قوانين عنصرية على جدول أعمال الكنيست

يعتزم حزب "إسرائيل بيتنا"، بزعامة وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، طرح مشروعي قانون عنصريين على جدول أعمال الكنيست، في الأيام القريبة المقبلة. وذكرت الصحف الإسرائيلية، اليوم الاثنين – 25.5.2009، أنه إضافة إلى قانون منع تنظيم نشاطات لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، الذي أقرت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سن القوانين، أمس، طرحه على الكنيست وتأييد التحالف الحكومي له، فإن "إسرائيل بيتنا" سيطرح، الأسبوع المقبل، مشروع قانون "قسم الولاء"، الذي يطالب المواطنين في إسرائيل بقسم يمين الولاء لإسرائيل والخدمة العسكرية أو المدنية، كشرط للحصول على المواطنة والجنسية الإسرائيلية. وأكد محللون على أن كلا القانونين عنصريين، وحتى أن أحد المحللين وصف قانون منع إحياء ذكرى النكبة هو "إرهاب فكري".

وبادر عضو الكنيست ألكس ميلر، من حزب "إسرائيل بيتنا" للمهاجرين الروس، إلى طرح مشروع قانون منع إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية. وسيصوت عليه الكنيست بالقراءة التمهيدية يوم الأربعاء المقبل. ويقضي مشروع القانون بحظر تنظيم نشاطات شعبية بمناسبة ذكرى النكبة. ويعني إقراره في اللجنة الوزارية أن التحالف الحكومي سيؤيده لدى طرحه على الكنيست ما يزيد بشكل كبير احتمالات سن مشروع القانون. وتنظم الأحزاب والحركات والهيئات السياسية النشطة بين الأقلية العربية في إسرائيل نشاطات في ذكرى النكبة الفلسطينية، والذي يصادف ذكرى قيام إسرائيل، تحت شعار "يوم استقلالكم يوم نكبتنا"، وتنظم خلال ذلك مسيرات إلى القرى الفلسطينية المهجرة منذ العام 1948. وينص مشروع القانون على تعرض كل من يخالفه للسجن لمدة ثلاث سنوات.

وقال ميلر في أعقاب قرار اللجنة الوزارية أن "هذه المرحلة الأولى لوقف النشاطات التحريضية التي تنظمها الحركة الإسلامية ولجنة المتابعة العليا للعرب". واعتبر ميلر أن "لكل دولة ديمقراطية الحق بالدفاع عن نفسها، وهذا ما اختارت أن تفعله حكومة إسرائيل. وقد انتهت الأيام التي كانت تواجه فيها مخططات (رئيس الحركة الإسلامية الشيخ) رائد صلاح ورفاقه بتغييب دولة إسرائيل عن وجه الأرض، بالتسامح. وقد انتخب الشعب في إسرائيل حكومة تدافع عن حقه بالعيش بسلام وأمن في بلاده وهذا ما نلتزم به".

من جهة ثانية، يعتزم رئيس لجنة القانون والدستور التابعة للكنيست، عضو الكنيست دافيد روتيم، أن يطرح مشروع قانون "قسم الولاء" على جدول أعمال الكنيست، الأسبوع المقبل. ويقضي هذا القانون بأن كل من يقدم طلبا للحصول على الجنسية الإسرائيلية أو استصدار بطاقة هوية إسرائيلية، للمرة الأولى، سيكون ملزما بالتوقيع على تصريح ولاء لإسرائيل، وهذا نصه: "إني أتعهد بالولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية وصهيونية وديمقراطية". كذلك فإن عليه أن يتعهد بالتجند للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي أو الخدمة المدنية، والتي تسمى أيضا ب"الخدمة الوطنية".

وتجدر الإشارة إلى أنه إضافة إلى كون القانون غير ديمقراطي، فإن المواطنين العرب داخل الخط الأخضر يرفضون الاعتراف بيهودية إسرائيل، ويعتبرون أن الصهيونية، التي ارتكبت الجرائم وتسببت بنكبتهم، هي حركة معادية لمجرد وجود الفلسطينيين في بلادهم. كما يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي، كونه جيش احتلال، يقاتل أشقائهم العرب عموما، والفلسطينيين خصوصا، ويحتل أراضي عربية وفلسطينية ويرتكب الجرائم بحق العرب والفلسطينيين.

وأثار قرار اللجنة الوزارية الإسرائيلية بتأييد طرح مشروع قانون منع إحياء ذكرى النكبة تنظيم غضبا واسعا في صفوف فلسطينيي ال48. وقال النائب في الكنيست جمال زحالقة في بيان عقب فيه على قرار اللجنة الوزارية إن "تمرير هذا القانون يعني أن الحكومة الإسرائيلية فقدت صوابها وهو دليل على إفلاس المؤسسة الإسرائيلية وخوفها من صوت الضحية وروايتها حين تعبر عن ألمها". وأضاف أنه " لا يوجد مثيل لمثل هذا القانون في العالم، والوقاحة الإسرائيلية تجاوزت كل الحدود، لقد سلبوا وطننا وهجروا أهلنا وهدموا قرانا والآن جاءوا بقانون يحرمنا من صرخة الألم ويصادر الحزن والحداد. وهم يحاولون إسكات صوتنا لأننا نقول الحقيقة وهم يكذبون ولأن من مصلحة المجرم أن يطمس الحقائق، أما الضحية فمن مصلحتها الكشف عن الحقيقة ودحض ادعاءات المجرم". وشدد زحالقة على أنه "لن نخضع للقمع وأنا واثق من أنه في أيار المقبل ستكون ردة فعل جماهيرنا مضاعفة في العمل والمشاركة لإحياء ذكرى النكبة".

من جانبه قال النائب في الكنيست محمد بركة في بيان إنه "لم تنشأ بعد القوة التي بإمكانها أن تمنعنا من إحياء ذكرى نكبة شعبنا، لا كتاب القوانين الإسرائيلي برمته ولا التهديد بالعقوبات وغيرها، وسن قانون كهذا ما هو إلا تعبير عن حضيض جديد لعنصرية النظام في إسرائيل". وأضاف أن "حكومة نتنياهو تتبنى قانونا يلائم شكلها وتركيبتها، قانون عنصري من عضو كنيست هامشي، يريد فرض تزوير التاريخ والحقيقة على شعبنا والعالم وهذا حضيض جديد لعنصرية النظام في إسرائيل". وتابع بركة "لقد أطلقنا شعار ’يوم استقلالهم يوم نكبتنا’ قبل سنوات ليتحول إلى شعار مركزي، ونعتز بهذا، وعلى مر عشرات السنين أحيت جماهيرنا على طريقتها ذكرى النكبة في مثل هذا اليوم، خاصة من خلال المبادرات الفردية والجماعية لزيارة القرى المهجرة والمدمرة، إلى أن تبلورت فكرة إحيائها بشكل جماهيري شامل". وأضاف "لم نحيِ هذا اليوم بقرار من أحد بل بقرار الشعب وسيبقى يوم استقلالهم يوم نكبتنا، ومصير قانون كهذا مثل قوانين مشابهة في مزبلة التاريخ".

"إرهاب فكري"

ووصف محلل الشؤون القانونية في صحيفة يديعوت أحرونوت، بوعاز أوكون، في مقال نشره، اليوم، مشروع قانون منع إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية بأنه "إرهاب فكري". وشدد الكاتب على أن "ثمة أمورا لا يمكن تضمينها في قانون. لا يمكن إرغامنا على الرقص أو الحزن، على الفرح أو الحداد. وفي الحد الأقصى بالإمكان منحنا يوم إجازة من أجل أن نفعل ذلك. ولذلك فإن قانون النكبة هو، قبل كل شيء، "غير قابل للتشريع"، ومشروع القانون هذا لن يصبح قانونا حتى لو عبر ألف قراءة".

وتساءل أوكون "ما الذي ستفعله الشرطة، هل ستعتقل أشخاصا يرتدون لباسا أسود في يوم الاستقلال؟ إن مشروع القانون هذا يسعى إلى إصدار تراخيص حكومية على الفرح والحزن وهو يشكل نوع من الإرهاب الفكري". وأشار الكاتب إلى أن "هذا القانون سينضم إلى سلسلة قوانين مشهورة بسوء سمعتها"، في إشارة إلى التعديل على قانون المواطنة، الذي يمنع، فعليا، زواج المواطنين العرب في إسرائيل من فلسطينيين. كما شدد أوكون على أن "هذه القانون غير دستوري أيضا. و’قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته’ يفرض قيودا على قدرة الكنيست لسن قوانين... وقانون النكبة، في حال تم سنه، فإنه يمس النواة الصلبة لحقوق أساسية: حرية التعبير والتفكير والضمير وبتعريف الذات الإنسانية وبالقدرة على اتخاذ قرار حول ما إذا أراد المرء أن يفرح وكيف ينبغي القيام بذلك. وفي حال عبر هذا القانون، فإن ديمقراطيتنا ستفقد روحها". وأكد على أن هذا القانون "يدل على طبيعة هذه الحكومة. فعندما يوافق الفلسطينيون، هي تشكك؛ وعندما يحتجون، تخاف. ومثير أن نعرف ما الذي ستفعله (الحكومة الإسرائيلية) عندما يسخرون؟".

من جانبها كتبت الصحفية أفيرما غولان، في صحيفة هآرتس، انه "في اليوم الذي يعبر فيه هذا القانون الأبله والمثير للغضب، سيسجل على يوم انجرت فيه حكومة بأكملها، بمن فيها حزب العمل، وراء تحريض أرعن يمارسه متطرفون يسعون إلى التخريب وزرع الدمار في كل ركن لا يزال يوجد فيه احتمال ضئيل للعيش المشترك بين اليهود والعرب في إسرائيل. والحكومة التي تسن قانونا كهذا إنما تعترف بأن الديمقراطية أفلتت منها أمام الخوف والعدائية وأن التسامح تراجع أمام الكراهية، وأن المسؤولية تجاه المواطن تم دوسها بالأقدام الهمجية التي تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ".

وأضافت غولان أنه "ثمة أمر واحد لا يمكن فعله، وهو أنه لا يمكن التنكر للثمن الذي دفعه سكان البلاد العرب بسبب وثبة الشعب اليهودي في أرضه. لا يوجد مؤرخ يحترم نفسه بإمكانه إدارة ظهره للحقائق: القرى التي تم محوها، البيوت التي دُمرت، الأولاد الذين بكوا في ليلة صماء داخل رداء أمهاتهم في الطريق إلى الأردن ولبنان، العائلات التي تمزقت ولم يسمح لها بلم شملها، الكروم التي اقتلعت والزيتون الذي قُطع، قتلى المجزرة في كفر قاسم والأسرى الأبرياء إبان الحكم العسكري. كما لا يمكن التنكر للأرض التي سكنتها أجيال بأكملها وزرعوها بمحبة، ولم تعد ملكا لهم".

وتساءلت غولان "كيف يمكن أن أحدا في الحكومة لم ينهض ويوقفها. وإذا كان هناك شيئا ينبغي على الدولة القيام به في الفترة القريبة، هو العكس تماما: الاعتراف بالنكبة أنها يوم حداد شرعي، وأنه يوم بالإمكان إحياءه بمراسم ذكرى للناس والأماكن التي تعد موجودة. من الذي بإمكانه أن يفكر أن ولدا في العاشرة من عمره، في قرية جليلية، سيفرح فجأة بأنه قامت لليهود دولة ويرفع من أجلها علما أزرق – أبيض، وينشد النشيد الوطني الإسرائيلي؟ ما الذي يريدونه منهم لتمكينهم من مواصلة العيش هنا؟". وخلصت الكاتبة إلى أن ثمن هذا القانون وتبعاته "سيدفعه المجتمع الإسرائيلي كله".