مداولات إسرائيلية داخلية لمواجهة احتمال فتح حوار أميركي – إيراني

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

تقرر في مداولات جرت في وزارة الخارجية الإسرائيلية، على أثر توقعات بفتح حوار بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني، أن إحدى المصالح الإسرائيلية المصيرية هي اشتراط المفاوضات بين الغرب وإيران بوقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم. وشارك في هذه المداولات الإسرائيلية الداخلية ممثلون عن لجنة الطاقة النووية وطاقم الأمن القومي ووزارة الدفاع والموساد وخبراء من الجامعات الإسرائيلية. ونتج عنها تشكيل أربعة طواقم عمل ستنشط في إطار خطة عمل يقودها دبلوماسيون إسرائيليون في أنحاء العالم. وجاءت هذه المداولات في إطار استعداد إسرائيل لاحتمال بدء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في حال انتخاب مرشح الحزب الديمقراطي، باراك أوباما، رئيسا للولايات المتحدة.

وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الأحد – 19.10.2008، أن أحد هذه الطواقم يعمل في "الإحباط السياسي" للبرنامج النووي الإيراني من خلال نشاط الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية، فيما ينشط طاقم آخر في مجال العقوبات الاقتصادية ضد إيران وإقناع جهات دولية بمقاطعة بنوك إيرانية وزيادة مراقبة أرصدة إيرانية في بنوك غربية، ويعمل طاقم ثالث في مجال الدفع باتجاه عزل إيران سياسيا بينما يعمل الطاقم الرابع في مجال الإعلام ونشر مقالات ذات علاقة في كبرى الصحف في العالم.

وعبرت إسرائيل عن قلقها من أن أوباما، وهو المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة الأميركية بحسب استطلاعات الرأي، لن يضع شروطا مسبقة للحوار مع إيران. وتتحسب إسرائيل من توجهات أوباما حيال الملف النووي الإيراني وتستند في ذلك إلى قوله خلال المواجهة الأولى مع منافسه الجمهوري، جون ماكين، إن "علينا الدخول في مفاوضات صارمة ومباشرة مع إيران، والتوجه القائل بأننا لا نتحدث مع أحد ما وأن هذا عقاب له، لن ينجح، والجهود لعزلهم حثهم على تسريع تطوير القدرة النووية عندهم وحسب".

وبحثت المداولات التي تم إجراؤها في الخارجية الإسرائيلية في احتمال فوز أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية وأن يقود عملية لفتح حوار مع إيران من أجل الضغط عليها لوقف برنامجها النووي. ورأى احتمال آخر أن إيران قد تعلن بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، وربما حتى قبلها، عن موافقتها على الخطة التي طرحتها الدول العظمى الخمس وألمانيا قبل بضعة شهور، والقاضية بأن يتم تجميد متبادل لتخصيب اليورانيوم من جانب إيران والعقوبات من جانب مجلس الأمن الدولي، وفتح حوار يستمر 45 يوما حول وقف تخصيب اليورانيوم مقابل حصول إيران على رزمة امتيازات من الدول الغربية. وتعتزم إسرائيل مطالبة الإيرانيين مع بدء المفاوضات بوقف تخصيب اليورانيوم وليس تجميده مؤقتا فقط.

وقالت هآرتس إن أهمية المداولات نابعة أيضا من أنه يركزها عدد من المستشارين المقربين من وزيرة الخارجية ورئيسة حزب كديما المكلفة بتشكيل حكومة جديدة، تسيبي ليفني. وصاغت وزارة الخارجية الإسرائيلية وثيقة، خلال مداولات عقدت قبل أسبوعين وسبقت الأبحاث حول التقييم السنوي للوضع الدولي، حول موضوع الاستعداد لمفاوضات بين الغرب وإيران. وكانت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي قد أفادت، الأسبوع الماضي، بأن هذه الوثيقة لم يتم عرضها بتوسع خشية تسريب فحواها لوسائل الإعلام الأمر الذي قد يمس بمسعى إسرائيل ضد إيران.

ورأى المحلل السياسي في هآرتس، ألوف بن، في تحليل نشره اليوم، أن "وثيقة وزارة الخارجية تترجم إلى لغة رسمية ما قاله الخبراء الإستراتيجيون منذ وقت طويل: إسرائيل لن تهاجم منشآت إيران النووية وعليها التأقلم للواقع المتوقع مع استبدال الإدارة في واشنطن، أي محادثات أميركية مع النظام في طهران". وأضاف أنه "في وضع كهذا، ينبغي على إسرائيل الاهتمام بضمان مصالحها، بدلا من أن تخطئ وتقع في أوهام أن بإمكانها أن توقف بنفسها البرنامج النووي الإيراني".

واقتبس بن من أقوال عضو الكنيست من حزب كديما، يتسحاق بن يسرائيل، لصحيفة معاريف وجاء فيها أن "ليفني تعتقد أنه إذا لم يوقف العالم المشروع النووي الإيراني، فإنه لن يكون خيارا أمام إسرائيل سوى الهجوم. وإسرائيل لن تسمح لإيران بالعيش مع سلاح نووي، لكن لدينا وقت. فنحن لن نقصف بعد ثلاثة شهور". ووفق تقديرات بن يسرائيل فإن إيران بحاجة إلى عام ونصف أو عامين للتغلب على مصاعب تقنية، وستمتلك قنبلة نووية أولى خلال عامين أو ثلاثة، وحتى ذلك الحين يوجد وقت لممارسة ضغوط دولية عليها. ولفت بن إلى أن أهمية بن يسرائيل، وهو ضابط في الاحتياط برتبة لواء، لا تنبع من منصبه البرلماني ولا من قربه من ليفني، وإنما من خبرته الأمنية. فقد كان بن يسرائيل أحد الذين خططوا لقصف المفاعل النووي العراقي في العام 1981 وقدم المشورة لرئيس الحكومة المستقيل، ايهود أولمرت. وأضاف بن أن بن يسرائيل "يعرف أكثر من سياسيين آخرين ماذا تعني غارة إستراتيجية، ويعرف أدق التفاصيل حول عدد الغارات ومسارات تحليق الطائرات المقاتلة وحمل الذخيرة وتشويش رادار العدو". رغم ذلك قال بن يسرائيل إن إسرائيل ستهاجم فقط بعد أن يتضح للعالم كله أن الدبلوماسية لم تفلح "وفي وقت قريب من الدقيقة التسعين".


وكتب بن أن أقوال بن يسرائيل تعني أن إسرائيل لن تهاجم إيران حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي، جورج بوش، وأنها ستنتظر لرؤية ما سيفعله خليفته في البيت الأبيض. وأشار الكاتب إلى أن أوباما ملتزم بالحوار مع إيران، لكنه يعي تهديد إسرائيل بمهاجمتها. وقال أوباما خلال زيارته لإسرائيل، في تموز الماضي، إن الإسرائيليين سيهاجمون إيران في حال فشلت الدبلوماسية. وخلص بن إلى أنه "في حال نجحت ليفني في تشكيل حكومة، وفي حال انتخاب أوباما رئيسا، فإن القضية الأهم التي سيبحثها الاثنان في لقائهما ستكون الحفاظ على قدرة الردع الإسرائيلية ومنع التضحية فيها لصالح صفقة مع الإيرانيين، أو مبادرة عالمية لتفكيك الأسلحة".