رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق يدعو لإقالة وزير العدل

القاضي باراك: "وزير العدل (دانيئيل فريدمان) لا يقوم بمهماته وهو ليس الشخص المناسب للمنصب" وعلى الحكومة تصحيح هذا "الخلل" * فريدمان: حرية التعبير في إسرائيل مقدسة حتى تصل الأمور للمحكمة العليا * بحث جديد يظهر تدهور ثقة الجمهور بمؤسسات الحكم الإسرائيلية

المشهد الإسرائيلي- خاص

احتدم الخلاف بين المحكمة العليا الإسرائيلية ووزير العدل، البروفسور دانيئيل فريدمان، في العام الأخير، وبلغ هذه الأيام ذروة جديدة وصلت حدا دعا فيه الرئيس السابق للمحكمة العليا، القاضي أهارون باراك، إلى إقالة فريدمان من منصبه. ووصل الخلاف ذروته الجديدة من خلال مقابلات أعلنت الصحف اليومية الإسرائيلية الكبرى الثلاث، يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس، اليوم الثلاثاء- 8.4.2008، عن إجرائها مع باراك، ونشرت ملخصا لها على أن تنشر كاملة في ملاحقها التي ستصدر يوم الجمعة المقبل. وهذه المقابلات هي الأولى التي يدلي بها باراك منذ خروجه للتقاعد في شهر أيلول الماضي. ولم يدع باراك صراحة إلى إقالة فريدمان، لكنه قال إن "وزير العدل لا يقوم بمهماته وهو ليس الشخص المناسب للمنصب".

وفي خلفية الصراع الدائر بين فريدمان من جهة وباراك ورئيسة المحكمة العليا، القاضية دوريت بينيش، خصوصا من الجهة الأخرى، الانتقادات الشديدة التي أطلقها فريدمان ضد المحكمة ودورها في الحياة العامة الإسرائيلية الذي بلوره باراك، بالأساس، خلال سنواته الثماني والعشرين في المحكمة. ويعارض فريدمان تدخل المحكمة العليا في قضايا سياسية، مثل إلغاء قوانين سنها الكنيست لأنها تتعارض مع قوانين أساس، أو النظر في التماسات ضد قرارات الحكومة، وبينها قضايا مثل مسار الجدار العازل. وتجدر الإشارة إلى أن فريدمان هو واحد من أبرز الشخصيات القانونية في إسرائيل منذ عشرات السنين. كذلك يقود فريدمان، في هذه الاثناء، "عملية إصلاح" للمحكمة العليا يرى باراك وبينيش أنها ستؤدي لتغيير ملامحها الليبرالية نسبيا.

ومن بين الأقوال التي نسبتها الصحف الإسرائيلية لباراك ضد فريدمان، قوله إن إصلاحات فريدمان هي "بداية النهاية" لجهاز القضاء الإسرائيلي. ووصف التغييرات التي يبادر الوزير لتنفيذها بأنها "تسونامي" سيؤدي إلى انهيار أساسات الجهاز القضائي ويهدد الديمقراطية الإسرائيلية. وقال باراك "لقد وصل السيل الزبى" واعتبر أن تعيين فريدمان نجم عن "خلل" وأنه على المؤسسة السياسية تحمل مسؤولية الوضع الحاصل، وأنه "ملقاة مسؤولية تاريخية على رئيس الحكومة (ايهود أولمرت) ووزراء الحكومة وعلى رئيس المعارضة (بنيامين نتنياهو)". وأضاف باراك أن "فريدمان لن يتغيّر، فهو رجل مستقيم ويسير إلى الأمام وسيصطدم رأسه بالحائط. إنه محارب صليبي ولن يتوقف".

ورأى باراك أن الحرب الدائرة على مستقبل القضاء في إسرائيل تجري في ثلاث جبهات: استقلالية جهاز القضاء، وانتخاب القضاة، وصلاحيات المحكمة. وأضاف أنه كان يأمل أن يدرك فريدمان مهامه كوزير عدل وأن يدافع عن جهاز القضاء، لكن من الناحية الفعلية فإن القوانين التي يبادر لسنها، وبينها تلك التي تدعو إلى تقييد مجالات تدخل المحكمة العليا وإحداث تغييرات في انتخاب وتعيين قضاة، تهدم القضاء الإسرائيلي. وحذر باراك من أنه "لا يمكن هدم المحكمة وبعد ذلك أخذ الحجارة ذاتها وإعادة بنائها من جديد. هكذا لا يتصرف مُحبُ، هكذا يتصرف عدو".

وتابع باراك قائلا إن مبادرات فريدمان تؤدي لانهيار السور القائم بين السياسي والقضائي. والخطورة تكمن في أن إسرائيل ستتحول إلى دولة عالم ثالث، يوجد فيها قانون لكن الأداء يكون وفقا لمطالب أصحاب القوة ووفقا لمفهوم أن "كل عنيف هو رجل". وأضاف أنه في حال تحققت إصلاحات فريدمان فإن هذا سيكون "كابوسا"، حيث سيفقد رئيس المحكمة العليا صلاحياته بصفته رئيس جهاز وسيشعر القضاة بأن مصادر القوة الحقيقية هما الحكومة والسياسيون.

يشار إلى أن فريدمان لم ينجح حتى الآن في تعديل قوانين أساس بسبب التزامات ائتلافية وتدخل حزبي العمل والليكود في منع مبادراته هذه. لكن باراك يخشى ما سيحدث عندما تصبح الالتزامات الائتلافية أقل قوة، خصوصا في فترة تسبق انتخابات عامة.

من جانبه، تطرق فريدمان، أمس، للانتقادات ضده وقال إن حرية التعبير في إسرائيل هي حق مقدس حتى تصل الأمور إلى أداء المحكمة العليا. وأضاف أنه فيما أبدت المحكمة العليا تسامحا بالغا تجاه التصريحات الشديدة في سياقات سياسية وأقرت أن حرية التعبير هي قيمة عليا، فإنه عندما يتم توجيه الانتقاد نحوها تصبح هذه القيمة العليا لاغية. واعتبر فريدمان أن هذه الحال "تنزع الشرعية عن الانتقاد. ومن ينتقد سيقابل بتهجمات شخصية وشديدة". ووصف فريدمان تصريحات أطلقها باراك قبل أسبوع بأنها "تفتقر للجم ذاتي". وتطرق فريدمان للانتقادات ضده حول مبادرته لتغيير طريقة انتخاب القضاة. وقال "هل أميركا ليست ديمقراطية؟ وألمانيا؟ وفرنسا؟ فالبرلمانات هناك تنتخب قضاة المحكمة الدستورية (الموازية للمحكمة العليا في إسرائيل). فقط نحن ديمقراطيون؟ ومباشرة يقولون إن هذا سيقودنا إلى وضعية عالم ثالث".

فقدان الثقة بالمحكمة العليا

في غضون ذلك أظهرت دراسة أعدها البروفسور أرييه رتنر والدكتور مائير يعيش، من مركز أبحاث الجريمة والقضاء والمجتمع في جامعة حيفا، تزايد فقدان ثقة الجمهور في إسرائيل بمؤسسات الحكم. وتبين من الدراسة أن 48% من المواطنين اليهود و53% من المواطنين العرب أعربوا عن عدم ثقتهم بالمحكمة العليا. وفي المقابل عبر فقط 15% من اليهود و19% من العرب عن ثقة كاملة بجهاز الشرطة.

وللمقارنة، فقد سبق أن عبر 80% من اليهود و66% من العرب عن ثقتهم بالمحكمة العليا في دراسة مشابهة أجراها رتنر في العام 2000. وفي هذه الدراسة أعرب 32% من اليهود و25% من العرب عن ثقة كاملة بالشرطة.

وأظهرت الدراسة التي جرت مؤخرا أن 52% من المواطنين لا يثقون بالحكومة و40% أعربوا عن ثقة بمستوى متدن أو متوسط وفقط 8% قالوا إنهم يثقون بالحكومة. كذلك قال 46% إنهم لا يثقون بالكنيست وعبر 45% عن مستوى ثقة متدن أو متوسط و9% عبروا عن ثقة كاملة بالكنيست.