرغم من الوعود والتعهدات فإن بناء غرف التدريس، بل وحتى مصادرة الأراضي اللازمة لهذا الغرض لم يشهدا تقريبا أي تقدم طوال السنوات الأخيرة".

خلل وفوضى في إجراءات التسجيل للمدارس

ويستطرد تقرير الجمعيتين الإسرائيليتين في وصف الصورة القاتمة لأوضاع قطاع التعليم الفلسطيني في القدس، مشيرا إلى أنه "نتيجة للنقص الخطير في صفوف التدريس، فإن جهاز التعليم البلدي يعجز عن استيعاب جميع الطلاب الذين يريدون التسجيل للدراسة في إطاره". ويضيف مبينا أن "بلدية القدس ترفض سنويا طلبات أعداد كبيرة من الأولاد الفلسطينيين الذين يريدون الالتحاق بمدارس جهاز التعليم العام- الحكومي- بدعوى النقص في الأماكن في مؤسسات التعليم". وأكثر من ذلك، فإن "البلدية لا تكلف نفسها عناء توثيق طلبات التسجيل المرفوضة، ولذلك لا تتوفر معطيات دقيقة عن عدد التلاميذ الذين يطلبون الالتحاق في جهاز التعليم البلدي ولم يتوفر لهم مكان". ويسند التقرير هذه الوقائع مشيرا إلى أن المحكمة العليا كانت قد اتخذت قراراً في آب 2001 أكدت فيه أن "الدولة ملزمة بتمكين جميع الأولاد الفلسطينيين في القدس الشرقية في كل سنة من التسجيل للتعلم في المدارس أو رياض الأطفال الإلزامية في مناطق سكناهم". وقد "صرحت بلدية القدس أمام المحكمة العليا أنها تبذل جهدها لاستيعاب كل طفل يُسجل لروضة التعليم الإلزامي والصف الأول الابتدائي". ولكن في رد على سؤال لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست في تشرين الأول 2006، أبلغت دائرة المعارف التابعة للبلدية بأنه "لا يوجد تسجيل دقيق" لعدد التلاميذ الذين يطلبون التسجيل في مؤسسات جهاز التعليم البلدي ويتم رفض طلباتهم بسبب عدم توفر مكان. ويضيف التقرير : "بالإضافة إلى غياب الاستيعاب والتسجيل للطلاب في القدس الشرقية، تواصل بلدية القدس وضع العراقيل الإدارية وسواها أمام أولياء الأمور الذين يسعون إلى تسجيل أولادهم في مدارس البلدية".

موقف الجمعيتين

ويختم التقرير بعرض موقف جمعيتي "عيرعميم" و"حقوق المواطن في إسرائيل" إزاء موضوع التعليم في القدس الشرقية "، ويمكن إيجاز هذا الموقف بالآتي:
•أكدت الجمعيتان أن السلطات الإسرائيلية المختصة "عملت على امتداد سنوات بشكل مخالف للقانون حين تقاعست عن إصلاح وتصحيح مظاهر الخلل والنواقص الخطيرة في جهاز التعليم البلدي في القدس الشرقية".
•أكدتا على أن "رفض منح الأطفال حقهم الأساسي في التعليم يشكل مسا خطيرا جداً بالحقوق الأساسية في التطور والنماء وتحقيق الذات"، الأمر الذي "يلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بقدرة الأطفال في القدس الشرقية على التطور في حياتهم المستقبلية".
•بناء على ذلك، شددت الجمعيتان على وجوب "وضع حد للمأساة المستمرة في جهاز التعليم في القدس الشرقية" ودعتا في هذا السياق "حكومة إسرائيل إلى الإقرار بأهمية الموضوع، وإيلاء أولوية، لدفعه قدما، في توزيع كعكة ميزانية وزارة التعليم".

وأنهت الجمعيتان تقريرهما بتقديم عدد من المقترحات العملية التي قالتا إن على وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس الأخذ بها من أجل تصحيح وتحسين الوضع المعتل والمزري على هذا الصعيد. ومن أهم ما جاء في هذه المقترحات: دعوة لتمكين جميع الأولاد الفلسطينيين في القدس وبصورة فورية من الحصول على "تعليم عام- حكومي- مجاني"؛ دمج قواعد عمل تتسم بالشفافية في تسجيل الطلاب وممارسة رقابة دائمة على إجراءات التسجيل؛ تخصيص الميزانيات اللازمة لبناء مؤسسات تعليم من أجل سد النقص القائم في صفوف- غرف- التدريس، والذي يصل عشية افتتاح العام الدراسي الحالي إلى حوالي 1000 غرفة تدريس؛ وأكدت الجمعيتان أنه، وإلى حين استكمال سد الفجوة في عدد الصفوف الناقصة "يتعين على الدولة أن تعيد رسوم التعليم لأولياء الأمور الذين يضطرون لإرسال أبنائهم للتعليم في المدارس الخاصة".