إسرائيل تزعم أن الرئيس محمود عباس "هدّد بتفكيك السلطة" في حال الإفراج عن وزراء ونواب حماس

تسريب مزاعم من شأنها أن تسوّد صفحة عباس، بحسب ما أكد مسؤول إسرائيلي، بالتزامن مع إعلان الرئيس الفلسطيني عن عزمه الدخول في محادثات مع قيادة حماس بهدف رأب الصدع الحاصل في الشارع الفلسطيني

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، خلال زيارته الأخيرة إلى مصر، عن عزمه الدخول في محادثات مع قيادة حركة حماس، بهدف رأب الصدع الحاصل في الشارع الفلسطيني ومنع تعمق الخلافات فيه. وبالتزامن مع ذلك أعربت إسرائيل، عبر وسائل إعلامها، عن استيائها البالغ من إعلان عباس، لكنها هذه المرة لم تهدد وتتوعد السلطة الفلسطينية بوقف المفاوضات معها أو بوقف تحويل مستحقاتها المالية، مثلما فعلت مرارا في الماضي، وإنما لجأت إلى تسريب مزاعم، من شأنها، مثلما أكد مسؤول إسرائيلي، أن "تسوّد صفحة أبو مازن".

من جهة ثانية، فإن المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية حول قضايا الحل الدائم متعثرة وعلى ما يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود، على الأقل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعاني أزمة سياسية حادة للغاية وأوشكت على الاندثار. وإسرائيل لا يمكنها الزعم أن السلطة الفلسطينية تعرقل المفاوضات، خصوصا أن العالم كله، وعلى رأسه الإدارة الأميركية، يتهمها بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات، لعدة أسباب، أهمها مواصلة التوسع الاستيطاني خلافا للتعهدات الإسرائيلية في خطة خريطة الطريق وخلال مؤتمر أنابوليس واللقاءات الثنائية. إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تواصل التعنت في مواقفها حيال قضايا المفاوضات الأخرى. وتزعم أنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق سريع حول قضية الحدود، فيما هي ترفض التفاوض حول قضية القدس، وما زالت قضية الجدار معلقة في المحاكم، وتعلن ليل نهار أن غور الأردن سيبقى في أيدي إسرائيل. والأرجح أنه لا يوجد اتفاق بين إسرائيل والسلطة حول أي قضية من القضايا المدرجة على طاولة المفاوضات.

من هنا، يمكن تناول ما نشرته صحيفة هآرتس، اليوم الأربعاء- 30.7.2008، إذ زعمت أن عباس "أوضح لإسرائيل، في الأسبوع الماضي، أنه في حال إطلاقها سراح وزراء ونواب حماس المعتقلين في إسرائيل منذ اختطاف (الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة) غلعاد شاليت، فإنه (أي عباس) سيفكك السلطة الفلسطينية". وادعت الصحيفة أيضا، أن رئيس جهاز الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، هو الذي مرر هذه "الرسالة الشخصية" من عباس إلى قائد الجبهة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، اللواء غادي شيمني، خلال اجتماعهما الأسبوع الماضي. واستطردت الصحيفة أن الشيخ شدد أمام شيمني أن عباس لم يستخدم مصطلح "استقالة" وإنما "تفكيك السلطة الفلسطينية".

وتكفي هذه المعلومات المزعومة لطرح عدة تساؤلات. أولها، لماذا يبعث الرئيس الفلسطيني بـ"رسالة شخصية" بهذا المستوى من الخطورة عبر الشيخ وشيمني؟ فمثل هذه الرسائل الخطرة يمكن إيصالها من خلال اللقاءات الثنائية بين عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، أو عبر مفاوضين في مستوى عال، يعقدون لقاءات دورية مع مسؤولين إسرائيليين في مستوى مواز. وسؤال آخر هام هو: ما هي حاجة الرئيس الفلسطيني لمثل هذا التهديد، فيما السلطة تسيطر في الشارع الفلسطيني في الضفة، إضافة إلى أن وزراء ونواب حماس ليسوا من القيادات العسكرية للحركة؟ وأكثر من ذلك، فإن عباس واجه سيطرة حماس في قطاع غزة بحنكة سياسية، منعت إسالة المزيد من الدماء الفلسطينية الزكية، ولم يهدد حينها بتفكيك السلطة الفلسطينية، رغم أن أحداث حزيران العام 2007 كانت أحد أخطر الأحداث في التاريخ الفلسطيني؟.

إضافة إلى كل ما تقدم، فإن هآرتس ذكرت أنها أجرت اتصالا مع الشيخ، الذي أكد بدوره انعقاد اللقاء مع شيمني، الأسبوع الماضي، لكنه نفى نفيا قاطعا أن يكون مرر "رسالة شخصية" كهذه من عباس. كذلك نقلت هآرتس عن مسؤول إسرائيلي "ضالع في ما يحدث في السلطة الفلسطينية"، يمكن الاستنتاج أنه من الشاباك، قوله إن "نشر تهديد عباس من شأنه أن يسوّد صفحته بشكل كبير في نظر الفلسطينيين". وإضافة إلى ما تقدم، فإن الصحافي الموقع على الخبر يدعى أوري بلاو، وهو ليس مراسلا أو محللا عسكريا أو سياسيا لهآرتس وإنما مراسل عادي يتعامل مع قضايا اقتصادية عادية ويشارك في تحقيقات صحافية. وإذا كان الشيخ قد أوصل "رسالة شخصية" من عباس للجيش الإسرائيلي، ولنفترض أنها وصلت للقيادة السياسية الإسرائيلية، لماذا يتم تسريبها أصلا، ولماذا يتم تسريبها إلى غير المراسل العسكري، مثلا، أو المراسلين السياسيين الكبار في الصحيفة، فالخبر ينطوي على سبق صحافي غير بسيط.

واضح أن ثمة دوافع خفية وغير نظيفة تقف وراء هذا الخبر. لكن هذا ليس بالأمر الجديد. فقد درجت إسرائيل على معانقة عباس "عناق الدب". وهي الآن تظهر كمن تريد إطلاق سراح وزراء ونواب حماس، لكن عباس هو الذي لا يريد، بل ويهدد في حال إطلاق سراحهم!!

ليس هذا وحسب. بل إن إسرائيل، التي لم تتوقف بعد التهدئة في قطاع غزة عن التهديد باجتياحه لإسقاط حكم حماس هناك، تظهر الآن أيضا كمن تتعامل مع حماس. فقد سلمت إسرائيل الفلسطينيين في غزة، أمس، مبلغ 16 مليون شيكل مقابل مبلغ مشابه بأوراق مالية مهترئة سلمه الفلسطينيون لإسرائيل الأسبوع الماضي. ولفتت هآرتس إلى أن هذه "صفقة نادرة نسبيا في السنتين الأخيرتين على خلفية المقاطعة الاقتصادية التي تنتهجها إسرائيل تجاه حكومة حماس في القطاع".

Terms used:

هآرتس