إسرائيل تتراجع عن مسار مقطع من الجدار العازل

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

بعد نضال قضائي خاضه سكان قريتي جيوس وفلامية ضد مسار الجدار العازل في أراضي القريتين، دام خمس سنوات، استسلم جهاز الأمن الإسرائيلي وأعلن مؤخرا عن أنه سيفكك مقطع الجدار الذي تم بناؤه في أراضي القريتين. وأفادت صحيفة هآرتس، اليوم الاثنين – 28.7.2008، بأن النيابة العامة الإسرائيلية أبلغت المحكمة العليا، الشهر الماضي، بأنه سيتم بناء مقطع جديد من الجدار حول القريتين، وسيستعيد المواطنون الفلسطينيون في القريتين أراضيهم التي تبلغ مساحتها 2600 من أصل 3000 دونم سلبتها سلطات الاحتلال من القريتين لغرض بناء هذا المقطع من مسار الجدار.

وبحسب هآرتس فإن موقف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، القاضي بأنه لا ينبغي أن يتدخل الجيش الإسرائيلي في رسم مسار الجدار، وأن القرار بهذا الخصوص يجب أن تتخذه الحكومة الإسرائيلية، كان بين العوامل التي أثّرت على موقف النيابة في المحكمة. وكان أشكنازي قد اتخذ موقفه هذا بعدما اكتشف أن مسار الجدار، هذا الذي سيتم هدمه، لم يتم رسمه انطلاقا من اعتبارات أمنية، وإنما من أجل تمكين إقامة حي جديد تابع لمستوطنة "تسوفين".

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن إسرائيل تزعم أنها تبني الجدار العازل لأسباب أمنية وخصوصا لمنع تسلل مسلحين من الضفة الغربية إلى إسرائيل لتنفيذ عمليات. لكن تقارير أعدتها منظمات حقوقية إسرائيلية أكدت أن معظم مسار الجدار غايته توفير إمكانية توسيع مستوطنات في الضفة. كما أن الجدار لم ينجح في منع مسلحين فلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل وتنفيذ عمليات. وكان رئيس المحكمة العليا السابق، القاضي أهارون باراك، ورئيسة المحكمة الحالية، القاضية دوريت بينيش، قد شددا في قرارات أصدروها لدى النظر في قضايا مشابهة على أنه يحظر أن تكون اعتبارات توسيع مستوطنات في رسم مسار الجدار.

وبنت إسرائيل مقطع الجدار المحاذي لجيوس وفلامية، بطول 2.4 كيلومتر، في العام 2003. وعلى أثر ذلك قدمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل التماسا للمحكمة العليا باسم مواطنين من القريتين، أكدت الجمعية من خلاله على أن الجدار عزل المواطنين الفلسطينيين عن أراضيهم، التي بقيت في الجانب الغربي من الجدار وبمحاذاة مستوطنة "تسوفين". ووفق بلاغ النيابة العامة الإسرائيلية فإنه سيتم هدم مقطع الجدار وسيتم بناء مقطع آخر مكانه بطول 4.9 كيلومتر وبتكلفة 50 مليون شيكل. وبذلك يكون جهاز الأمن الإسرائيلي قد تبنى المسار البديل الذي اقترحه "المجلس من أجل السلام والأمن" المؤلف من ضباط إسرائيليين كبار متقاعدين وفي الاحتياط.

إرجاء استكمال بناء الجدار

وفي غضون ذلك، بات واضحا الآن أن إسرائيل أرجأت استكمال بناء الجدار العازل، وذلك لعدة أسباب، أهمها مساره الأصلي الذي يجري تعديله في أعقاب التماسات للمحكمة العليا، وعدم رصد ميزانيات. وبحسب ما كتبه المراسل والمحلل العسكري في هآرتس، عاموس هارئيل، اليوم، فإن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي يعترفون الآن بأن انتهاء العمل في الجدار بعيد. ويرى هؤلاء أن السبب الأساسي لذلك هو عدم رصد ميزانيات، وأن انخفاض عدد العمليات الفلسطينية أدى إلى خفض الضغوط على وزارة المالية الإسرائيلية لرصد مبالغ لبناء الجدار.

ويذكر أن حكومة إسرائيل، برئاسة أرييل شارون، قررت بناء الجدار العازل في شهر حزيران من العام 2002، أي بعد شهرين من اجتياح "السور الواقي" للضفة الغربية. وبحسب قرار الحكومة توجب انتهاء العمل في الجدار في العام 2005. وبعد ذلك سرت تقديرات بأن انتهاء العمل سيتم في العام 2010 فيما التقديرات الآن تتحدث عن العام 2014. إلا أن ضابطا إسرائيليا كبيرا أكد أن "الجدار لن ينتهي في العام 2014".

من جانبه رأى اللواء في الاحتياط شاؤل أريئيلي، وهو أحد أعضاء الطاقم الإسرائيلي لمبادرة جنيف وعضو "المجلس من أجل السلام والأمن" ونشر مؤخرا كتابا حول الجدار العازل بعنوان "سور وإخفاق" بالاشتراك مع المحامي اليساري التقدمي ميخائيل سفاراد، رأى أنه "من خلال جميع الثغرات التي بقيت في الجدار، كان جهاز الأمن يعتزم نقل المسار إلى مناطق في عمق الضفة. لكن هذا كان مستحيلا، بسبب معارضة المحكمة العليا والأميركيين. ومن الجهة الأخرى، فإن اليمين ومجلس المستوطنات سيشوشون محاولة بناء الجدار في مناطق قريبة من الخط الأخضر. ولا يوجد ضغوط للمصادقة على ميزانيات للجدار بسبب عدم وجود توافق سياسي".

وتوقع أرئيلي احتمال حدوث تغيّر في هذا الوضع ويتم استكمال الجدار فقط في حالتين. الحالة الأولى أن يتم بناء الجدار في إطار اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، بينما الحالة الثانية هي أن تستمر إسرائيل في البناء بصورة أحادية الجانب في أعقاب تصعيد كبير في الأوضاع الأمنية في الضفة، مثلما حدث في العام 2002.