صراع شد الحبل بين إسرائيل وحماس حول التهدئة

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

تدل تصريحات قادة إسرائيل وقادة حماس، على حد سواء، أن الجانبين لا يريدان انهيار التهدئة. وبالإمكان وصف وابل التصريحات، التي يطلقها الجانبان، بأنها بمثابة صراع شد الحبل، حيث يسعى كل جانب إلى تحسين شروط التهدئة وفقا لرغباته. وانضم المحللون في الصحف الإسرائيلية، اليوم الاثنين – 15.12.2008، إلى هذه المشادة. وفي هذه الأثناء، تتفق إسرائيل وحماس على أن يوم 19 كانون الأول الجاري، أي يوم الجمعة المقبل، هو يوم الحسم، الذي تنتهي فيه رسميا المرحلة الأولى من التهدئة، بعد مرور ستة أشهر على بدئها، في 19 حزيران الماضي.

واختلف المحللون الإسرائيليون فيما بينهم حول التصريحات التي أطلقها قادة حماس، أمس. وفيما اعتبر المحلل العسكري، عاموس هارئيل، ومحلل الشؤون الفلسطينية، أفي سخاروف، في مقال مشترك في صحيفة هآرتس، أن التصريحات جاءت متناقضة وأثارت بلبلة في إسرائيل، رأى المحلل العسكري في صحيفة يديعوت احرونوت، ألكس فيشمان، أن تصريحات قادة حماس لم تكن متناقضة وإنما كانت منسقة ومتناسقة "وعمليا قالوا: إننا نريد تهدئة أخرى، وإلا فلن تكون هناك تهدئة". من جهة أخرى، فإن إسرائيل، الآن، ليست في وضع بإمكانها فيه أن تقرر شن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، كونها في مرحلة انتخابات عامة. كما أن حزب كديما الحاكم يخوض الانتخابات وتظلل عليه سحابة الإخفاقات في حرب لبنان الثانية.

وأشار هارئيل وسخاروف إلى اختلاف مضمون تصريحات قادة حماس. واقتبسا أقوال رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، الذي قال من دمشق، إن التهدئة لن تتجدد. وأضافا أنه "بعد ذلك بوقت قصير أعلن (المتحدث باسم حماس) أيمن طه من غزة أن أقوال مشعل ليست ملزمة للحركة. وأرسل (رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة) إسماعيل هنية أقوالا ضبابية، من دون الالتزام لهذا الاتجاه أو ذاك. وفي المساء، كان هذا مشعل نفسه الذي أعلن في مقابلات صحفية من دمشق أن التهدئة انتهت، واستدرك أن حركته سترد على عمليات إسرائيلية، أي أنها لن تكسر وقف إطلاق النار بمبادرتها".

ونقل هارئيل وسخاروف عن مصادر في جهاز الأمن الإسرائيلي قولها إن "التصريحات المتناقضة تعكس خلافات حقيقية داخل حماس، والتي تجري في موازاة الصراع على الهيمنة على الحركة. ومشعل وقادة الذراع العسكري في غزة يميلون إلى كسر التهدئة. وهنية وقادة الذراع السياسي في قطاع غزة يعارضون ذلك. لكن موقف 'الصقور' ليس حازما. فهم أيضا يبحثون، على ما يبدو، عن تحسين مواقف، تتمثل بتخفيف شروط التهدئة، بحيث يتم إضعاف الحصار على القطاع وأن تتمكن حماس من تصعيد عملياتها ضد إسرائيل، من دون أن ترد (الأخيرة)". وأضافا أنه "لا يوجد زعيم أوحد لحماس. ويتم اتخاذ القرارات بالتشاور، وعمليا يجري شد حبل متبادل، بين الفصائل المختلفة. وقد وافقت حماس في السنوات الأخيرة على عدد من اتفاقات التهدئة، وانضمت لبعض هذه الاتفاقات على الرغم من معارضة مشعل وقيادة دمشق". كذلك اعتبر المحللان أن "حماس تواجه أزمة معينة" مع انتهاء المرحلة الأولى من التهدئة، "فهنية ومشعل يدركان أنه على الرغم من تصريحاتهما الشديدة، إلا أن إسرائيل لن تستجيب لمطلب (حماس) توسيع التهدئة لتشمل الضفة الغربية. كذلك فإن الحياة اليومية في غزة ما زالت تنطوي على معاناة بالغة للمواطنين العاديين".

من جانبه رأى فيشمان أن "التدهور (في التهدئة) هو بمستوى حرب أعصاب، على شكل تهديدات ولوي اذرع. وينتظر (الجانبان) أن رؤية الاحتمال بأن أحدا ما من الجانبين يتراجع وينزل عن الشجرة. لكن ثمة احتمال ضئيل للجم التدهور. والمواجهة المسلحة باتت خلف الزاوية. قد تحدث حالا أو بصورة تدريجية، غدا أو بعد أسبوعين. وينبغي الاعتياد على فكرة أن التهدئة انتهت". ورأى أنه "تم بالأمس وضع معادلتين لا تلتقيان على طاولة الشرق الأوسط. ففي القاهرة استعرض (رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية) عاموس غلعاد موقف وزير الدفاع (ايهود باراك) القاضي بأن إسرائيل ليست مستعدة للعيش مع تنقيط ثابت لصواريخ القسام وقذائف الهاون في إطار اتفاق تهدئة. بينما استغلت حماس الذكرى السنوية لتأسيسها لعرض تحذير من جانبها يقضي بأن استمرار التهدئة ممكن فقط مقابل تنازلات إسرائيلية، مثل فتح المعابر وعبور حر للبضائع من دون انتقائية إسرائيلية، وعبور حر للأفراد من القطاع وإليه وفتح معبر رفح وإطلاق سراح معتقلي حماس في مصر ووقف حملة الاعتقالات ضد نشطاء حماس في الضفة".

وأضاف فيشمان أن "إسرائيل بدأت الآن ببناء شرعيتها الدولية لتوجيه ضربة عسكرية في غزة ضد حماس. والخطوة الأولى في بناء الشرعية هي إقناع العالم العربي المعتدل ودول أوروبا والولايات المتحدة إن من أنهى التهدئة هي حماس".

رغم كل ما تقدم، إلا أن إسرائيل تريد غعطاء فرصة للتهدئة وفقا لشروطها. وأشار هارئيل وسخاروف إلى تصريح وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، أمس، بأن "أي إطلاق نار من غزة يحتم علينا أن نرد من أجل حماية مواطنينا. ولا توجد تهدئة يتم خلالها إطلاق النار نحونا". ولفت المحللان أيضا إلى أن "إسرائيل تعلن من على كل منصة أنها ترغب باستمرار التهدئة. وقد كانت هذه هي الرسالة التي حملها غلعاد إلى القاهرة، أمس. وعمليا، كانت هذه الرسالة نفسها التي قالتها ليفني، أمس، بعد بند التهديدات".

كذلك رأى فيشمان أن "الانتخابات القريبة في إسرائيل لا تشجع على تنفيذ عملية عسكرية. ولذلك يستمر وزير الدفاع في ترديد اللازمة: إذا لم يطلقوا النار علينا، فإننا لن نطلق النار عليهم. وهناك أيضا الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، التي لا أحد يعرف كيف تعتزم التعامل مع الشرق الأوسط".