عكا: متظاهرون يهود يحرقون بيوتا عربية بعدما نزح سكانها عنها

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

تجددت اعتداءات متظاهرين يهود على جيرانهم العرب في حي في شرق عكا، مساء أمس السبت – 11.10.2008. وكان قد بدا طوال نهار أمس أن الهدوء عاد إلى المدينة، لكن بعد حلول الظلام خرج المتظاهرون اليهود إلى الشوارع، وبدؤوا يلقون الحجارة، باتجاه بيوت تسكنها عائلات عربية. وأضرموا النار في أحد هذه البيوت، بعد أن أحرقوا ثلاثة بيوت عربية في الليلة السابقة، الجمعة. ويطالب السكان اليهود بإخراج العرب من البيوت المجاورة لهم وعدم السماح لهم بالسكن في الحي.

وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الأحد – 12.10.2008، أنه بعد ساعات قليلة من حلول مساء أمس، خرج مئات الشبان اليهود واصطدموا مع قوات الشرطة في الحي الشرقي. وراح الشبان اليهود يلقون الحجارة باتجاه أفراد الشرطة والمواطنين العرب. ووصل منفذو أعمال الشغب إلى بيت عربي في الحي وأضرموا النار فيه بإلقاء زجاجة حارقة عليه. وكان البيت خاليا من أصحابه، الذين نزحوا عن الحي مع بدء المواجهات ليلة يوم الغفران، الأربعاء الماضي. وأصيب في أعمال الشغب هذه، التي لم يكن العرب طرفا فيها، ثلاثة شبان يهود واعتقلت الشرطة عددا منهم. وبلغ عدد الشبان اليهود الذين اعتقلتهم الشرطة يومي الجمعة والسبت حوالي الأربعين. لكن تم إطلاق سراح عدد منهم لكونهم قاصرين.

ويذكر أن المواجهات في عكا بدأت، ليلة الأربعاء – الخميس الماضية، ليلة يوم الغفران التي تتوقف حركة السيارات فيها في المدن والأحياء اليهودية، بعد دخول مواطن عربي بسيارته إلى الحي الشرقي في عكا، الذي تسكنه أغلبية يهودية. عندها، أحاطه مئات الشبان اليهود الذين راحوا يرجمونه بالحجارة. ولحسن الحظ تمكن المواطن العربي من الهرب من المكان. لكن الشائعات التي وصلت البلدة القديمة، العربية، أفادت بأنه قُتل. فتجمع مئات الشبان العرب وتوجهوا إلى الحي الشرقي، على بعد كيلومترات قليلة جدا، ووقعت مواجهات بين العرب واليهود، استمرت حتى ساعات الفجر الأولى، وجرى خلالها تدمير أملاك، خصوصا سيارات وواجهات الحوانيت. وفي اليوم التالي حشدت الشرطة أعدادا كبيرة من قواتها. رغم ذلك تجددت المواجهات في المساء. وفصلت الشرطة بين الجانبين.

وفي يومي الجمعة والسبت، بات واضحا أن عكا تحولت إلى ثكنة بوليسية. مجموعات من الشرطيين، وبينهم شرطيون من وحدة مكافحة الشغب، كانت تقف عند مفارق الطرق وخصوصا على طول الشارع المحاذي لمحطة القطار، الفاصل بين الحي الشرقي وحي وولفسون، الذي يسكنه العرب. وفي مساءي الجمعة والسبت تصاعدت حدة الأحداث. ورغم أنه لم تقع مواجهات بين العرب واليهود، بسبب تواجد قوات كبيرة من الشرطة، إلا أن المتظاهرين اليهود، في الحي الشرقي، اعتدوا على بيوت تملكها عائلات عربية وأحرقوا أربعة بيوت، كان أهلها قد نزحوا عنها مع بدء الأحداث. وجرت هذه الاعتداءات اليهودية ضد العرب، رغم أنه بدا، بعد ظهر أمس، أن الأمور تتجه نحو الحل. فقد أعلنت القيادة المحلية أنها تسعى للمصالحة وإعادة الهدوء للمدينة. وقال النائب في الكنيست عباس زكور لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إن العرب في عكا سيصدرون بيانا ينددون فيه بدخول المواطن العربي إلى الحي الشرقي في ليلة يوم الغفران ويعلنون إنهاء حالة التوتر بين العرب واليهود.

في غضون ذلك، أعلن رئيس بلدية عكا، شمعون لانكري، عن إلغاء مهرجان عكا للمسرح، الذي يجري كل عام مع حلول عيد العرش اليهودي، الذي يبدأ مساء غد الاثنين، في عكا القديمة. ورأى العرب في عكا أن القرار بإلغاء المهرجان هدفه فرض عقاب جماعي عليهم. فخلال أيام المهرجان يزور عكا مئات الآلاف من المواطنين اليهود ما يجعله أحد أهم المواسم التي تدر الرزق على أصحاب الحوانيت العرب. كذلك دعا منشور عممه اليهود، أمس، إلى إلغاء المهرجان وإلى مقاطعة التجار العرب. وكتبوا في هذه المناشير العنصرية أن "اليهودي ابن ملك، والعربي ابن كلب".

وأطلقت هآرتس على ملف عكا في عددها الصادر اليوم عنوان "عكا تحترق"، مثل اسم الفيلم الأميركي الشهير "مسيسبي تحترق"، الذي يصور عنصرية البيض ضد السود. ووصف الصحفي غدعون ليفي عكا أنها "البوسنة الصغيرة". وأضاف أن "عكا لا تشبه البوسنة فقط، وإنما تشبه نابلس أيضا، ففي كل ركن فيها يوجد حاجز". وأشار ليفي إلى أن إحدى البنيات في الحجي تضم 32 شقة تسكن فيها ثلاث عائلات عربية و29 عائلة يهودية من أصل قوقازي. عائلة "سميري (العربية) تسكن إلى جانب (العائلات القوقازية) شِمطوف، شموئيلوف، يعكوفوف ورحمانوف، والبوسنة هنا". ونقل ليفي عن امرأة قوقازية شابة قولها "خذوا كل العرب من هنا... إننا لا نريدهم هنا... لقد أدخلوا القرف عندنا".

ولفت كبير المعلقين في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، إلى أن "قصة الرعب في ليلة الغفران آخذة بالتعاظم في كل مرة تناقلها سكان الحي الشرقي مجددا" في إشارة على المبالغة في سرد ما حدث. وكتب برنياع "الآن أصبحوا متأكدين من أن هذه كانت مؤامرة تم التخطيط لها سلفا. ولم يكن هناك سائقا واحدا وإنما عدة سائقين. ولم يسافروا بسيارتهم وحسب وإنما كانوا يشتمون. والجموع العربية لم تكسر الزجاج ودمرت فقط وإنما تسببت بإصابات بالغة" لليهود. وتابع برنياع أن "مرشحين لانتخابات المجلس البلدي، واحد قوقازي والآخر ينتمي إلى حزب (الملياردير اليهودي الروسي الأصل، أركادي) غايدماك، يحاولان بناء شعبيتهما من خلال الغضب" في الشارع اليهودي. ونقل عن مواطنين يهود قولهم إن القرار بإلغاء مهرجان المسرح هو قرار "جيد للغاية لأنه سيمس جيب العرب".

من جهة أخرى نقلت هآرتس عن نشطين يهود وعرب في مدن مختلطة أخرى، خصوصا اللد والرملة ويافا، تخوفهم من انتقال المواجهات إلى هذه المدن. وبحسب الصحيفة فإن أنباء تتردد حول وجود نشاط تقوم به جهات يمينية سوية مع مستوطنين تم إخلاؤهم من قطاع غزة في إطار خطة فك الارتباط، يهدف إلى الاستيطان في المدن المختلطة. وهذا الأمر حدث في عكا، إذ تم جلب نحو مائتي مستوطن من اليمين المتطرف إلى عكا وافتتاح معهد ديني تابع للتيار الديني-القومي-الصهيوني في المدينة. وأضافت هآرتس أن الخوف هو من أن يؤدي حدث محلي وضيق إلى إشعال فتيل مواجهات واسعة بين العرب واليهود. ونقلت عن مدير عام مؤسسة "صندوق اللد"، أفيف فاسرمان، قوله "إننا لا نتحدث هنا عن مُثل التعايش. الوضع قابل للاشتعال، وثمة تخوف من أحداث عنيفة أكثر مما يحدث في عكا". ورأى فاسرمان أن أحداث عكا ينبغي أن تشعل ضوءا يحذر كل من له علاقة بذلك "وهناك جهات كثيرة جدا تجلس على الجدار، وعليها أن تعمل الآن، بما فيها الحكومة والمنظمات الاجتماعية. ينبغي الاستثمار في المدن المختلطة بالذات".