في قضية عزمي بشارة والحملة على فلسطينيي 48

قد يكون التعويض الاسرائيلي عن "صورة الانتصار"، التي أكثر عزمي بشارة من الحديث عنها في وصفه الذهنية العنجهية الإسرائيلية المهزومة في حرب لبنان، هو صورة متخيلة صمموها لاحقا في أجهزة القمع والمخابرات الإسرائيلية لعزمي بشارة مكبلا بقيودهم (الحديدية هذه المرة) ومقتادا الى سجنهم الصغير ضمن سجنهم الكبير الذي أرادونا جميعا أن نبقى فيه مقطوعين عن كل شيء

قد يكون التعويض الاسرائيلي عن "صورة الانتصار"، التي أكثر عزمي بشارة من الحديث عنها في وصفه الذهنية العنجهية الإسرائيلية المهزومة في حرب لبنان، هو صورة متخيلة صمموها لاحقا في أجهزة القمع والمخابرات الإسرائيلية لعزمي بشارة مكبلا بقيودهم (الحديدية هذه المرة) ومقتادا الى سجنهم الصغير ضمن سجنهم الكبير الذي أرادونا جميعا أن نبقى فيه مقطوعين عن كل شيء إلا عنهم في "دولة اليهود" و"الدولة اليهودية". منقطعين عن وطننا، عن شعبنا الفلسطيني وعن مدانا وامتدادنا العربي والعالمي، وأن نبقى أفرادا على هامش قواعد لعبتهم التي بلوروها كي يحاصرونا وينهبوا وطننا وهويتنا ويحكمونا والتي أرادوا بعد نكبة العام 1948 أن يعيدوا إنتاجنا من خلال ما برمجوه لنا كـ"عرب اسرائيل" على مسرح الأسرلة والتسليم بشرعية مشروعهم الاستعماري العنصري.

لقد تحولت مواطنة الفلسطيني في إسرائيل ومستحقاتها إلى أشبه بأسر له مستحقاته التي تصبح أكثر وأكثر عبئا إنسانيا وأخلاقيا يكاد لا يحتمل. وما يبقيها تحتمل هو فقط كونها داخل حدود الوطن رغم فصلها القسري عنه.

الهجمة المسعورة على رئيس ومؤسس التجمع الوطني الديمقراطي هي مؤشر لما هو آت أو عمليا قد بدأ. وقد أشار تقرير المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) مؤخرا الى أن العرب في إسرائيل هم "خطر إستراتيجي". وما يميز هذا التقرير والذي أطلقه رئيس الجهاز، يوفال ديسكين، ليس جوهره القمعي وليس مجرد أنه يشكل تهديدا إستراتيجيا من دولة الى أهل البلاد الأصليين، بل ما يميزه أنه ليس تقريرا سريا بل مجاهرا، وفي المجاهرة رسالة بأن الحملة ستكون عنيفة وأن الدولة تبني تبرير جريمتها القادمة مسبقا، لتكون "محمية" ولتنتحل شخصية الضحية التي يعتدي عليها ضحاياها بمجرد نضالهم من أجل حقوقهم المشروعة.

وإذا أرادت رسالة الشاباك القول إن وجودنا وحقنا في وطننا هما المستهدفان فإن مستوى التحدي وعلامة السؤال الجدير رفعها هي ليس على طابع الدولة فحسب بل على سؤال الشرعية، وهذا المحور ليس خاضعا لقواعد اللعبة الإسرائيلية بل إنه جزء من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراع الإسرائيلي- العربي.

معركة بحاجة إلى إدارة ذكية

وعليه سيكون من الخطأ استعجال الأمور والمزاودة حول قضية وشكل عودة عزمي بشارة إلى الوطن، فذلك أيضا جزء من إدارة الكفاح الوطني ولنتركه لعزمي كي يحدد قراره الشرعي مهما يكن، فهو أكثر من يدفع ثمنه. والمسؤولية الوطنية الآن هي توفير أوسع حماية وطنية لأي قرار يتخذه بهذا الشأن، واستخدام ذلك في ضمان حماية الحركة السياسية الوطنية المنظمة وحماية المؤسسات الوطنية وتعزيز هيبة وقاعدة الحركة الوطنية على أرض الواقع الجماهيري. والمراهنة الأولى في هذه المعركة يجب أن تكون على جماهير شعبنا وتوحيد صوتها في مواجهة الحملة السلطوية القمعية. وتاريخنا كجماهير وكشعب هو تاريخ كفاحي توفر التجارب المتراكمة إنجازا وسندا ننطلق منه ولا نبدأ من نقطة الصفر. والتجربة الأخيرة التي خضناها كانت حماية الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، والتي من أهم دروسها أن الصمود الوطني والبعد الجماهيري هما الأهم في عوامل كسر المخطط الإسرائيلي. وإن أقصر الطرق إلى مواجهة مخططات الشاباك والمؤسسة القمعية الحاكمة هي مواجهتها ونحن منظمين وموحدين صوتنا تجاهها. وإن حماية أي تيار او فصيل او حزب سياسي وطني ومنع الاستفراد به من قبل الدولة واستنزافه هو حماية لكياننا الجماعي وبالذات في واقع نحن مستهدفون فيه كجماعة.

كما أثبتت اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات والتي انبثقت في حينه عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية للدفاع عن قيادة الحركة الإسلامية، أنها غطاء وطني لكل الطيف السياسي المعني بالدفاع عن الصف الوطني وحرية عمله وحمايته. ولما كانت إسرائيل تتعامل مع موقفنا السياسي خاصة الموقف تجاه قضايا شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية كسلوك أمني، ففي هذا مطاردة وملاحقة سياسية أمنية لممارسة حقوقنا الديمقراطية بحرية. ومن هنا جاء الشعار الذي توّج معارك الدفاع عن الحريات: "حاكمونا جماعيا" كرد شعبي على محاولات جهاز القمع الإسرائيلي التمييز فيما بيننا على أساس "المعتدلين" و"المتطرفين"، والاعتدال والتطرف يحددان وفق معيار الموقف من إسرائيل وجوهرها العنصري الكولونيالي.

إن كون جهاز مخابرات دولة- أية دولة- يحدد أن مجموعة قومية او اثنية او سكانية كخطر إستراتيجي، فمعنى ذلك في حالتنا اننا جمهور في خطر كما اننا جزء من شعب في خطر. لكن إسرائيل هي إسرائيل لا تتورع عن شيء إلا بقدر ما نتصدى لقمعها الذي يشكل مركبا أساسيا من جوهرها. لكنها ستحاول هذه المرة أيضا ان تظهر للعالم بأنها ضحية ضحاياها، هذا ما يجري في الضفة والقطاع وهذا ما يجري داخل الخط الأخضر. وسوف تحاول إسرائيل ان تدعي أمام العالم أن عنصريتها وقمعها هما نتاج سلوك الجماهير العربية ضحايا العنصرية والقمع البنيويين. وعليه فإن دورنا أيضا في وضع إسرائيل وممارساتها على ميزان الساحة الدولية والشرعية الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وبهذا المفهوم نحن جمهور في خطر ولن تكون المحكمة العليا الإسرائيلية ملاذنا الى العدالة بل المحاكم الدولية والحلبة الدولية.

مرحلة مفصلية

علينا أن نتحرك بسرعة ونضمن جاهزية تحرك جماعي تكاملي متعدد الأبعاد والجوانب في آن، والوضع الداخلي هو الأهم حاليا، ومن هنا أهمية التحركات التي قامت بها قيادة التجمع الوطني الديمقراطي للتنسيق وتحريك الساحة السياسية المنظمة. في المقابل فإن منظمات العمل الاهلي والمجتمع المدني الفلسطيني في الداخل تتحرك أيضا بتكامل وتنسيق في هذا الشأن، لكن يجب ألا يغيب عن بالنا للحظة أن المرحلة المعاشة تتعدى حدود الشخص أو القائد أو الحزب- أي حزب- بل تستهدفنا جميعا، واستهداف عزمي بشارة هو استهداف لنا كجماهير وشعب.

كما يبدو فإننا أمام مرحلة مفصلية تستهدف كل إنجازاتنا وأدواتنا الكفاحية ومؤسساتنا ومشاريعنا الوطنية، تتجند فيها اسرائيل الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية والمنظمات الصهيونية العالمية بما فيها الوكالة اليهودية واللوبي اليهودي الأميركي ومصادر التمويل اليهودية الصهيونية، التي تسعى بالقمع والمال إلى إحداث انقلاب في تنظيم الجماهير العربية، بالقضاء قمعيا، كما يحلو لهم، على القيادات الوطنية وبناء قيادات بديلة مرتبطة بهم مصلحيا وخاضعة لأدوات لعبتهم تعيش على فتات الدولة اليهودية والوكالة اليهودية.

وإن كانت إسرائيل لا تتورع عن شيء من حيث نوايا أجهزتها وسوف تحاول ذلك من خلال استخدام أساليب الحرب النفسية والتي بدأتها ضمن الإعلام الإسرائيلي الرسمي وسوف تحاول دق الأسافين بيننا واستنهاض أعوانها العرب الهامشيين عدديا وتأثيرا، إلا أن الدولة وأذرعها تشكل مكبر صوت لها كي تبدو ذات قيمة ووزن إعلامي أو سياسي لضرب المزاج الوطني. وسوف يحاول الشاباك أن يتظاهر كما لو كان قادرا على كل شيء. إلا أنه ورغم ذلك الجواب ليس عندهم بل عندنا، وهو منوط بمدى استعدادنا وجاهزيتنا لحماية أنفسنا وكياننا وحماية إنجازاتنا الوطنية. وباعتقادي، وإن أردنا، فإننا نملك كل مقومات الجواب.

_________________________________

* أمير مخول- مدير عام "إتجاه- اتحاد جمعيات أهلية عربية" داخل منطقة 48.