الإفادات السرية لتقرير أغرانات: اتهامات متبادلة بين قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين (2)

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

سمحت وزارة الدفاع الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء – 7.10.2008، بنشر قسم من المحاضر السرية للجنة أغرانات الرسمية للتحقيق في إخفاق الجيش الإسرائيلي في حرب تشرين الأول، التي صادفت أمس الذكرى ال35 لنشوبها، وأبقت الرقابة العسكرية قسما منها طي الكتمان.

وكشفت هذه المحاضر، التي تنشر لأول مرة، أن قادة إسرائيل تبادلوا الاتهامات ضد بعضهم، إذ قال رئيس اركان الجيش في حينه، دافيد إلعازار، إن وزير الدفاع موشيه ديان "وجه ضربة استباقية للضربة الاستباقية" الإسرائيلية، فيما قال اللواء في الاحتياط حينئذ أرييل شارون إن قادة الجيش في الجبهة لم يكونوا مطلعين على الأحداث في ميدان القتال، بينما عرض ديان على اللجنة تقريرا أعدته شعبة الاستخبارات العسكرية يظهر الثقة المفرطة للجيش بنفسه.

وقال ديان خلال إفادته أنه اعتقد أنه لا توجد حاجة لتجنيد قوات الاحتياط وعرض على لجنة أغرانات تقريرا استخباريا تمت كتابته قبل خمسة شهور من الحرب وجاء فيه "أننا واثقون للغاية من أنفسنا فيما يتعلق بقدرتنا على صد الضربة الأولى، لدرجة أننا لا نجند الاحتياط ولسنا بحاجة لتجنيد الاحتياط في هذه الجبهة (المصرية)، ولن يكون فَرق في هذه الجبهة باستثناء القليل من المدافع... وهذا (أي القوات الموجودة عند الجبهة) مع سلاح الجو ستكفي للجم" القوات المصرية.

وتابع ديان الاقتباس من التقرير أن "حقيقة أن تناسب (توازن) القوة البرية هو مثلما بيّنتُ وحقيقة أننا نجرؤ (المقصود، "نتمكن") على تجنيد الاحتياط في وقت مبكر نابعة من أننا مؤمنون بقدرات سلاح الجو على وقف ولجم احتمال حدوث هجوم (مصري أو سوري) في إحدى الجبهتين، ورئيس أركان الجيش (إلعازار) أوضح أنه في الجنوب توجد قوات نظامية، ليس من أجل خوض الحرب كلها، وإنما لأننا نشعر أنه لا حاجة هنا لتجنيد الاحتياط".

وأضاف ديان "لا يمكنني القول إنه في يوم 5 من الشهر (تشرين الأول/أكتوبر، أي قبل يوم واحد من نشوب الحرب) كان لدينا شعور مختلف فيما يتعلق بقيادة الجبهة الجنوبية، وأنا أعيش مع هذا الشعور منذ أيار/مايو وأنا أعيش الآن مع رئيسي أركان، في إشارة على تعيين الفريق في الاحتياط حاييم بار ليف إلى جانب إلعازار وتعيين شارون إلى جانب قائد الجبهة الجنوبية اللواء شموئيل غونين (غورديش).

وقال إنه طلب من إلعازار قبل أيام من نشوب الحرب التحقق من تحركات الجيش السوري وأنه في اجتماع تقييم للوضع كُتب أنه "لا نعرف نوايا السوريين بشكل أكيد"، وبعد ذلك أشار ديان إلى أنه لم تكن هناك مؤشرات كافية يمكنها أن تدل على وجود نوايا هجومية لدى الجيش السوري في الأمد القصير.

وقال ديان إنه خلال يوم الغفران، أي يوم اندلاع الحرب، ساد الاعتقاد بأن الحرب ستنشب خلال ساعات المساء وأن إلعازار طرح إمكانية إرسال طائرات للجو بهدف ردع المصريين والسوريين، وأنه خلال ساعات الظهر المبكرة عرفت إسرائيل أن الحرب باتت قريبة.

وأضاف "عند الثانية عشر ظهرا تم الأمر... الحرب هي الحرب والسؤال كان ما إذا كان ينبغي تجنيد 100 ألف أو 50 ألفا (من الاحتياط) وقالوا: ينبغي تجنيد الجميع، وهذا الاعتبار السياسي حسمته رئيسة الوزراء غولدا مائير، فقد كنت أعلم أن 100 ألف يعني 150 ألفا..." وقال إنه أبقى للجيش عملية اتخاذ القرارات بخصوص العمليات الميدانية.

وقال ديان "كل ما كان لدينا هو معلومة وصلتنا من مدينة معينة قال فيها فلان إن (الحرب) ستبدأ في السادسة" في إشارة إلى المعلومة التي أوصلها أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لدى لقائه رئيس الموساد تسفي زامير في لندن، بحسب الرواية الإسرائيلية، وأضاف ديان أنه "لذلك فإن السؤال هو إذا كانت هذه المعلومة دقيقة أم لا، وطالما أنهم لم يبدؤوا إطلاق النار، لم..." وهنا منعت الرقابة العسكرية نشر بقية الجملة.

من جانبه قال إلعازار للجنة أغرانات إن الرئيس المصري أنور "السادات حقق مبتغاه بشكل مطلق، ففي ظهيرة 6 أكتوبر كانت إسرائيل غير مستعدة، وقبل ثلاثة أيام من الحرب قدرت شعبة الاستخبارات أن المصريين سيبدؤون الحرب في ساعات المساء وفقط قبل يوم أو يومين من بدئها قرر المصريون والسوريون في ساعة مبكرة أكثر، والجيش الإسرائيلي الذي انتظر الحرب في السادسة (مساء) ذُهل وبسبب أوامر القيادة السياسية لم يكن مستعدا".

وأضاف أن "وزير الدفاع (ديان) افتتح الاجتماع بالموضوعين الأساسيين المطروحين، الضربة الاستباقية وتجنيد الاحتياط، ووزير الدفاع افتتح حديثه بضربة استباقية ضد الضربة الاستباقية وبدأ حديثه قائلا 'لماذا ضربة استباقية' وقال إنه لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بذلك وبالاستناد إلى المعلومات المتوفرة الآن لا يمكننا توجيه ضربة استباقية ولا حتى قبل خمس دقائق" من بدء الحرب.

وخلافا لأقوال ديان أمام اللجنة حول تجنيد الاحتياط قال إلعازار "لقد قال (ديان) إن إلعازار يريد إجراء تجنيد أكبر وأنا أتحفظ واقتراح تجنيد كل الاحتياط في سلاح الجو وفرقة مدرعات في الجولان وأخرى في سيناء وكانت هذه هي التسوية التي توصلنا إليها".

من جانبه قال شارون أمام لجنة أغرانات إنه لدى وصوله إلى الجبهة "تبين لي أنه ليس لديهم صورة عما يحدث في ميدان القتال ونصحت غورديش بإصدار أوامر لجميع الضباط أن يخرجوا إلى الميدان لمعرفة ما يحدث فعلا، وصورة الوضع التي كانت في غرفة العمليات كانت صعبة للغاية فيما يتعلق بعدد القتلى الذي اتضح أننا خسرناهم".

يذكر أن شارون كان قد تسرح من الخدمة العسكرية في تموز/يوليو 1973 وعندما اندلعت الحرب في تشرين الأول/أكتوبر تجند وقاد الفرقة 53 في سيناء وقاد عبور قناة السويس عبر ثغرة في صفوف القوات المصرية وطوقها من الخلف.

وقال شارون للجنة التحقيق، منتقدا إلعازار "رأيت بعبور القناة الإمكانية الوحيدة لإخراج المصريين من توازنهم وقد تحدثت حول ذلك مع رئيس الأركان (إلعازار) الذي اعتقد أنه إذا كان سيؤدي ذلك إلى خسارة 50 دبابة فلا حاجة للقيام بذلك... ونزلت إلى غرفة العمليات وطرحت مطلبي مجددا وقال لي قائد الجبهة (غورديش) إنه لا يرى إمكانية لتنفيذ ذلك الليلة ،وعمليا تم حفظ هذه الخطة لإنقاذ الجنود في الحصون في الليل، وبدلا منها تم وضع خطة أخرى، تم الاتفاق عليها بغيابي لأني تأخرت بسبب تأخر المروحية وقد تحدثت الخطة الجديدة عن شن هجوم صبيحة الغد".

وقال شارون فيما يتعلق بالقوات الإسرائيلية "كانت في حالة بلبلة عميقة ولا مثيل لها، (لأنه) حتى ذلك الوقت لم نشهد هزائم".

كذلك وجه غورديش في إفادته اتهامات لقيادة الجيش وقال إنه طالب بتعزيزات لكنه قوبل بالرفض وأنه طلب بإلغاء الإجازات عشية يوم الغفران، أي في اليوم الذي سبق نشوب الحرب لكن رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة لم يصادق على ذلك بداية ،وعاد ووافق بعد أن هدده غورديش بالتوجه لرئيس الأركان.

وحول يوم اندلاع الحرب قال غورديش إنه "قبيل الفجر استدعيت إلى رئيس الأركان وخلال الاجتماع قال لي إنه ذاهب الآن إلى اجتماع الحكومة ليطلب تجنيد الاحتياط وأنه يعتزم المطالبة بتجنيد شامل وقال لي أيضا إنه سيقترح تنفيذ هجوم استباقي ينفذه سلاح الجو عند الساعة 12:30 أو 13:00 في سورية وضد سلاح الجو السوري وقواعد الصواريخ".

وحول خطة شارون بنشر لوائين عند ضفاف قناة السويس ولواء ثالث خلف القناة، قال غورديش "أجرينا مشاورات (مع إلعازار) قبيل تحريك القوات وكان المبرر (لرفض الخطة) عدم إظهار تحركات وتجمع دبابات أمام المصريين في وقت مبكر جدا لأنهم إذا شاهدوا ذلك سيكون بإمكانهم تغيير خطط المدفعية وخطط لغارات جوية ضد هذه التجمعات".

يشار إلى ان تقرير لجنة أغرانات أدى لدى صدوره إلى استقالة إلعازار وإقالة غورديش ورغم أنه لم يتطرق إلى أداء الحكومة إلا أن رئيسة الوزراء غولدا مائير استقالت من منصبها بعد شهر من صدور التقرير.

Terms used:

الموساد