غضب عارم في اسرائيل بعد التبادل

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

ساد غضب عارم وشامل في إسرائيل بعد تنفيذ صفقة التبادل مع حزب الله. وشعر الإسرائيليون بإهانة وإذلال شديدين جراء الطريقة التي أعلن حزب الله من خلالها عن أن الجنديين الإسرائيليين ميتان. فقد رفض الحزب إعطاء أية تفاصيل حول حالتهما حتى اللحظة الأخيرة من بدء تنفيذ الصفقة. وفيما كان يترقب الإسرائيليون لحظة تسليم الأسيرين، ورغم أنهم كانوا مهيئين لاحتمال أن الجنديين ميتان، ظهر أمامهم فجأة، على شاشة التلفاز، تابوتان. كذلك فإن الإسرائيليين لم يتحمسوا أصلا للصفقة خصوصا بسبب معرفتهم أن الجنديين، على الأرجح، ميتان. زد إلى ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين ووسائل الإعلام حقنوا الإسرائيليين بكره بالغ للغاية للأسير سمير القنطار، بسبب العملية التي نفذها في العام 1979، وبسبب تنفيذ حزب الله هجومه في 12 تموز العام 2006 وأسر الجنديين الإسرائيليين من أجل مبادلتهما بالقنطار، وبسبب الحرب التي أعقبت هذا الهجوم. وفي النهاية الاستقبال الكبير الذي نظمه اللبنانيون، في وحدة صف نادرة، للقنطار.

ولعل أبلغ تعبير عن هذا الغضب الإسرائيلي، ليس في تصريحات المسؤولين وتحليلات الصحفيين، وإنما في تهديد مباشر وجهه مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى للقنطار بأن المخابرات الإسرائيلية أصبحت في حل من التزام تجاهه وسوف تغتاله. ونقل المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، شمعون شيفر، اليوم الخميس – 17/7/2008، عن المسؤول الإسرائيلي قوله إن "سمير القنطار الذي تم تحريره أمس في إطار الصفقة (لتبادل الأسرى) مع حزب الله تحول إلى محكوم عليه بالإعدام". وأضاف المسؤول ذاته أن "إسرائيل ستصل إليه وستصفيه" وأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية لن يهدأ لها بال حتى يتم اغتيال القنطار. وتابع المسؤول الإسرائيلي الرفيع أنه "بعد خروجه من السجن لم يعد لدينا أي التزام تجاه القنطار، القاتل الحقير، الذي لم يُستنفذ الحساب معه حتى النهاية". ونقل شيفر عن من وصفهم بأنهم "شركاء في سر هذا التصريح" قولهم إنهم ينصحون القنطار بعدم الإكثار بالخروج والظهور في العلن، "لأنه بالنسبة لأشخاص على شاكلته ليس صحيا البتة التجول في وضح النهار".

وغصّت الصحف الإسرائيلية، اليوم، بالمقالات حول يوم أمس. وبرز بينها مقال الصحفي اليميني أوري أورباخ، في يديعوت أحرونوت. فقد نشر المقال، الذي جاء تحت عنوان "رسالة للبنانيين" باللغتين العبرية والعربية، وكانت الترجمة للعربية ركيكة (ورغم ذلك سنقتبسها كما هي)، استنكر فيه احتفال اللبنانيين بتحرير أسراهم. وكتب أورباخ الذي بدا أنه يغلي غضبا: "أيها اللبنانيون، لا خلاف للإسرائيليين على الحدود معكم، ولكن قطعا لنا خلاف كبير حول حدودكم الأخلاقية. نحن قمنا بالتعرف على جثث (الجنديين الأسيرين) أودي (غولدفاسير) وإلداد (ريغف) أبنائنا خلال ساعات معدودة. وأنتم؟ 30 سنة لم تنجحوا في التعرف على سمير قنطار ابنكم. 30 سنة لا تميزون بين بطل قومي وبين قاتل أطفال. وبنظركم يكفي أن شخصا ما قتل يهوديا وحتى لو طفلة صغيرة من نهاريا كي تستقبلوه استقبال الملوك. أنتم تحتفلون بما يسمى انتصاركم أما ألمنا فتحتقرونه.

"أيها اللبنانيين السخيفين أمثالكم. انتصار آخر كهذا الانتصار وتضيعون. من انتصار لانتصار فإنكم تعلقون أكثر بالإهانة والتطرف. ومن استعراض للتفاخر لاجتماع أبطال تسيطر عليكم عصابة الحزب الله وعلى رأسها وحش الجاثمين الشيخ نصر الله الشبيه بالشجرة التي أكلت نارها منذ سنين أرز لبنان وأيضا لما (أي عندما) يختفي يظهر وجهه الحقيقي وبعض من وجهكم. إنه يوم كئيب في إسرائيل ولكن فيه الألم والانضباط والافتخار بما هو نحن: جدار يهودي محصن ضد جنون إيران. لقد عاد أولادنا إلى حدودنا. وعاد قاتل إلى حدودكم. بالحزن العميق تسلمنا جثث، وأنتم بالفرحة تسلمتم فطيسة انظروا ولاحظوا ما الفرق".

من جانبه، رأى المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أن إسرائيل جعلت القنطار بطلا قوميا من خلال سلسلة أكاذيبها. وكتب أن "لحزب الله أسبابا جيدة للتعامل باحتقار مع إسرائيل. ففي حزب الله كانوا يعرفون ما تم إخفاؤه طوال الوقت عن مواطني إسرائيل. أنه لم تكن للتقرير حول (الطيار الإسرائيلي المفقود) أية أهمية وأية صلة بصفقة التبادل الأخيرة. وأن هذا التقرير ليس إلا ورقة تين تم إنتاجها لخدمة غايات إسرائيلية داخلية، لستر حقيقة أن حزب الله تعهد لإسرائيل بالتزامات أخرى بخصوص رون أراد ولم ينفذها".

وأضاف فيشمان أنه لو كانت إسرائيل قد أفرجت عن القنطار في إطار صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله في العام 2004 فإنه "من المعقول جدا أن حزب الله ما كان سيقدم على خطف الجنديين. وهنا وُلدت الخدعة الثانية، وهي أن إسرائيل شنت الحرب (في العام 2006) من أجل تحرير المخطوفين. لا أساس من الصحة لذلك... ففي نهاية الحرب كان واضح أن احتمال تحريرهما في عملية عسكرية ليس قائما. وبقي بديل المفاوضات فقط. وأدرك حزب الله أن إسرائيل لن تفرج عن آلاف (الأسرى) الفلسطينيين، لكنه حاول كسب جولة حرب نفسية أخرى. وخرج نصر الله بخطاب الجثث، لكنه فشل. وبقي نصر الله مع انجاز واحد: احتفالات قنطار، الذي تحول بلطف منا إلى بطل قومي".

من جهته دعا المحلل العسكري والسياسي في معاريف، عوفر شيلح، الإسرائيليين إلى "عدم النظر إلى الوراء، فلا جدوى من ذلك، كما أنه لا جدوى من الاستمرار في مهرجان البكاء. وما ينبغي تذكره الآن هو أن مجتمعا قويا ومحب للحياة لا ينشغل في المفاخرات الفضفاضة ووعود بالثأر. ولا يحاول أن يرد على الإذلال بالإذلال على عدوه، وعلى القسوة بالقسوة". ورأى شيلح أن على المجتمع الإسرائيلي أن "يتذكر يوم أمس على أنه يوم آخر في تاريخ الشرق الأوسط، الذي لم يسجل أحد فيه انتصارا ولم يتم كيّ أي نوع من الوعي".

وتناول الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب والمحلل السياسي في صحيفة هآرتس، آلوف بن، جانبا آخر انعكس من صفقة تبادل الأسرى. وهو أن إسرائيل تفاوض حزب الله وحماس وبدأت محادثات مع سورية كما أن الولايات المتحدة انضمت لدول أوروبية في المفاوضات مع إيران. وكتب أنه "بعد سنوات من المقاطعة والعزلة، تفجرت المفاوضات هذا الصيف. فإسرائيل استأنفت المحادثات مع سورية، وتوصلت إلى وقف إطلاق نار مع حماس في غزة، وتبادلت أسرى مع حزب الله واقترحت مفاوضات مع لبنان حول مزارع شبعا. وكل هذا إلى جانب المفاوضات مع السلطة الفلسطينية حول اتفاق دائم. والإدارة الأميركية انضمت إلى المحادثات النووية التي يجريها الأوروبيون مع إيران، وأوضحت معارضتها لهجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية".

وتساءل بن "ما الذي يحدث هنا؟ هل يحاول (الرئيس الأميركي جورج) بوش و(رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود) أولمرت، قبل نهاية ولايتهما، بذل كل ما بوسعهما من أجل قطف ثمار سياسية، وألا يتم تذكرهما كزعيمي حرب فاشلين فقط؟ أم أنهما ببساطة أدركا حدود قوتهما، واضطرا للحديث مع 'محور الشر' من دون أن يغير العدو تصرفاته؟ فإيران ما زالت تخصب اليورانيوم، وحزب الله وحماس يخزنان الصواريخ، وسورية تمنح الدعم لجميعهم، وأصبحوا جميعا فجأة مناسبين للتفاوض معهم".

وأشار بن إلى أن الرأي السائد في المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية هو أن "الصفقات مع سورية وحزب الله وحماس هي بمثابة 'تنظيف الأرض' وفصل إيران عن حليفاتها، استعدادا لهجوم محتمل على منشآتها النووية. لكن الشعور بأن طائرات سلاح الجو تسخن محركاتها في الطريق لضرب إيران محل شك، في أعقاب الحظر العلني الذي فرضه الأميركيون على هجوم إسرائيلي". وأضاف أنه من غير المستبعد أن تقود المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران إلى فتح مكتب مصالح أميركي في طهران في المستقبل. لكن بن خلص إلى أنه "حتى يتم ذلك، فإن خطر الحرب الإقليمية ما زال في الأجواء، والمفاوضات المتعددة القنوات ما زالت لا تضمن منعها".