إسرائيل تحاول منع وصول تقرير غولدستون إلى مجلس الأمن

تبذل إسرائيل جهدا دبلوماسيا كبيرا في الأيام الأخيرة لإقناع الدول الغربية وبعض الدول الآسيوية بمعارضة مشروع قرار تبني الهيئة العامة للأمم المتحدة لتقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية حول الحرب على غزة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون وتحويله إلى مجلس الأمن الدولي. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الأربعاء – 4.11.2009، أن إسرائيل باتت مقتنعة بأن الدول العربية ستنجح بتجنيد "أغلبية أوتوماتيكية" تؤيد تبني الهيئة العامة للأمم المتحدة لتقرير غولدستون وتحويله للبحث في مجلس الأمن الدولي. وسيبدأ اليوم البحث في الهيئة العامة للأمم المتحدة في مشروع قرار تبني تقرير غولدستون وتحويله إلى مجلس الأمن الدولي.

ووفقا للصحيفة فإن إسرائيل تسعى من خلال جهد دبلوماسي إقناع نحو 50 دولة من "العالم المتنور"، الذي يشمل جميع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية، لتعارض مشروع القرار في الهيئة العامة للأمم المتحدة وأن تشكل معارضة هذه الدول ما تصفه الحكومة الإسرائيلية ب"أغلبية أخلاقية". وتجري إسرائيل اتصالات حثيثة مع هذه الدول. وتشير التقديرات في الحكومة الإسرائيلية إلى أنها ستنجح في منع تحويل التقرير الذي يتهمها بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة إلى مجلس الأمن بمساعدة فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة التي تعارض هذه الخطوة. وفي المقابل تطالب هذه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إسرائيل بأن تشكل لجنة تحقيق في اتهامات تقرير غولدستون حول تنفيذ الجيش الإسرائيلي جرائم حرب بدعوى أن من شأن ذلك أن يسهل مهمتهم وكبح التقرير.

وفي سياق الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية دعا نائب وزير خارجية إسرائيل، داني أيالون، سفراء دول أجنبية في إسرائيل للقاء معه حول تقرير غولدستون، عقد أمس، وبحسب التقارير الصحفية الإسرائيلية فقد وصل إلى هذا اللقاء 70 سفيرا استمعوا إلى موقف إسرائيل من التقرير. ودعا أيالون والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يوسي غال السفراء إلى التوصية أمام حكوماتهم بالتصويت ضد مشروع القرار في الهيئة العامة للأمم المتحدة ومعارضة تحويله إلى مجلس الأمن الدولي. واعتبر أيالون أمام السفراء أن تقرير غولدستون "لا يمس بإسرائيل فقط وإنما بجميع الدول الديمقراطية التي تنشد السلام وتواجه الإرهاب". وشدد على أن "إسرائيل لن تقف جانبا عندما يقوم الفلسطينيون بعمليات تضليل ويستخدمون المؤسسات الدولية من أجل مناكفتها والمس بها، وهذا الوضع المتناقض المتمثل بمطالبة الفلسطينيين ببوادر نية حسنة من إسرائيل من جهة ويعملون ضدها في كل هيئة دولية من الجهة الأخرى يجب أن يتوقف".

ولوح غال بأن مشروع القرار بتبني الأمم المتحدة للتقرير "سيؤثر على الوضع الحساس لعملية السلام". وقال نائب المستشار القانوني للوزارة، دانيال تاوب، إن "إسرائيل ستستمر في التحقيقات التي تجريها في أعقاب عملية ’الرصاص المسكوب’ من دون أية علاقة بمشروع القرار المقدم إلى الأمم المتحدة".


وتتحسب إسرائيل من وصول تقرير غولدستون إلى مجلس الأمن الدولي لأن أي قرار فيه يصبح ملزما من الناحية القضائية فيما قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة غير ملزمة من الناحية القضائية وفي حال تقديم دعاوى ضد مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أو محاكم في دول أوروبية تملك صلاحيات بمحاكمة متهمين بتنفيذ جرائم حرب وفقا للقانون الدولي. وقالت صحيفة معاريف إنه في حال وصل التقرير إلى مجلس الأمن الدولي فإن إسرائيل ستطلب من الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تبنيه.

"بتسيلم" تؤكد إشكالية تحقيقات الجيش في الحرب على غزة

وفي الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل بأن جيشها أجرى تحقيقات في أحداث الحرب على غزة وتدعو العالم إلى الاكتفاء بهذه التحقيقات مقابل تحقيق لجنة تقصي الحقائق الأممية برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون أكدت منظمة "بتسيلم - لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" في تقرير نشرته، اليوم الأربعاء، على إشكالية التحقيقات التي أجراها الجيش.

وقالت "بتسيلم" إن "التحقيقات الجارية حاليا تنطوي على إشكالية ولا يمكن الاكتفاء بها" كونها "تدقق فقط في أحداث معينة يوجد شكوك حيالها بأن جنود عملوا بشكل مناقض لتعليمات الجيش، وحتى اليوم لم يتم فتح ولو تحقيق واحد فيما يتعلق بسياسة إسرائيل خلال العملية العسكرية، مثل كل ما يتعلق باختيار أهداف الهجوم أو قانونية الأسلحة التي تم استخدامها وتعليمات إطلاق النار التي تم إصدارها للجنود والتوازن بين المس بالمدنيين والتفوق العسكري وما شابه ذلك". وأضافت المنظمة أن الشرطة العسكرية هي الجهة الوحيدة التي تحقق في أحداث الحرب على غزة مشيرة إلى أن هذه الهيئة لا تملك أية صلاحية للتحقيق في مسؤولية صناع القرار من خارج الجيش، أي الحكومة، والذين كانوا ضالعين في إقرار الخطط العسكرية "وبناء عليه فإن التحقيقات التي تجريها الشرطة العسكرية ستؤدي إلى تقديم لوائح اتهام ضد جنود، أي ضد المستويات الدنيا فقط بينما المسؤولين عن وضع السياسة لن تتم محاكمتهم أبدا".

وأشارت "بتسيلم" في هذا السياق إلى أن "التحقيقات تجريها جهة تشكل جزءا لا يتجزأ من الجيش ولذلك فإنها ليست تحقيقات مستقلة، كما أنه لم يثبت أبدا أن تحقيقات الشرطة العسكرية تشكل أداة ذات فائدة لفرض القانون على قوات الأمن، على الأقل بكل ما يتعلق بالمس بحقوق الفلسطينيين، وحتى اليوم جرت تحقيقات الشرطة العسكرية فيما يتعلق بالمس بالفلسطينيين بصورة تنطوي على تقصير وتهاون وتميزت معظمها بالمماطلة والسطحية وانعدام أي جهد حقيقي للوصول إلى الجنود المتورطين".

ولفتت "بتسيلم" إلى أن "أفراد النيابة العسكرية الذي سيقررون في نهاية المطاف بمصير التحقيقات كانوا ضالعين بأنفسهم في تحديد سياسة الجيش خلال العملية العسكرية (في غزة) وحتى أنهم صادقوا على عمليات معينة، ومن الواضح أن هذا الضلوع سيصعب عليهم اتخاذ قرارات موضوعية بكل ما يتعلق بالتحقيقات الجارية الآن".

ولفتت المنظمة إلى أنها ومنظمات حقوق إنسان إسرائيلية أخرى توجهت خلال الحرب على غزة إلى المستشار القانوني للحكومة مناحيم مزوز مطالبين بإقامة جهاز مستقل للتحقيق في أحداث الحرب وعدم الاكتفاء بتحقيقات الشرطة العسكرية "وذلك على ضوء شبهات تتعلق بانتهاكات للقانون الإنساني الدولي والتي لا تتعلق بهذا الجندي أو ذاك وإنما بمسائل أوسع تشمل السياسة المتبعة ومسؤولية ضباط كبار والمستوى السياسي، لكن المستشار القانوني رفض الطلب".

وقالت المنظمة الحقوقية إن "بتسيلم أجرت تحقيقات ميدانية حول أحداث تبين منها أن الجيش (الإسرائيلي) خرق فيها القانون الإنسان الدولي وحتى تعليماته نفسهن وبينها حالات قتل فيها جنود فلسطينيين لم يشاركوا في القتال وحالات استخدم فيها الجنود المواطنين الفلسطينيين كدروع بشرية واستخدام أسلحة غير قانونية في الظروف القائمة في قطاع غزة".

واضافت أن "هذه التحقيقات التي تمت خلالها جباية إفادات من شهود عيان وتم جمع أدلة من موقع الحدث، تم تسليمها إلى المستشار القانوني والنيابة العامة العسكرية، وبسبب الموارد المحدودة وثقت بتسيلم جزء صغير فقط من الأحداث ومرر 20 تحقيقا حول أحداث قتل فيها حوالي 90 فلسطينيا نصفهم تقريبا من القاصرين".

ووفقا لبيان "بتسيلم" فإن الجيش الإسرائيلي أعلن عن فتح 23 تحقيقا لكن "بتسيلم" تعلم بإجراء 21 تحقيقا بينها 13 تحقيقا تم الشروع بها في أعقاب شكاوى قدمتها "بتسيلم" ومنظمة "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة "الميزان" الحقوقية الفلسطينية، لكن الشرطة العسكرية ما زالت ترفض تسليم "بتسيلم" القائمة الكاملة للحالات التي تم فتح تحقيقات فيها".

وعدد بيان "بتسيلم" الحالات التي حققت فيها هي ومنظمات حقوقية أخرى وتتعلق بقتل جنود لمواطنين فلسطينيين.

وأفاد تقرير "بتسيلم" بأنه "حتى اليوم تم إجراء محاكمة جنائية لجندي واحد فقط من لواء غفعاتي بسبب سرقته بطاقة اعتماد من فلسطيني وقد تم الحكم على الجندي بالسجن لسبعة شهور، كما تم النشر في وسائل الإعلام عن محاكمة عدد غير معروف من الجنود في محكمة الطاعة في أعقاب العملية العسكرية لكن الناطق العسكري رفض تسليم بتسيلم معلومات حول هذه الحالات".