شيفرة أوباما

لا يزال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بمثابة أحجية بالنسبة لإسرائيل. إذ ليس واضحا بعد، بالنسبة للإسرائيليين، كيف سيتعامل معهم ومع الصراع ومع الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، مثل إيران وحماس وحزب الله وسورية. فقد أعلن الرئيس الجديد إنه سيتحاور مع إيران، وربما مع حماس. وخلافا لسلفه، الرئيس السابق جورج بوش، أكد أوباما إنه سيتحاور مع العالم الإسلامي. وليس أوباما وحده من يقلق إسرائيل، وإنما يقلقهم المسؤولون في إدارته أيضا، مثل مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، الذي طالب إسرائيل في الماضي بتجميد الاستيطان بالكامل. كذلك تقلقهم مواقف رئيس طاقم الموظفين في البيت الأبيض، رام عمانوئيل، لأنه أيد في الماضي "مبادرة جنيف"، وذلك على الرغم من أنه تطوع للجيش الإسرائيلي خلال حرب الخليج الأولى.

وفي حال صدقت توقعات استطلاعات الرأي الإسرائيلية، وشكل رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن القلق يتصاعد بسبب وجود المبعوث الأميركي الأسبق إلى الشرق الأوسط، دنيس روس، ضمن طاقم مساعدي أوباما، وخصوصا على اثر ما كتبه روس عن نتنياهو. وهناك آخرون في الإدارة الجديدة الذين يختلفون في الرأي مع الإسرائيليين فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، أبرزهم وزير الدفاع، روبرت غيتس، ومستشار الأمن القومي، الجنرال جيمس جونز. لذلك يرى الإسرائيليون أن أوباما وإدارته يشكلون في هذه المرحلة ما يشبه شيفرة وينبغي فك رموزها.

وتناولت التحليلات المنشورة في الصحف الإسرائيلية، اليوم الأربعاء – 21.1.2009، الخطاب الذي ألقاه أوباما في حفل تنصيبه، أمس، وحاولوا استشراف سياسته تجاه المنطقة. ورأى كبير المعلقين في يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، أنه "لا يُتوقع حدوث أي أمر هام على جبهة أوباما – إسرائيل حتى تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، في بداية آذار. ولأنه يُرجح أن تكون الحكومة (الإسرائيلية) المقبلة يمينية أكثر من الحكومة الحالية، فإن ثمة شك فيما إذا كانت ستشعر أنها في بيتها (في واشنطن) مثلما شعرت حكومتا (أرييل) شارون و(ايهود) أولمرت. فميتشل وغيتس وجونز وهيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الأميركية المقبلة) هم مشكلة بالنسبة لحكومة كهذه. وفي حال سألت هيلاري زوجها (الرئيس السابق بيل كلينتون) عن رأيه في نتنياهو، فإنها لن تسمع إجابة مشجعة".

وأشار برنياع إلى أن ميتشل ترأس لجنة أميركية حققت في أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، "وقوبل التقرير بغضب شديد من جانب حكومة شارون، كما أن حكومة أولمرت لا تعتبره صديقا... وشعر جونز بالإهانة من سخرية جهاز الأمن الإسرائيلي له على أثر الجهود التي بذلها لتحسين أداء قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وأعد تقريرا شديد اللهجة (ضد إسرائيل) وقدمه إلى بوش. ورأى فيه جهاز الأمن عدوا... وغيتس، كان بين آباء تقرير اللجنة التي ترأسها (وزير الخارجية الأميركي الأسبق) جيمس بيكر، والذي أوصى بمصالحة سورية بواسطة إعادة كل هضبة الجولان إلى سورية. كذلك فإن غيتس يعارض بشدة شن عملية عسكرية ضد إيران. لكنه أدى دورا إيجابيا في الإعداد للوثيقة الإسرائيلية – الأميركية لمنع تهريب الأسلحة إلى حماس في غزة".

من جانبه كتب المحلل السياسي في هآرتس، عكيفا إلدار، أن إسرائيل تعمدت عدم إجراء اتصالات مع طاقم أوباما، "ليس بسبب حرصها على عدم المس بكرامة بوش، وإنما لأنها لم ترغب بالمخاطرة، وأن يطالبها أوباما بسحب قوات الجيش الإسرائيلي من غزة ووقف القصف في القطاع". ولفت إلدار إلى أنه بعد خطاب تنصيبه، أمس، لم تتضح معالم سياسة أوباما الخارجية. لكن إلدار، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع مصادر أميركية مطلعة، قال إن "الرأي السائد بين موظفي الإدارة في واشنطن هو أن المشاهد التي يظهر فيها الأصدقاء الإسرائيليون يقصفون غزة لا تساعد على إنجاح سياسة أوباما" فيما يتعلق "بالانسحاب من العراق من دون تمهيد الطريق أمام دخول إيران وبلورة تحالف عربي داعم لأميركا... فأوباما بحاجة إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، الجالس عند الحدود مع العراق، ولذلك فإنه ثمة احتمال/خطر، وفقا لوجهة نظر الإسرائيلي الذي يراقب هذه العملية، أن يستأنف الرئيس الجديد إزالة الصدأ عن المسار الإسرائيلي-السوري-الأميركي". وفي ظل الضبابية التي تغلف مواقف أوباما تجاه الشرق الأوسط وخصوصا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي نصح إلدار "مؤيدي مبادرة جنيف، الذين استمدوا التشجيع من تعيين رام عمانوئيل، الذي أيد مبادرتهم" أن يرجئوا احتفالهم بدفع العملية السياسية. وخلص إلدار إلى أنه على الرغم من أن استطلاعا أجراه طاقم مبادرة جنيف خلال حرب غزة أظهر أن 68% من مواطني إسرائيل يريدون أن يكون أوباما ضالع في عملية السلام "إلا أنه ليس واضحا البتة ما إذا كان هذا ما يريده الرئيس الجديد".

وأشار المحلل السياسي في معاريف، بن كسبيت، إلى مشكلة أخرى بتوقع أن تواجهها إسرائيل مع إدارة أوباما في حال شكل نتنياهو الحكومة المقبلة. واقتبس كسبيت من كتاب ألفه روس قبل ثلاث سنوات حول عملية السلام في الشرق الأوسط وتطرق فيه كثيرا إلى نتنياهو، وخصوصا توجيه انتقادات شديدة إلى نتنياهو. ونقل عن كتاب روس أن "التعجرف سيطر على بيبي (أي نتنياهو). وانتصاره (في انتخابات العام 1996) فاجأنا جميعا... والآن هو سيثبت للعالم أنه أفضل من يعرف التعامل مع العرب". وكتب روس عن اللقاء الأول بين نتنياهو وكلينتون أن "نتنياهو كان لا يطاق، فقد كان يحاضر لنا ويشرح كيف ينبغي التعامل مع العرب. وبعد خروجه، قدر الرئيس أن بيبي هو الدولة العظمى ونحن هنا من أجل أن نفعل ما يقوله... واتخاذه القرارات يستند إلى اعتبارات سياسية حزبية داخلية، وهو طوال الوقت يخاف مما سيفعلون به في الحكومة في حال ذكر، ولو بصورة متواضعة، كلمة انسحاب". وأضاف روس أن "القلق الأساسي لدى ساندي برغر (مستشار الأمن القومي لكلينتون) كان من بيبي. هل بالإمكان عمل شيء معه؟ ومادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية الأميركية) شككت في ذلك. واقترحت إمكانية الإعلان عن أننا ببساطة لن نتمكن من العمل معه". وبحسب روس فإن كلينتون رأي أن نتنياهو "هو خطر حقيقي على إرث رابين".

من جهة أخرى، كتب المدير السابق لمكتب شارون، دوف فايسغلاس، في يديعوت أحرونوت أن "ملخص توقعاتنا من الرئيس أوباما، هي فهم الموقف الإسرائيلي في موضوع الصراع الشرق أوسطي، وتأييده يحتاج إلى صبر. بل الكثير من الصبر. فالمعادلة الظاهرة للعيان بسيطة، وهي شعب تحت الاحتلال ويتعرض للقمع أمام شعب محتل ويقمع. ومعارضة إسرائيل لقيام دولة فلسطينية ، وهي الوسيلة الوحيدة لوقف القمع والاحتلال، تكمن بالأساس في عدم قدرة، أو رغبة، الفلسطينيين في منع والامتناع عن الإرهاب. وبوش فهم ذلك جيدا. ووضع خارطة الطريق، وهي المعادلة السياسية التي طولب الفلسطينيون بموجبها بقطع دابر الإرهاب أولا وإصلاح شكل حكمهم وفقط بعد ذلك سيحظون بدولة خاصة بهم".


واعتبر فايسغلاس، الذي أجرى الاتصالات المركزية بين حكومة شارون وإدارة بوش، أنه "بعد أن تعلن إدارة أوباما عن دعمها لتسوية سياسية كهذه وتقر معارضتها بقيام دولة فلسطينية من دون تنفيذ هذا الشرط المسبق، سنعرف عندها أنه بإمكاننا أن نفرح بانتخابه".