المحللون الإسرائيليون يؤيدون الصفقة وينتقدون أداء الحكومة

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

غرقت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الاثنين – 30.6.2008، في بحر من الأخبار والتحليلات حول صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله، التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأسبوعي، أمس الأحد. وتميزت التحليلات بالابتعاد عن توجيه انتقادات لاذعة ضد الوزراء وخصوصا ضد رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، لكن بإمكان القارئ أن يشعر بأن ثمة تململ في التحليلات من إقرار هذه الصفقة، بسبب طبيعتها. فمن جهة، الصفقة تشمل استعادة إسرائيل لجنديين تشير كافة التقديرات أنهما ميتان، مقابل إطلاق إسرائيل سراح أسرى أحياء، وخصوصا عميد الأسرى اللبنانيين، سمير القنطار، وبعد ذلك إطلاق سراح عشرات (وربما أكثر) من الأسرى الفلسطينيين. ومن جهة ثانية، فإن إسرائيل تطلق سراح القنطار الآن بعد أن أزالته من قائمة الأسرى الذين أطلقتهم في صفقة تبادل الأسرى الماضية مع حزب الله، في العام 2004، لاستخدامه "بطاقة مساومة" للحصول على معلومات حول الطيار الإسرائيلي المفقود منذ العام 1988 رون أراد. وكانت النتيجة أنه ها هي إسرائيل تطلق سراح القنطار من دون الحصول على معلومات أكيدة حول مصير أراد ومقابل جنديين أسيرين ميتين، أسرهما حزب الله فقط من أجل تحرير القنطار. والأهم من كل ذلك أن القنطار سيخرج إلى الحرية الآن بعد حرب لبنان الثانية وتعرض شمال إسرائيل لآلاف الصواريخ وفقدانها لقوة الردع. رغم كل ذلك فقد وصف المحللون الصفقة على أنها "معقولة وثمنها غير كبير".

ووصف المراسل والمحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، صفقة تبادل الأسرى بالنسبة لإسرائيل بأنها "درس مؤلم في محدودية القوة". وكتب أن "الحكومة ذاتها التي شنت في 12 تموز 2006، من دون تفكير كاف، الحرب التي أقسمت فيها بأنها ستعيد المخطوفين، صوتت أمس باستياء على صفقة تنهي بالكامل قضية الحرب في لبنان". وأضاف هارئيل أنه "لا ينبغي التغاضي عن الفجوة في تصريحات أولمرت بعد ساعات من عملية الاختطاف – وقوله إنه 'لن نستسلم لابتزاز ولن نجري مفاوضات مع جهات إرهابية بكل ما يتعلق بحياة جنود الجيش الإسرائيلي' – وبين الصفقة مع حزب الله التي تمت المصادقة عليها أمس. ثمة مسافة طويلة تفصل بين التصريحات الاستعلائية في بداية الطريق والضربة على أرض الواقع القاسي. والحقيقة يجب أن تُقال: إسرائيل استسلمت بوضوح لابتزاز منظمة إرهابية، بعدما أجرت معها مفاوضات مطولة".


ولفت هارئيل إلى أن النقاش الحقيقي في اجتماع الحكومة الإسرائيلية، أمس، بين مؤيدي ومعارضي الصفقة تمحور بالأساس حول الإفراج عن القنطار. لكن رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع، عاموس غلعاد، حسم الأمر عندما قال إن القنطار هو "عبء وليس ذخرا" بالنسبة لإسرائيل وأن التنازل الحقيقي عن أراد كان في صفقة تبادل الأسرى في العام 2004 عندما أطلقت إسرائيل سراح مصطفى الديراني (الذي احتجز أراد قرابة سنتين) وعبد الكريم عبيد".

من جهة أخرى، أولى هارئيل اهتماما لشكل تصرف أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بعد تنفيذ الصفقة. وكتب أنه "منذ الحرب امتنع (نصر الله) بشكل مطلق عن الظهور في العلن، تحسبا من أن تغتاله إسرائيل. لكن إذا عاد وظهر أمام الجمهور، فإن في ذلك مؤشر على أن الوسيط الألماني (في الصفقة غرهارد كونراد) منحه وعدا معينا حيال أمنه الشخصي".

وأفاد هارئيل بأنه بعد إقرار الصفقة مع حزب الله أصبحوا يأملون في إسرائيل أنها ستدفع حماس إلى تليين موقفها في المفاوضات الجارية حول صفقة تبادل أسرى بين الجانبين وتستعيد إسرائيل من خلالها الجندي الأسير في قطاع غزة غلعاد شاليت. وأكد هارئيل ومحللون كثيرون على أن "صفقة شاليت" ستكون مختلفة تماما عن الصفقة الحالية. وفي هذا السياق أشار المحلل العسكري في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، روني دانييل، أمس، إلى أن إسرائيل ترددت كثيرا بإطلاق سراح القنطار مقابل جنديين إسرائيليين، لكن حماس تطالب بإطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين الذين أدينوا بتنفيذ عمليات أسفرت عن مقتل إسرائيليين كثيرين، ولهذا فإن اتفاقا حول "صفقة شاليت" سيستغرق وقتا طويلا جدا وستكون المفاوضات شاقة وصعبة للغاية.

من جهة أخرى، لفت المراسل والمحلل السياسي في صحيفة معاريف، بن كسبيت، إلى المعلومة التي سرعت إقرار الصفقة مع حزب الله. ونقل عن أحد أبناء عائلتي الجنديين الأسيرين في لبنان قوله في برنامج إذاعي إن رئيس الموساد، مائير داغان، قال إن لديه "مصدر جيد في لبنان"، أي جاسوس لإسرائيل، أبلغه بأن الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف، ميتان. وأضاف داغان أن "هذا المصدر لم يخيّب الأمل أبدا". وأعرب كسبيت عن استيائه من أن النقاش العام وعبر أثير الإذاعات حول الصفقة تسبب بالكشف عن أسرار دولة. أن لإسرائيل جاسوس في لبنان، وتمكن من إحضار المعلومة للتأكد من أن الجنديين ميتان وبالتالي تحديد ما ستعطيه إسرائيل مقابل استعادة الجنديين.

وتجدر الإشارة إلى أن داغان ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، عارضا الصفقة مع حزب الله. وفي المقابل، كتب المحلل العسكري في معاريف، عمير ربابورت، أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، بدعم من وزير الدفاع، ايهود باراك، هو الذي أقنع الوزراء بتأييد الصفقة وإقرارها. من جهة ثانية أشار ربابورت إلى أن ديسكين وداغان "يفكران برأس واحد"، أي أنهما ينسقان مواقفهما. والسبب هو علاقتهما الوثيقة. فعندما أنهى ديسكين مهامه كنائب لرئيس الشاباك استعاره الموساد وهناك نفذ مهمات خاصة لداغان، تم الكشف عنها مؤخرا، حيث تبين أن داغان حصل على خدمات الشاباك للإطاحة بمسؤولين ومعارضين له داخل الموساد.

وفي هذا السياق تحدث ربابورت عن الخلافات بين ديسكين وداغان وبين المبعوث الخاص لرئيس الحكومة لشؤون الجنود الأسرى والمفقودين، عوفر ديكل. وهذا الأخير هو أيضا مسؤول سابق في الموساد. وبحسب ربابورت فإن "ديسكين يفكر دائما على عكس ما يفكر به ديكل. وهما مختلفان حول كل موضوع يتم طرحه على جدول العمل". وانتقد ربابورت توصل ديكل إلى اتفاق حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله قبل إقرار ذلك من جانب الحكومة وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل. ورأى الكاتب أن الضرر الحاصل نتيجة لهذا الأداء لن يُمحى في السنوات القريبة. وأضاف أنه "في جميع الأحوال فإن الأنظار ستنتقل الآن إلى صفقة أخرى، مع حماس. وهناك تبدو الطريق طويلة لاستعادة شاليت. وفي نهاية الأسبوع سيتوجه ديكل إلى مصر لجولة مباحثات أخرى حول صفقة تبادل الأسرى مع حماس. وفي حال نجحت الخطة المصرية فإن المفاوضات حول صفقة تبادل أسرى مع حماس ستنطلق بصورة مكثفة. ومهما يكن، فإنه ينبغي أن نأمل بأن يجري البحث في الصفقة المقبلة مسبقا وليس بعد الاتفاق عليها". فعندها سيكون أسهل على ديسكين وداغان إقناع الوزراء بمعارضتها.