محاولة اغتيال شطيرنهل أبرزت هشاشة الديمقراطية الإسرائيلية

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

تشير تقديرات الشرطة الإسرائيلية إلى أن تنظيما يهوديا يمينيا، يدعى "جيش التحرير الرسمي"، هو الذي يقف وراء محاولة اغتيال المؤرخ الإسرائيلي اليساري، البروفيسور زئيف شطيرنهل، وأن هذا التنظيم يعتزم المس بشخصيات يسارية إسرائيلية أخرى. وتستند تقديرات الشرطة إلى عدة أدلة عثرت عليها في بيت شطيرنهل، بينها العبوة الناسفة التي انفجرت أمام باب بيته، والتي أسفرت عن إصابته بجروح، وتبين أن تركيبها يحتاج إلى خبرة، وتعقب الجناة لشطيرنهل ومعرفة تحركاته، حيث وقع الانفجار لدى عودته من رحلة لخارج البلاد، إضافة إلى وجود مناشير قرب بيته تمنح جائزة بقيمة 1.1 مليون شيكل لمن يقتل نشطا يساريا.

وتناولت الصحف الإسرائيلية، اليوم الجمعة – 26.9.2008، محاولة اغتيال شطيرنهل، أمس. وجاءت معظم المقالات والتحليلات، باستثناء مقال واحد، متواضعة حيال التأثير السلبي للمشروع الاستيطاني وتطرف المستوطنين على إسرائيل، من تزايد العنف وخرق القانون في المجتمع الإسرائيلي من جهة، ومنع تقدم العملية السياسية في المنطقة من الجهة الأخرى. لكن شطيرنهل، المتخصص في تاريخ الحركات الفاشية الأوروبية، أبلغ الإسرائيليين رسالة واضحة، وهو لا شك يدرك أن الاعتداءات على الفلسطينيين لا تقف عندهم وإنما تنتقل إلى الاعتداء على الإسرائيليين العقلانيين، عندما قال إنه "في حال لم يقم بهذا العمل مجنون منفرد وإنما جهة تمثل تيارا سياسيا أو شعبيا، فإن هذه ستكون بداية انحلال الديمقراطية. ومجرد تنفيذ هذا العمل يدل على هشاشة الديمقراطية الإسرائيلية والحاجة للتجند للدفاع عنها بإصرار وحزم. وعلى المستوى الشخصي، وإذا كان القصد هو الترهيب، فإنه ينبغي أن يكون واضحا أنه لم ينجحوا في التخويف. لكن من نفذوا ذلك لم يقصدوا المس بي وحسب، وإنما بكل واحد من أفراد العائلة الذي كان بالإمكان أن يفتح باب البيت، وعلى ذلك أنا لا أسامح ولا أغفر".

وأوضح أحد ضباط الشرطة أن المعتدين "عملوا بصورة منظمة جدا، وهذا يدل بكل تأكيد على تصاعد نشاط اليمين المتطرف ضد النشطين اليساريين. والحديث يدور عن نشاط موجه وزرع العبوة الناسفة لم يكن عملا عشوائيا". وأقر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والشرطة بفشلهما، عندما أعلنا أنهما فوجئا من محاولة المس بشطيرنهل، وأنه لم تتوفر لديهما أية معلومات حول نشاط تنظيم يميني هدفه المس بنشطاء يساريين. فقد شددت الشرطة على أن "هذا الاعتداء لم يكن هدفه إخافة شطيرنهل، وإنما هو محاولة واضحة للتسبب بأذى له على الرغم من أن العبوة الناسفة كانت صغيرة". وفي غضون ذلك وضعت الشرطة حراسة حول بيت سكرتير حركة سلام الآن، ياريف أوفنهايمر، في تل أبيب.

وتجدر الإشارة إلى أن المستوطنين رفضوا إصبع الاتهام الموجه إليهم. ونفى تنظيم "الجبهة اليهودية" اليميني المتطرف، الذي يضم آلاف المستوطنين الشبان الذين يقيمون البؤر الاستيطانية وينفذ اعتداءات همجية على الفلسطينيين وأملاكهم يوميا، علاقته بالاعتداء. ورغم ذلك أعلن هذا التنظيم في بيان عممه أنه لن يستنكر الاعتداء. كذلك اعتبر رئيس ما يسمى ب"لجنة مستوطني السامرة"، بيني كتسوفر، إن الاعتداء على شطيرنهل هو "استفزاز قام به الشاباك". ولم يستنكر هو الآخر الاعتداء وقال "إننا نرى خطورة بالغة في محاولات نسب عملية زرع العبوة الناسفة لمستوطني يهودا والسامرة".

ورغم أن عدد المستوطنين المتطرفين وعناصر اليمين المتطرف تُعد بالآلاف، إلا أن المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، اعتبر أنه "على هامش اليمين الإسرائيلي تنشط تنظيمات ذات سمات شبه فاشية. ولن تكون هذه فرضية مبالغ فيها أن من اعتدى على شطيرنهل جاء من هذه الأوساط". ورغم أن الشرطة وصفت زرع العبوة الناسفة بأنها "عمل منظم" إلا أن هارئيل اعتبره عمل "غير مهني" وأن "هدفه التخويف وإثارة ضجة إعلامية". وأشار الكاتب إلى تحليل استعرضه الشاباك خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية، في نهاية العام الماضي، وتنبأ فيه بتصاعد اعتداءات اليمين ضد الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، وبقدر أقل ضد نشطاء يساريين، "في حال تكرر الدمج بين تقوض الأمن الشخصي للمستوطنين في الضفة – بسبب تصاعد الإرهاب الفلسطيني – والتخوف من إخلاء مستوطنات في إطار العملية السياسية". وأضاف الكاتب "إلا أن هذين العاملين لا يظهران بصورة بارزة في الآونة الأخيرة. ورغم أن هناك تصاعدا في الإرهاب الفلسطيني، لكن ليس في الضفة وإنما في القدس. كذلك فإن التصريحات حول اتفاق رف (بين إسرائيل والفلسطينيين) لم تحرك بؤرة استيطانية". ورأى هارئيل أن توقيت الاعتداء على شطيرنهل يأتي بهدف تخويف رئيسة حزب كديما ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، التي تسعى لتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، "على افتراض أن رئيسة الحكومة الجديدة ستبحث إمكانية السعي بسرعة للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين". وتوقع هارئيل أن المستوطنين سيكثفون اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين في الشهور المقبلة مع بدء موسم قطف الزيتون.

من جانبه، اعتبر الأديب الإسرائيلي أ.ب. يهوشواع، في مقال نشره في صحيفة معاريف، أن "المشكلة هي المستوطنين المعتدلين". ورأى أنه "من أجل اجتثاث ظواهر كهذه فإننا مرتبطين بالأساس بموقف واضح من جانب مجلس المستوطنات وأحزاب اليمين، الذين ينبغي عليهم أن يكونوا حازمين جدا في التنديد بنشطاء اليمين المتطرف... وعلى اليسار الاستمرار في دعم تقسيم البلاد وهي عملية تدعمها الآن أغلبية الشعب".

وكان المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت، ايتان هابر، الأكثر حدة في تناول الاعتداء على شطيرنهل. ربما لكونه أشغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، الذي اغتيل على أيدي ناشط من اليمين المتطرف في العام 1995. وكتب هابر أنه "منذ العام 1967 لم يكن أبدا أي رئيس حكومة وأي وزير دفاع أراد مواجهة مخالفي القانون الإسرائيليين في يهودا والسامرة وغزة. والعكس هو الصحيح، فكل رئيس حكومة، من العمل والليكود، غضوا الطرف وتساهلوا عندما تم وضع تقارير حول التنظيمات وأعمال الشغب على طاولاتهم. وفي الحرب ضد مخالفي القانون كان رؤساء الحكومات والوزراء هم أول من تراجعوا". وأضاف هابر أنه "حقيقة هي أن سكانا إسرائيليين في المناطق (الفلسطينية) قتلوا عمدا أطفالا وفتية فلسطينيين ودمروا بيوتا وأشجارا وحتى أنهم تنظموا لتنفيذ عمليات عصابات قاسية، ولا أحد منهم موجود اليوم خلف القضبان. والمؤسسة الإسرائيلية تساهلت معهم ومع شروط سجنهم لدرجة إطلاق سراحهم".


وأضاف هابر أن "الحقيقة المجردة هي أنه كان هناك رؤساء حكومات ووزراء دفاع (إسرائيليون) الذين خافوا جسديا من تعرض المستوطنين المتطرفين لهم ولحكوماتهم ولحكمهم، وهم أنفسهم الذين ألمحوا للمستشارين القانونيين للحكومة للتعامل مع المستوطنين برحمة. والوحيد بين رؤساء الحكومات الذي حتى لم يبصق باتجاههم كان أرييل شارون الذي أوجدهم لتنفيذ مآربه". ووصف هابر جماعات "شبيبة التلال"، من غلاة المستوطنين المتطرفين، هم "الجريمة والعقاب" بالنسبة لقادة المستوطنين في الضفة الغربية، كونهم تمردوا على زعمائهم ويوجهون لهم ولحاخاماتهم "الإصبع الثالثة". وأضاف هابر أنه بعد اعتداءات هذه الجماعات المتكررة على الفلسطينيين "بات الاعتداء على من لا يوافق على أفكارهم (من الإسرائيليين) مسألة وقت" وتوقع أن "شطيرنهل لن يكون الحالة الوحيدة وإنما الحالة الأولى وحسب". ودعا هابر إلى تجنيد قوات الاحتياط وأن يشن الجيش والشرطة "حملة واسعة وشاملة وسريعة" واعتقال "جماعة الأوغاد" لفترات طويلة قدر الإمكان. واستدرك هابر "لكن من سيفعل ذلك؟ ففي الحكومة الإسرائيلية لا يوجد اليوم زعيم قادر على ضرب هذه الجماعة وأشباهها بيد قوية ولذلك فإنه يمكن أن نتوقع أننا سنرى قريبا بين ظهرانينا، لأول مرة، يهودا منا 'ملطخة أيديهم بالدماء'".