هل الفقر في إسرائيل من فعل "قوّة عليا"؟

إسرائيل تدرج في المكان الثاني في العالم في الفوارق الاجتماعية، حيث تصل فروقات الدخل بين الفقراء والأغنياء لعام 2001 الى 22.1 ضعفا... 

 قدمت لجنة التحقيق البرلمانية المسؤولة عن فحص الفجوات الاجتماعية في إسرائيل تقريرها الى الرئيس الاسرائيلي، متضمنا احصائيات مقلقلة وخطيرة حول حجم الفقر في المجتمع الإسرائيلي، وحول معدلات الدخل وحجم البطالة المتوقعة

وبعد ان فحصت هذه اللجنة فروقات الدخل خلال العشرين عاما الماضية، دلت المعطيات أن إسرائيل تدرج في المكان الثاني في العالم بالنسبة لفجوات الدخل بين الفقراء والأغنياء، حيث تصل فروقات الدخل بين الفقراء والأغنياء لعام 2001 الى 22.1 ضعفا. كما يتبين أن فجوة الاستهلاك الفردي لعام 2001 تصل الى 2.5 ضعفا، والفجوة بين مصاريف التعليم للفرد 3.1 ضعفا. وخلال 14 عاما انضم الى دائرة الفقر في إسرائيل 713200 فردا من بينهم 330300 طفل.

كما يتضح أن متوسط الاجور لشهر ايلول هذا العام قد انخفض بنسبة 5% ليصل الى 7023 شيكل، ويتوقع أن ينضم الى دائرة البطالة خلال العام الحالي ربع مليون انسان بسبب اغلاق العديد من المصالح الاقتصادية التي تعاني من المشاكل المالية

وقد ارتفع العجز المالي في إسرائيل خلال الشهر الأخير بمعدل 27.4% ووصل الى 3.524 مليار شيكل، ويصل العجز المالي المتراكم الى 15.885 مليار شيكل. بينما يتوقع أن يصل حجم العجز المالي المتراكم في نهاية العام الحالي الى 19 مليار شيكل على الأقل.

"واحد من كل ستة إسرائيليين عاطل عن العمل"

وأشار تقرير أعدته جمعية "إلتزام" أن واحدًا من كل ستة إسرائيليين كان عاطلاً عن العمل في العام 2002. وكشف التقرير عن ظاهرة جديدة تتجلى بقيام عشرات الآلاف من المواطنين الذين أصابهم اليأس من إيجاد فرص عمل، بعدم التوجه إلى دوائر الاستخدام، ولا تظهر تفاصيلهم الشخصية في أي سجل رسمي.

وحسب معطيات دائرة الاحصاءات المركزية، يوجد في إسرائيل 270 ألف عاطل عن العمل، يشكلون 10.3% من مجمل القوى العاملة في إسرائيل. وحسب معدي التقرير، فإن هذا المعطى لا يأخذ بالحسبان نحو 350 ألف شخص يئسوا خلال السنة الأخيرة من البحث عن فرص عمل.

وذكر التقرير أن واحدًا من بين كل ستة إسرائيليين في جيل العمل كان عاطلاً خلال السنة الأخيرة. ودل التقرير على أن 56% ممن كانوا عاطلين عن العمل خلال العام 2002، أقيلوا من أماكن عملهم في إطار خطط ترشيد تبنتها أماكن العمل أو بسبب إغلاق المصالح التي كانوا يعملون فيها، مقارنة بنسبة 18% قاموا بالاستقالة من أماكن عملهم بمحض إرادتهم. واضاف التقرير أن معدل الفترة الزمنية للبطالة في العام الأخير كانت 22.5 أسبوعًا.

ويشار الى ان البطالة ارتفعت منذ عام 1966 وحتى عام 2002 بنسبة 123%. وتزيد نسبة نمو البطالة في المناطق العربية في إسرائيل بنحو 2.5% مقارنة بالبلدات اليهودية. وفي العام 2001، وقفت البطالة في البلدات التطويرية عند معدل 13%، مقارنة بالمعدل القطري الذي بلغ 9.3%. وأشارت تقديرات جمعية "التزام" إلى أن سياسة الحكومة في المجال الاقتصادي والركود المتأصل سيرفعان عدد العاطلين عن العمل الى 400 ألف عاطل خلال السنة القادمة. وقال البروفيسور أرييه أرنون، من المسؤولين عن الجمعية "إن الركود هو العامل الرئيسي المسبب لتفشي ظاهرة البطالة. توقف العملية السلمية هو السبب الأساسي وراء توقف النمو الاقتصادي. عندما يغيب السلام لا يوجد استثمار ولا يوجد نمو اقتصادي. كذلك فإن استخدام القوى العاملة الأجنبية التي تشكل 10% من القوى العاملة في إسرائيل، يخلق منافسة غير عادلة على أماكن العمل". وأشار التقرير الى أن إسرائيل مدرجة اليوم في المكان الثاني في العالم الغربي من حيث كبر الفجوات بين العشر الأعلى والعشر الأسفل ومن حيث الفقر أيضًا.

وكان رئيس اللجنة المذكورة، عضو الكنيست ران كوهين، قدم التقرير إلى رئيس اسرائيل، موشيه قصاب، وإلى رئيس الكنيست، أبراهام بورغ، وقال: "هناك فجوات واسعة جدًا تُعرض نسيج العلاقات الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي للخطر". كما أوصى كوهين بتشكيل طاقم خاص ليعمل على وضع خطة وطنية عاجلة بغية تقليص الفجوات بين طبقات المجتمع المختلفة.

ويتضح من التقرير أن هناك فوارق مذهلة بين تراكم الأموال لدى الأغنياء والفقراء في إسرائيل، إذ أن هناك 800 مليار شيكل تحت سيطرة العشر الأعلى، في حين يملك 90% من السكان 340 مليار شيكل فقط. ويتبين من التقرير أيضًا أنه في الـ 14 سنة الماضية ازداد عدد الفقراء في إسرائيل بـ 710 آلاف فقير، من بينهم 330 ألف طفل. وبموجب معطيات التقرير، يزداد عدد الفقراء في إسرائيل بحوالي 51 ألف فقير جديد، في كل سنة، من بينهم 23 ألف طفل.

ولم يهمل التقرير معطيات البطالة في إسرائيل، فبموجب التقرير بلغ عدد العاطلين عن العمل هذه السنة 264 ألف شخص، بما معناه أنه في العقدين الأخيرين ازداد عدد العاطلين عن العمل بـ 195 ألفـًا. ويقول معدو التقرير إن البطالة تتحول إلى مسار أحادي الاتجاه، لا مخرج منه.

"جمهور الناخبين يتحمل مسؤولية الفقر وعدم المساواة"

وتناول عوفر شيلح في مقاله في صحيفة "يديعوت آحرونوت"(3 ديسمبر) تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول الفجوات الاجتماعية في إسرائيل ويكتب بأن مصير هذا التقرير سيكون شبيها بمصير التقرير السنوي للفقر والتقارير الشهرية حول احجام البطالة المتفاقمة في إسرائيل. ويقول أن هذا التقرير لن يكون أكثر من مجرد حفنة تبن ستجد طريقها الى "مطحنة" الأخبار اليومية. ويتضح من التقرير، كما يكتب شيلح، أن 90% من الثروة العامة بأيدي العشر الأعلى (الأغنياء) ويدرج التقرير كما التقارير العاملية إسرائيل في المكان الثاني عالميا بالنسبة للفجوات الاجتماعية وعدم المساواة.

ويكتب شيلح في هذا الصدد ان الانهيار الاقتصادي والتفكك الاجتماعي في إسرائيل يعتبران مسألة من فعل قوة عليا، ويستطيع الجمهور مناقشة مسألة اخلاء المستوطنات لمدة ساعات متواصلة، وقد يصوت لهذا الحزب أو ذاك بفضل قوة صراخه حول الاكراه الديني أو خطر انحلال العلمانية.. لكن هذا الجمهور يتعامل مع معطيات هذا التقرير وكأنه لا يوجد ما يفعله. وكأن الفجوات الهائلة بالأجور أقرت من السماء، وأن نسبة المشاركة المتدنية جدا بقوة العمل هي أيضا من السماء، وأن أصحاب الملايين والمتطفلين ولا شيء بينهما من السماء هو أيضا".

والحقيقة هي، كما يقول شيلح، أن "القضية بين أيدينا وخاصة الان. ويضيف أن 54 عاما علّمت السياسيين الإسرائيليين أن الأجندة الوحيدة التي تهمنا هي مسألة الأمن، ومسألة المناطق المحتلة منذ عام1967. أيضا عمرام متسناع الذي يحاول أن يضع أمامنا بديلا لشارون مشغول بنفس المواضيع، فهو يتحدث عن الحديث مع عرفات أم لا، ويتحدث عن مسألة اخلاء المستوطنات أو عدم اخلاؤها وعن قضايا اخرى. لكن أحدا من السياسيين لا يتحدث عن القضايا القضايا الاجتماعية ومسألة مكانة المواطنين العرب في إسرائيل. ويقول شيلح: "انهم لا يتحدثون عن هذه القضايا بصدق لأننا لا نطالبهم بذلك، لا من شارون ولا من متسناع".

كما يكتب شيلح أنه بسبب تشكيلة المجتمع الإسرائيلي وتغلب مشاعر الخوف عليه فأن المجتمع الإسرائيلي يقف المرة تلو المرة أمام خيار انتخاب شخصيات عملت جل حياتها في المجال الضيق من الأمن العسكري، وأن هذه الشخصيات تدفع ضريبة كلامية بما يتعلق وغالبية المشاكل الحقيقية، مثل الوضع المزري لجهاز التعليم والفجوات الاقتصادية.

"نحن لا نخرج الى الشوارع"، يكتب شيلح ويضيف: "نحن - الذين سنصوت لشارون وسنعيده مرة اخرى الى الحكم على اساس ادعاءاته المتعفنة حول عرفات- مذنبون، ونتحمل مسؤولية تقارير الفقر".

("المشهد الاسرائيلي")