بين صمود غزة وتردد إسرائيل بشن عملية برية

سعت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الجمعة – 2.12.2008، إلى تلخيص الأيام الستة الأولى للحرب على قطاع غزة. وقبل 41 عاما كانت الأيام الستة كافية لان تحتل إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان بعد أن هزمت الجيوش العربية. لكن على يبدو، فإن إسرائيل، اليوم، تخشى وتحسب ألف حساب لشن عملية عسكرية برية، حتى لو كانت محدودة، في القطاع. وتراوحت مواقف المحللين الإسرائيليين ما بين التحذير من عملية عسكرية برية وتوجيه الانتقادات لتكرار "أخطاء" حرب لبنان الثانية والإشارة إلى المكاسب التي يحققها السياسيون الإسرائيليون، عشية الانتخابات العامة، من الحرب على غزة.

وفي اليوم السادس للحرب أزل مخزون الأهداف المتمثل بما تدعي إسرائيل أنها مقرات الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، وورش صناعة الصواريخ والمساجد (التي تزعم إسرائيل أنها كانت مخازن أسلحة)، وراح ضحية الغارات الجوية الشديدة على غزة 400 قتيل وألفي جريح تقريبا. عندها تحولت إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات، بمهاجمة بيت القيادي في حماس، نزار ريان. وكررت إسرائيل باغتيالها ريان الجريمة التي اقترفتها لدى اغتيال القيادي في حماس صلاح شحادة في العام 2002. فمن أجل أن تقتل ريان قتلت إسرائيل معه عشرين طفلا وامرأة. لكن إسرائيل لم تخف حتى تعمدها تنفيذ هذه الجرائم منذ السبت الماضي.

فقد ذكرت صحيفة معاريف، اليوم، أنه في خطوة غير مسبوقة، رافق المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، والمدعي العام العسكري، العميد أفيحاي مندلبليت، الاستعدادات لاغتيال ريان. وأضافت الصحيفة أنه "في أعقاب سابقة اغتيال صلاح شحادة، حظي القرار بإسقاط القنبلة بمصادقة قيادة الجهاز القضائي على الرغم من تواجد أفراد العائلة" في بيت ريان.

ويتركز النقاش في إسرائيل الآن حول العملية العسكرية البرية. وأشار المحلل السياسي في صحيفة معاريف، بن كسبيت، إلى أنه في حال شنت إسرائيل عملية عسكرية برية في القطاع، اليوم أو غدا، فإنه سيتعين عليها إنهاؤها حتى موعد أقصاه يوم الاثنين المقبل، أي قبل انعقاد مجلس الأمن الدولي. ويذكر أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ووزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، سيزوران إسرائيل يوم الاثنين المقبل، في محاولة لإقناع إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية، وحماس بالتوقف عن إطلاق الصواريخ، والتوصل إلى هدنة. كذلك تتوقع إسرائيل أنه ستبدأ دول أوروبية وجهات في الولايات المتحدة ممارسة ضغوط عليها لوقف عملياتها العسكرية إلى جانب تصاعد الأزمة الإنسانية في القطاع.

وكتب كبير المعلقين في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، والمراسل السياسي للصحيفة، شمعون شيفر، في مقال مطول، اليوم، أن "إسرائيل عائدة إلى غزة. بتأخير معين وبتخوفات كبيرة وبتردد، لكنها عائدة. وما بدأ السبت الماضي بغارات جوية، سينتهي – على ما يبدو – في البر. وربما هذا هو الموضوع الوحيد الذي تتطابق فيه تقديرات الجيش الإسرائيلي وحماس". إلا أن الصحافيين نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى ووصفاه بأنه ضالع في عملية صناعة القرار، قوله إن هناك موقفين في إسرائيل حيال العملية البرية. الموقف الأول يقول إنه من دون أن تشن إسرائيل عملية عسكرية برية فإنها لن تنجح في حسم الحرب. أما الموقف الثاني فيقول، إنه إذا كانت حماس تتمنى العملية العسكرية البرية الإسرائيلية إلى هذا الحد، وفقا لمعلومات استخباراتية موجودة بحوزة إسرائيل، فربما من الأفضل أن تفكر إسرائيل مرتين قبل شن عملية كهذه.

من جهة ثانية أشار برنياع وشيفر إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود "أولمرت يتعامل مع العملية العسكرية الحالية على أنها تصحيح خطأ. وهو يعتبر أن هذه العملية ستبرر بأثر رجعي خطواته خلال حرب لبنان الثانية. وقال (أولمرت) في إحدى المداولات، إنه بعد سنتين ونصف لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من حدود لبنان. وليتنا نتوصل إلى نتائج مشابهة في العملية العسكرية الحالية". وتمنيات أولمرت تعني انه ليس متأكدا من قدرة إسرائيل على تحقيق انتصار، أو نجاح على الأقل، في الحرب الحالية.

ورأى المراسل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، والمراسل للشؤون الفلسطينية في الصحيفة، افي سخاروف، في تحليل مشترك، إنه "بعد أسبوع تقريبا على بداية الحرب، أخذ يتضح أن إسرائيل أهدرت فرصة ثمينة لإنهائها كعمليات رد فعل فحسب، منذ يومها الأول أو الثاني". واعتبرا أن "الجيش الإسرائيلي، الذي شن غارات جوية شديدة صدمت حماس، هو الذي منح فرصة للحكومة للإسراع في تفصيل 'بذلة خروج' وتؤدي إلى إنهاء العنف. وهذا لم يحدث. والنتيجة هي أن حماس تتدارك نفسها جزئيا فيما إسرائيل تتدهور باتجاه عملية عسكرية برية، محفوفة بمخاطر كثيرة، معتبرة أن العدو يحتاج الآن إلى امتصاص ضربة عسكرية بالغة القوة من أجل أن يوافق على الإملاءات الإسرائيلية".

من جانبه رأى المحلل السياسي في هآرتس، ألوف بن، أن السؤال الأساسي المطروح الآن هو من سينكسر أولا، حماس أم التأييد الشعبي في إسرائيل للحرب على غزة. وكتب بن أنه "لوهلة تخيلنا أن (وزير الدفاع الإسرائيلي) ايهود باراك اكتشف الطريقة لمحاربة عدو مسلح بالصواريخ، وتوجيه ضربات قوية وسريعة وجلب الهدوء إلى سديروت. وكان الأمل كبيرا بأن استبدال القيادة الأمنية التي فشلت في حرب لبنان، والدهاء العسكري لدى باراك ومناورات وتسلح الجيش الإسرائيلي بأسلحة حديثة خلقت، وضعا جديدا ومختلفا... لكن هذا كان وهما. والرصاص المصبوب علق في الحلق، تماما مثل كل العمليات العسكرية من هذا النوع التي تم شنها في الماضي. والحرب في غزة أخذت تبدو شبيهة بالمواجهات التي جرت في الماضي مع منظمة التحرير الفلسطينية وحزب الله في لبنان. إذ من الصعب التوقف بعد عملية رد فعل موجعة. وإسرائيل مقتنعة بأن ضغطا آخر صغير سيهزم العدو، لكنها تتردد في دفع ثمن الخسائر جراء عملية عسكرية برية ولا تريد أن تنجر مجددا إلى احتلال غزة... وفي هذه الأثناء تُخرج حماس الصواريخ من المخابئ وتُدخل مناطق إسرائيلية أخرى إلى خط المواجهة. والنتيجة هي استنزاف متواصل، بانتظار تدخل دولي أو عملية عسكرية كاسرة للتوازن وتجعل العدو ينهار". وما دام الجمهور (في إسرائيل) يصدق أن عملية عسكرية كهذه مختبئة في قبعة باراك السحرية فإنه سيؤيد استمرار الحرب. والسؤال هو فقط من سينكسر أولا، حماس أم التأييد الشعبي".