من الصحافة الإسرائيلية: محمود درويش شاعر كبير أولا وقبل أي شيء

الشاعر إسحق لاؤور يدعو إلى دفن محمود درويش في قريته، البروة "علّ ذلك يمثل بداية رحلة طويلة من التكفير عن الذنوب" * أ. ب. يهوشواع: كان محمود درويش شاعرا كبيرا وامتلك عظمة شعرية حقيقية، حتى أن إنسانا مثلي، قرأه عبر ترجمات أشعاره لا باللغة الأصلية، كان في إمكانه أن يعجب بشكل عميق من مخزون الصور والأفكار الغنية لديه، ومن الحرية الشعرية التي سمح لنفسه بانتهاجها

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

وصف الأديب الإسرائيلي أ.ب. يهوشواع، في مقالة نشرها في صحيفة معاريف، اليوم الأحد- 10.8.2008، الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، الذي رحل عن عالمنا مساء أمس السبت، أنه كان بالنسبة للإسرائيليين "الصديق والخصم". ومثل يهوشواع، يرى الإسرائيليون في درويش أنه الشاعر الوطني الفلسطيني، الذي عبّر عن أماني وتطلعات الفلسطينيين ووصف حالهم خلال العقود الأربعة ونيّف الماضية. وينظرون إليه على أنه الخصم، الذي استفزهم بشعره وثقافته وعمقه، ورغم ذلك ربط بعض أدبائهم وسياسييهم اليساريين علاقات صداقة معه. وتمت ترجمة عدد من دواوين شعره إلى العبرية.

وكتب يهوشواع "أولا وقبل كل شيء، كان محمود درويش شاعرا كبيرا وامتلك عظمة شعرية حقيقية. حتى أن إنسانا مثلي، قرأه عبر ترجمات أشعاره لا باللغة الأصلية، كان في إمكانه أن يعجب بشكل عميق من مخزون الصور والأفكار الغنية لديه، ومن الحرية الشعرية التي سمح لنفسه بانتهاجها". وأضاف أن "محمود درويش هاجر من إسرائيل طواعية وأنا أسفت دائما على ذلك. أذكره في مؤتمر تضامن عقده الشاعر الراحل يونا بن يهودا، المعروف بكنيته ييبي، في نهاية سنوات الستين في حيفا، مع الشعراء والأدباء العرب الإسرائيليين الذين خضعوا لأوامر اعتقال وتم تقييد تحركاتهم. كان هذا لقاؤنا الأول، وأعجبت بالقوة اللاذعة الكامنة في كلماته. وبعد ذلك، عندما علمت أنه غادر إسرائيل ولن يعود إليها، شعرت بخسارة. إذ بدا لي شريكا جديرا. كان صعبا ونقديا، لكنه جدير".

وأشار يهوشواع إلى قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي الأسبق، يوسي سريد، بتدريس قصائد محمود درويش في المدارس اليهودية، وأكد أن هذا القرار كان صحيحا ومناسبا. وكتب أن درويش أصبح بعد خروجه من البلاد في العام 1972 "الشاعر الوطني للفلسطينيين، شاعر المنفى واللجوء، ولذلك تنقل من مكان إلى آخر وتحول إلى اسم هام في مؤتمرات ومهرجانات الشعر في أنحاء العالم. وعلى هذه الخلفية كان قرار يوسي سريد كوزير للتربية والتعليم، الذي قضى بشمل قصائده في البرنامج الدراسي، صحيحا ومناسبا على الرغم من الانتقادات ضد القرار".

وحول شخصية درويش قال يهوشواع إن "شخصيته جذبتني إلى درجة أني وظفت ظلالها في روايتي 'العروس المُحررة'. وفيها وصفت من خلال حدث عرضي خيالي مهرجان شعر في رام الله يجري فيه حوار شعري. شاعر عربي يقرأ أمام مترجمة إسرائيلية لأشعار من العربية إلى العبرية قصائد الشاعر الصوفي من القرون الوسطى الحلاج، وهي تترجمها مباشرة إلى العبرية. وغني عن القول إني تأثرت كثيرا خلال كتابة هذا المقطع".

وتحدث يهوشواع عن لقائه الأخير مع محمود درويش في حيفا قبل عام ونصف العام. وقال "لقد التقيت به في مقهى وتحدثنا بودٍ. أهديته نسخة من الترجمة الفرنسية ل'العروس المُحررة'، وهي اللغة التي قرأ بها الأدب الأجنبي، وطلبت منه أن يقرأها ليرى بأي قدر من المحبة وصفته في مخيلتي، في تلك السنوات التي سبقت الانتفاضة. لا أعرف إذا كان قد قرأ أم لا. وتقت دائما لالتقائه مرة أخرى في المستقبل، وها هو قد توفى، الشاعر الذي كان لنا خصما وصديقا على حد سواء".

واقتبس الشاعر الإسرائيلي التقدمي، إسحق لاؤور، في مقالة نشرها في صحيفة هآرتس، من قصيدة درويش الأخيرة "سيناريو جاهز"، واعتبر أن 'الشخصية' في القصيدة ليست شخصية تماما، لأنه لا توجد للفلسطينيين حياة 'شخصية'. لكن درويش زرع فيهم الأمل بواسطة شعر محدد للغاية". ورأى لاؤور أن "التاريخ كلّف درويش بأن يؤدي دورا وهو أن يكون الشاعر الوطني".

وشدد لاؤور على أن درويش، مثلما تنقل في أماكن سكناه، "تنقل أيضا في كتاباته، مثل إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي كتبه في العام 1988 وتأبين إميل حبيبي وإدوارد سعيد وياسر عرفات. فقد تنقل بين الشعر والمقال الفكري، وبين التورية والخطابة".

ودعا لاؤور إلى أن توافق إسرائيل على دفن محمود درويش في قريته، البروة. وأشار إلى أنه "يتحدثون كثيرًا في العالم عن الاعتذار" تجاه ضحايا الاحتلال والاقتلاع والتهجير، "في أميركا وأستراليا وجنوب أفريقيا. وهنا لم يتحدثوا عن ذلك بعد. وربما في إمكان تشييع جثمان درويش إلى قريته أن يمثل بداية رحلة طويلة من التكفير عن الذنوب".

ولفت محرر الشؤون العربية في هآرتس، تسفي بارئيل، إلى أن "درويش لم يبخل في توجيه النقد لقادة السلطة الفلسطينية، مثلما عرف كيف يسن سهامه ضد الاحتلال الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية". ورأى بارئيل أن "عظمته الأساسية هي في البلورة الشاعرية الثاقبة للذاكرة التاريخية الفلسطينية وخصوصا فيما يتعلق بقضية اللاجئين. وفي قصيدته الشهيرة 'لماذا تركت الحصان وحيدا' أحيا العلاقة بين التهجير والآثار الحية التي أبقاها اللاجئون خلفهم وعنفوان حق العودة بواسطة رمزه، الحصان الذي بقي في الخلف، والبئر المتروكة ومفتاح البيت المهجور الموجود في جيب كل لاجئ". وخلص بارئيل إلى القول إن "درويش المريض ترك أمس الفلسطينيين وحدهم ومضى من دون أن يرى اتفاق سلام بين الشعبين".