تصاعد الدعوات في إسرائيل لهدم بيوت منفذي العمليات في القدس

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الثلاثاء – 23.9.2008، بأن حرجا يسود جهاز الأمن الإسرائيلي في أعقاب عملية الدهس في القدس، مساء أمس، والتي نفذها الفلسطيني قاسم مغربي من ضاحية جبل المكبر في القدس الشرقية. ويشعر المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون بالحرج بسبب انعدام قدرتهم على منع وقوع عمليات كهذه، التي ينفذها شبان فلسطينيون من القدس الشرقية. لكن المسؤولين عادوا للتهديد بهدم بيوت منفذي هذه العمليات، معتبرين أن من شأنها ردع شبان آخرين من تنفيذ عمليات مشابهة.

وأقدم المغربي قرابة الساعة 23:00 من ليلة أمس على دهس 17 شخصا، معظمهم من الجنود الإسرائيليين، بسيارة بي. أم. في. سوداء، قرب أسوار البلدة القديمة قبل أن يطلق ضابط إسرائيلي النار عليه وأرداه قتيلا. وأصيب في العملية امرأة وصفت جراحها بأنها ما بين متوسطة وخطيرة فيما أصيب أربعة بجروح متوسطة وجاءت جراح الآخرين طفيفة.

ويذكر أن هذه عملية الدهس الثالثة التي ينفذها فلسطيني من القدس الشرقية بعد عمليتي دهس بجرافتين وقعتا في شهر تموز الماضي وأسفرت الأولى عن مقتل ثلاثة مواطنين إسرائيليين وإصابة عدد آخر، فيما أسفرت العملية الثانية عن إصابة 18 شخصا. وسبق عمليات الدهس عملية إطلاق نار في المعهد الديني اليهودي "مركاز هراف" في القدس التي وقعت في شهر آذار الماضي وأسفرت عن مقتل ثمانية من طلاب المعهد. وبحسب جهاز الأمن الإسرائيلي فإن جميع هذه العمليات، التي نفذها شبان فلسطينيون من القدس الشرقية، كانت بمبادرات فردية الأمر الذي صعّب من منع وقوعها. وقال قائد الشرطة في منطقة القدس، أهارون فرانكو، في أعقاب عملية الأمس إنه لم يصل الشرطة أي تحذير مسبق بخصوص العملية.

وفي أعقاب عملية الدهس أمس عقد وزير الدفاع الإسرائيلي مداولات مع قادة الأجهزة الأمنية تحدث خلالها عن "الحاجة لهدم بيوت" منفذي العمليات بهدف الردع. وكان باراك قد أصدر قبل شهرين قرارا بهدم منزلي منفذي عمليتي "مركاز هراف" والدهس بالجرافة الأولى، لكن أحد القرارين تنظر فيه محكمة إسرائيلية بعد استئناف عائلة منفذ العملية الأولى فيما القرار الثاني يخضع في هذه الأثناء لتدقيق يجريه قاض للتأكد من أن عملية الدهس كانت هجوما وليس حادثا. وقال باراك في مداولات الليلة الماضية إن الوضع "يتطلب عملا فوريا على المستوى القضائي لتقصير الوقت بصورة كبيرة ويتيح لجهاز الأمن تنفيذ هدم بيوت مخربين بعد تنفيذ العمليات مباشرة وبذلك سيكون بالإمكان ردع مخربين في المستقبل".

من جهة أخرى تشير معطيات نشرها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) مؤخرا إلى ارتفاع ملحوظ في نشاط المقدسيين ضد أهداف إسرائيلية. واعتبر مسؤولون أمنيون أن "من شأن عمل حازم في المنطقة التي يسكنها 290 ألف فلسطيني (أي القدس الشرقية) أن يحبط هجمات أخرى". وأضافت معطيات الشاباك أنه تم اعتقال 340 مقدسيا اتهموا بضلوعهم في نشاطات ضد إسرائيل بين الأعوام 2001 و2008، وأن عدد المعتقلين في العام 2005 كان 9 وارتفع في العام 2006 إلى 61 فيما اعتقل في النصف الأول من العام 2008 الحالي 71 مقدسيا.

من جانبه، دعا المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، إلى أن تواتر العمليات في القدس، التي قال أن عددها بلغ ست عمليات منذ مطلع العام الحالي، بينها عمليتي إطلاق نار لم تتم معرفة هوية منفذيها حتى الآن، يحتم إعادة التفكير في جهاز الأمن. وأشار هارئيل بداية إلى أن الدهس بسيارة خاصة يستدعي إجراء تدقيق للتيقن من أن عملية الدهس لم تكن حادث دهس وإنما هي هجوم متعمد.

وتطرق هارئيل إلى صعوبة منع عمليات من هذا النوع، بسبب حرية تنقل المقدسيين، كونهم يحملون بطاقة الهوية الزرقاء، واستخدام منفذيها جرافات وسيارات خصوصية. وأضاف أن التحقيقات التي جرت في أعقاب هذه العمليات لم تظهر وجود علاقة بين منفذيها، لكنه أشار إلى أن جميع منفذي العمليات أصبحوا متدينين قبل تنفيذ العمليات. وكتب هارئيل أنه حتى اليوم لم تتوفر معطيات حول انتماء منفذي هذه العمليات لتنظيم معين. واعتبر أن "التفسير لتكاثر هذه الحالات قد يكون وببساطة الرغبة في تقليد عمليات ناجحة سابقة".

لكن هارئيل أشار إلى التوتر الحاصل بين الفلسطينيين وإسرائيل والانقسام الفلسطيني الداخلي، مثل "المفاوضات حول اتفاق رف التي بدت أنها فاشلة، والانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، والتوتر بين حركتي فتح وحماس حول استمرار ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد كانون الثاني 2009، وحتى الانتخابات لبلدية القدس". وخلص هارئيل إلى التأكيد على أن أقوال باراك حول هدم بيوت منفذي العمليات لن يردع مقدسيين آخرين من تنفيذ عمليات في المستقبل واقتبس من أقوال رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، بعد عملية الدهس الأخيرة بجرافة، قبل شهرين، حيث قال إن "من يعتقد أن النمط الأساسي في القدس الشرقية (أي سيطرة إسرائيل على جميع الأحياء العربية) سيستمر فإنه ينبغي الأخذ بالحسبان أنه ستكون هناك عمليات جرافة أخرى".

من جانبه، دعا المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، إلى هدم بيوت منفذي العمليات وطرد عائلاتهم، معتبرا أن هذا يشكل عاملا رادعا وسيمنع تنفيذ عمليات مشابهة أخرى. وكتب "إذا لم ينشأ مستوى من الردع، ولا يكون واضحا بأنه ستتم جباية ثمن غالٍ على كل عملية من المخرب وعائلته وملكه، وأن يكون رد الفعل على كل عملية قتل بلباس قومي هدم بيوت وطرد عائلات، فإننا سنستمر في العيش تحت هذا التهديد".

وتابع فيشمان أن "عملية ناجحة ستجرّ وراءها عمليات ناجحة أخرى، حتى يتحول ذلك إلى تهديد وجودي. وسيخاف الناس من السير في الشوارع، مثلما كان الوضع مرة، عندما كان الناس يخافون من صعود الحافلات. عندها سنكون محقين وإنسانيين، لكننا سنبقى أغبياء وعاجزين وبائسين". واستطرد أن "هدم بيوت القتلة ومعاقبة عائلاتهم هو أمر قاس وغير إنساني. لكن هل يوجد لدى أحد ما حل أفضل لوقف هذه الموجة؟ هل علينا، ربما، أن ننتظر حلول السلام".