الخياران: تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية أو التوجه لانتخابات عامة مبكرة

"المشهد الإسرائيلي" – خاص

أجمعت تقديرات المحللين في الصحف الإسرائيلية، اليوم الخميس – 31.7.2008، على أنه لن يكون سهلا على خليفة رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، تشكيل حكومة جديدة بحلول فصل الخريف المقبل. وأعلن أولمرت في "بيان شخصي" أدلى به أمس، "لقد قررت أني لن أتنافس في الانتخابات الداخلية لحركة كديما... وعندما يتم انتخاب رئيس جديد لحزب كديما سأستقيل من منصبي كرئيس للحكومة من أجل تمكين الرئيس المنتخب تشكيل حكومة أخرى بسرعة وبنجاعة". وتشير كافة التقديرات إلى أن أحد المرشحين، وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، أو وزير المواصلات، شاؤل موفاز، سيفوز برئاسة كديما في الانتخابات الداخلية التي ستجري في شهر أيلول المقبل. والخياران الواردان هما: في حال فوز موفاز برئاسة كديما فإن ثمة احتمال لأن يشكل حكومة يمينية، أما في حال انتخاب ليفني، فإن الاحتمال الأكبر هو التوجه إلى انتخابات عامة مبكرة.

وبحسب سيناريوهات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، فإنه في حال فوز موفاز، ثمة احتمال ما بين متوسط إلى عال بأن ينجح في تجنيد 61 عضو كنيست، من أصل 120، من أحزاب التحالف الحكومي الحالي وحزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف برئاسة أفيغدور ليبرمان، أو أن موفاز لن ينجح في تشكيل حكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، وهو احتمال ما بين ضئيل ومتوسط. أما إذا فازت ليفني برئاسة كديما، فإن ثمة احتمال ما بين متوسط وعال بأن تواجه صعوبة في تجنيد تأييد 61 عضو كنيست لتشكيل تحالف جديد، خصوصا على ضوء توقعات بأنها سترفض الاستجابة لمطلب حزب شاس بزيادة مخصصات الأولاد، وفي هذه الحالة سيتم التوجه لانتخابات مبكرة. ورأت الصحيفة أن ثمة احتمال ما بين ضئيل ومتوسط بأن تنجح ليفني بالحفاظ على التحالف الحكومي الحالي وتشكل حكومة من خلاله.

من جهة ثانية، أفادت صحيفة هآرتس بأن التقديرات السائدة داخل حزب كديما هي أن رئيس الحزب الجديد، موفاز أو ليفني، سيواجهان صعوبة في تشكيل حكومة بديلة. وفي هذه الحالة فإنه يتوقع أن يبقى أولمرت رئيسا للحكومة حتى الانتخابات العامة المبكرة، التي ستجري وفقا للتوقعات في آذار من العام 2009 المقبل. تجدر الإشارة إلى أن هناك أربعة مرشحين، حتى الآن، لرئاسة كديما وهم إضافة إلى ليفني وموفاز، وزير الداخلية مائير شيطريت، ووزير الأمن الداخلي، أفي ديختر.

من جانبه، قال موفاز المتواجد حاليا في واشنطن للإذاعة الإسرائيلية العامة، صباح اليوم، إنه في حال انتخابه رئيسا لكديما سيعمل على تشكيل حكومة وحدة واسعة، معتبرا أن إجراء انتخابات عامة مبكرة لن يخدم مصالح إسرائيل. ولوح في هذا السياق بالبرنامج النووي الإيراني. لكن رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، أكد للإذاعة نفسها، اليوم، أن الليكود لن ينضم لحكومة كديما وقال إنه ينبغي التوجه لانتخابات عامة وإن "الحكومة الحالية أنهت طريقها". ورأى نتنياهو أن أولمرت قام بالعمل الصائب أمس، لكن بتأخير سنتين. فقد كان على أولمرت الاستقالة بعد حرب لبنان الثانية.

كذلك عبّر عدد من المحللين الإسرائيليين عن موقف مشابه لموقف نتنياهو. وكتب الصحفي آري شفيط في هآرتس، أنه "اليوم، وبتأخير سنتين، انتهت حرب لبنان الثانية. وبمفهوم معين، هذا الصباح هو صباح ما بعد الحرب. وهكذا، فإنه منذ الآن فصاعدا لا توجد حاجة للانشغال بالرجل الذي ورط إسرائيل بتلك الحرب الملعونة". وكتب المراسل العسكري لهآرتس، عاموس هارئيل، "يبدو أنه بالنسبة لإسرائيليين كثيرين، جاء بيان رئيس الحكومة، أمس، بتأخير سنتين، لأنه بعد وقت طويل من تفاصيل تحقيقات الفساد ضد أولمرت ومعارك النيابة العامة ورجال الإعلام وأيضا بعد المحكمة والبراءة أو الإدانة، ما سيتبقى هو ذكرى الحرب في لبنان. هناك تكمن جذور المسألة: في ال34 يوما بائسا التي قاد خلالها أولمرت إسرائيل في المعركة، في واحد من أكثر مظاهر القيادة البائسة التي جرت هنا. هناك فقد شعبيته بشكل نهائي، وهو فقدان لم ينجح بالنهوض منه حتى خطاب الاعتزال أمس. ولبنان كانت الحدث الذي بلور ولاية أولمرت". وانتقد هارئيل أولمرت لأنه لم يأت على ذكر هذه الحرب خلال بيانه أمس.

من جانبه، كتب كبير المحللين في يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، أن "ايهود أولمرت مات في الحرب وتم دفنه بالتحقيقات. ففي الحرب فقد جهاز المناعة الذي تحمي، حتى حدود معينة، كل رئيس حكومة يؤدي مهامه. والرأي العام الذي منذ البداية لم يُبد حماسا كبيرا لانتخابه، انتظر العقاب، من جانب لجنة تحقيق أو من جانب السماء. الناس لم تتظاهر في الساحات: لقد تظاهروا قبالة التلفاز، في أحاديث الصالونات وفي ردودهم على الاستطلاعات. والسياسيون أعجبوا بقدرة أولمرت على البقاء. وإعجاب الجمهور كان أقل". وحول مستقبل كديما وإمكانيات تشكيل حكومة بديلة، رأى برنياع أنه "إذا فاز موفاز في الانتخابات داخل كديما فإنه سيكون مستعدا لدفع كل ثمن من أجل تشكيل حكومة. والخيار المطروح في حالته هو حكومة يمين- حريديم. وخطوة كهذه من شأنها كسر كديما". من جهة أخرى فإن "ليفني، في حال فازت، سترغب بالوصول لانتخابات (عامة) ليس من كرسي رئيس الحكومة وإنما من كرسي وزيرة الخارجية، من دون أن تقوم بمساومات ومن دون الاتساخ بتنازلات" مع أحزاب تحالف جديد.

من جهة أخرى رأى المحلل السياسي ألوف بن، في مقال، هو الأهم والأعمق حول فترة أولمرت، نشرته هآرتس، أن "اولمرت دخل منصب رئيس الحكومة بعاصفة، عندما انهار أرييل شارون، ويغادره بعاصفة التحقيقات. وخلال 31 شهرا لولايته لم ينجح في تحقيق المهمة المركزية التي وضعها أمامه، وهي رسم حدود جديدة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، تضمن مستقبل إسرائيل كدولة يهودية. إنه يورث هذه القضية لخليفته". وكتب بن أن "ولاية أولمرت انحرفت عن مسارها في 25 حزيران 2006، وهو يوم اختطاف غلعاد شاليت إلى قطاع غزة، وتحطمت بشكل نهائي بعد ذلك بأسبوعين عندما تم اختطاف إلداد ريغف وايهود غولدفاسير بأيدي حزب الله. وعمليتا الاختطاف حولتاه من خليفة شارون، الذي يعتزم الاستمرار في مسار فك الارتباط، إلى زعيم أمة تخوض حربا. وفي هذا الامتحان فشل أولمرت ثلاث مرات: بتعيين عمير بيرتس وزيرا للدفاع، بالقرار المتسرع لشن حرب لبنان الثانية، وبقرار مواصلة الحرب دون فائدة بعد ضربة النيران الأولى. والعجز الذي أبدته الحكومة خلال الحرب والإخفاقات القاسية في أداء الجيش أدى إلى تراجع شعبية أولمرت المتدنية أصلا".

لكن بن اعتبر أن "أولمرت اتخذ عدة قرارات إستراتيجية. الأول كان قصف ما اشتبه أنه مفاعل نووي في سورية في أيلول 2007، والذي تم بالتنسيق مع الإدارة الأميركية. كان هذا إنجاز أولمرت الأكبر. زال الخطر وامتنع السوريون عن الرد، والعالم صمت. ولم يرد السوريون أيضا عندما تمت تصفية القيادي في حزب الله عماد مغنية في دمشق في شباط الماضي. وحتى أنهم وافقوا بعد بضعة شهور على استئناف محادثات سلام مع إسرائيل، فيما هم يضعون المهانات جانبا. والقرار الثاني كان التنازل عن خارطة الطريق من عهد شارون واستئناف المفاوضات حول قضايا الحل الدائم مع السلطة الفلسطينية، من خلال التوصل إلى 'اتفاق رف' يتم إرجاء تنفيذه. واقترح أولمرت على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الانسحاب من الأغلبية الساحقة من أراضي الضفة الغربية، مقابل ترتيبات أمنية وتأجيل البحث حول القدس. وهو لا يزال بانتظار رد عباس. (لكن) خلال المفاوضات صادق أولمرت على بناء آلاف الشقق الجديدة في الكتل الاستيطانية الواقعة داخل الجدار، وخصوصا قرب القدس. وبعد المواجهة العنيفة في (البؤرة الاستيطانية العشوائية) عمونا، في أيام حكمه الأولى، امتنع أولمرت عن صدامات مع المستوطنين وإخلاء كبير للبؤر الاستيطانية، وحاول تجميد الوضع وراء الجدار. والقرار الثالث الذي اتخذه أولمرت كان بالمضي نحو اتفاق التهدئة مع حماس في قطاع غزة، في محاولة لوقف الهجمات الصاروخية على سديروت وأشكلون (عسقلان). وهو رفض الضغوط لإعادة احتلال القطاع واختار المسار السياسي. وبهذا اعترف، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، بحماس على أنها الجهة المسيطرة في غزة وكشريك ممكن للتعايش. وبهذا أوجد نموذجا بديلا لإدارة الصراع مع الفلسطينيين، حتى بدون اتفاق دائم. والقرار الرابع كان اتفاق تبادل الأسرى والجثث مع حزب الله".

وأشار بن إلى أن "أولمرت أبقى لمن سيخلفه عدة مهام. الأولى هي معالجة التهديد النووي الإيراني. لقد أراد بكل تأكيد قصف المنشآت النووية الإيرانية، مثلما فعل في سورية، والدخول عبر ذلك إلى التاريخ. إلا أن الإدارة الأميركية عارضت الفكرة، واختارت إجراء محادثات مع إيران. وسيضطر رئيس الحكومة القادم، أو القادمة، إلى التأكد من أنه يتم الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في هذه المفاوضات (الأميركية – الإيرانية). وستكون المهمة القادمة لمن سيخلف أولمرت التقدم في الاتصالات مع الفلسطينيين والسوريين، وفي غضون ذلك عليه أن يدرك أن انطلاق المفاوضات، إذا حصل، سينتظر دخول الإدارة الأميركية الجديدة إلى مهامها".