الصحف الإسرائيلية: على نتنياهو الاختيار بين تغيير حكومته أو الذهاب إلى البيت

صدرت الصحف الإسرائيلية، اليوم الجمعة – 5.6.2009، متخمة بالتقارير والتحليلات حول الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في القاهرة، أمس، لكن كبار المحللين أشاروا إلى أنه سيتعين على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الاختيار بين تغيير حكومته والاستجابة لمطالب أوباما أو الذهاب إلى البيت.

وكتب المحلل السياسي في صحيفة معاريف، بن كسبيت، إن "بنيامين نتنياهو سيضطر إلى اتخاذ قرار في الفترة القريبة" حول ما إذا كان سيستمر في رفض مطلبي إدارة أوباما بخصوص تجميد الاستيطان والاعتراف بمبدأ الدولتين للشعبين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي عاد أوباما على تأكيدهما في خطابه أمس. وأضاف كسبيت أن على نتنياهو "إما أن يقول ’نعم’ لأوباما أو أن يقول ’لا’ لأوباما، مثلما تعين على (رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق) إسحاق شمير الإجابة على (وزير الخارجية الأميركي الأسبق) جيمس بيكر" بخصوص عقد مؤتمر مدريد. وتابع أنه "إذا أراد نتنياهو الذهاب مع الرئيس، ودخول التاريخ ومنح فرصة للسلام، فإنه سيضطر إلى تغيير تركيبة تحالفه الحكومي وأن يصبح زعيما، والعبور في العملية التي مر بها قبله (رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين) مناحيم بيغن وأرييل شارون وايهود أولمرت".

لكن كسبيت استدرك أنه "ثمة شك فيما إذا كانت بنيته النفسية، والعائلية أيضا، ستسمح له بذلك" مشيرا بذلك إلى الأفكار اليمينية البالغة التطرف التي يحملها والد نتنياهو، البروفيسور بنتسيون نتنياهو، الذي نفى، خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا، حق الفلسطينيين بدولة مستقلة وحتى أنه لا يعتبر الفلسطينيين شعبا. وأضاف كسبيت أنه "إذا فضل نتنياهو التقوقع في ركنه والدفاع عن المصالح الأمنية لدولة إسرائيل مثلما يراها، فإن بانتظاره ولاية صعبة ومضنية وربما تكون حتى أقصر بكثير من المتوقع. والقرار الآن بين يديه، والتاريخ النهائي هو بداية تموز المقبل، وسيكون هذا صيف حار".

من جانبها رأت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة يديعوت أحرونوت، سيما كدمون، أن "المشكلة هي أن نتنياهو وبدلا من تشكيل إجماع قومي حول الدولتين للشعبين ويذهب إلى أوباما فيما يتكتل الجمهور الإسرائيلي وراءه، فإنه وصل إلى هناك مع صعوبة في لفظ كلمتي ’دولة فلسطينية’". وأضافت أنه من الجهة الأخرى فإن المشكلة هي أن "الإدارة الأميركية والكونغرس يعرفان أن أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي يؤيد هذا الشعار مثلما دلت الاستطلاعات الأخيرة".

ورأى المحلل السياسي في يديعوت أحرونوت ايتان هابر، الذي أشغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، أن المشكلة الأساسية في خطاب أوباما كانت التوازن، إذ أنه "بعد سنوات طويلة من تدليلنا بانعدام توازن أميركي، كان في صالحنا، فإن الخطاب، أمس، كان بداية ’تقويم جديد’ في العلاقات بين واشنطن والقدس". وأضاف أنه "على ما يبدو لن تكون هناك علاقات حميمية، كتلك التي منحت دولة إسرائيل وزعمائها مكانة وحيدة ومميزة بين زعماء وأمم العالم والتي كانت بمثابة طبعة جديدة ل’بروتوكولات حكماء صهيون’". وطالب هابر الإسرائيليين بالحذر، إذ أن "الانطباع الآن هو أن أوباما مُصرّ جدا على تنفيذ نواياه في المجال الإسرائيلي الفلسطيني وهذا يعني أن علينا أن نكون حذرين لأن أوباما قادر على المضي نحو إملاء اتفاق، وسيفرح إسرائيليون كثيرون بذلك".

كذلك رأى كبير كتبة المقالات في صحيفة هآرتس، يوئيل ماركوس، أن "بيبي (أي نتنياهو) ليس محظوظا، لأن أوباما هو رجل أسود ومتألق وذكي في الوقت ذاته، ولا يزال في بداية ولايته ولديه كل الوقت اللازم من أجل تحديد أولويات العمل، وزيادة على ذلك فإنه يتمتع بشعبية كبيرة". ولفت إلى أنه "لا يوجد لدى بيبي حجة أنه لا توجد أغلبية في إسرائيل تؤيد إخلاء البؤر الاستيطانية، بل لديه حزب كديما وبإمكانه تشكيل حكومة واسعة والتخلص من الجهات اليمينية المتطرفة في حكومته، وإذا لم يفهم ذلك فإن أوباما جعله يفهم".

وأضاف ماركوس أنه "إذا لم يسمع الأصوات التي تتعالى في واشنطن فإنه سمع من القاهرة، أمس، أنه يوجد في أميركا مليونا مسلم أكثر من اليهود، وأوضح (أوباما) لنا أن المطلوب هو التفكير جيدا من أجل معرفة ما الذي بالإمكان الإصرار عليه وما لا يمكن الإصرار عليه، وأنه بالإمكان الإصرار على حدود آمنة وترتيبات أمنية ومحاربة الإرهاب لكن ليس على (مستوطنات مثل) ميغرون والميغرينا" في إشارة إلى الصداع المزمن.

وخلص ماركوس إلى أن "اليوم هو الخامس من حزيران، بعد 42 عاما على حرب الأيام الستة، وقد حان الوقت لنجيب على السؤال الذي طرحه الرئيس (الأميركي ليندون) جونسون على (رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي) أشكول: أية إسرائيل تريدون؟ وبالأمس أوضح أوباما ماذا ينبغي أن يكون الرد. ويجدر أن نتعامل مع خطابه المتملق في القاهرة على أنه صفارة إنذار حقيقية".

من جانبه كتب المحلل السياسي في هآرتس، ألوف بن، أن "’خطاب القاهرة’ الذي ألقاه أوباما يعبر عن انقلاب إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وليس أقل من ذلك". وأوضح أنه في فترة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، "تمتعت إسرائيل بحرية العمل العسكري ضد الفلسطينيين وحزب الله وسورية مقابل إخلاء المستوطنات من غزة. لكن في فترة ولاية أوباما، فإنه ينبغي إعادة تربية إسرائيل من جديد. وعليها أن تواجه من جديد امتحان إخلاصها للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط".

وأضاف بن أنه "حتى الأمس تعامل أوباما مع الصراع الإسرائيلي – العربي بمصطلحات المصالح وامتنع عن الحديث حول القيم والأخلاق. لكن أوباما تبنى في القاهرة قاموس ورواية اليسار الليبرالي في أميركا، الذي نما فيه. وتحدث من دون أن يرمش عن ’الاحتلال’ و’تطلعات الفلسطينيين إلى الكرامة والفرصة والدولة المستقلة’. ووعد بأن أميركا لن تدير ظهرها للفلسطينيين، ودعا حماس إلى ’إبداء المسؤولية’ والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. ولم يصفها بأنها منظمة إرهابية أخرى وإنما هي حركة تتمتع بدعم شعبي".

ورأى بن أن "أوباما يعرف ما هو الحل. إنه إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وهو ليس مستعدا للاستماع إلى أفكار أخرى. وهو يطالب إسرائيل بالتوقف عن توسيع المستوطنات قائلا إن ’الولايات المتحدة لن تقبل بشرعية مواصلة الاستيطان’... وبعد هذه الأقوال لن يتمكن أوباما من الموافقة على ’النمو الطبيعي’ وألاعيب أخرى لتوسيع المستوطنات، وهنا تكمن مصداقيته: كلمته مقابل الإصرار الإسرائيلي على مواصلة البناء. وهذا يعني أنه إذا تحلى أوباما الصبر الذي وعد به للتعامل مع الصراع فإن إسرائيل ستواجه أزمة سياسية وشرخا داخليا خطيرا".

وأشار بن إلى أن "بنيامين نتنياهو موجود في الجانب غير الصحيح من خطاب أوباما. ومن الجائز أنه كان بإمكانه تخفيف المس بإسرائيل لو أنه شكل تحالفا مع (رئيسة حزب كديما) تسيبي ليفني على أساس حل الدولتين". وخلص إلى أنه "سيتعين على نتنياهو أن يلقي خطابا جوابيا على أوباما، والإعلان عن تحول تاريخي وأيديولوجي لديه وفي سياسته. وحتى ذلك الحين سيستمر في انتظار حدوث معجزة تمحو ’خطاب القاهرة’ عن جدول العمل وتغرقه في الرمال المتحركة للدبلوماسية الشرق أوسطية".