خبير مياه إسرائيلي: أزمة المياه مفتعلة لصالح رأس المال

إعداد: برهوم جرايسي:

اتهم خبير المياه الإسرائيلي د. بيرتس دار، في مقابلة مطولة مع صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، الحكومة وأصحاب رأس المال بأنهم يضخمون أزمة المياه في إسرائيل من أجل الإسراع نحو مشاريع بنيوية تدر أرباحا على كبار أصحاب رأس المال، خاصة من خلال مشاريع تحلية المياه التي ينتقدها.

وكان د. دار على مدى 20 عاما مديرا للمؤسسة الحكومية لتخطيط مشاريع المياه، ورافق سلسلة من الأزمات المائية، ووضع المشاريع لحلها.

ويقول دار: "لقد كانت فترات فيها شح المياه أخطر بكثير مما هو اليوم، ولكن لم يخطر على بال أحد أن يبادر إلى مشاريع تحلية المياه، لأنه كان من الواضح أنه يجب أولا حل الأزمة من خلال التوفير في استهلاك المياه، فالجفاف هو ظاهرة طبيعية تتكرر، وطوال الوقت جرت مواجهة هذه الظاهرة من خلال التوفير في الاستهلاك، من دون الدخول في حالة فزع وترهيب، ببساطة قمنا بما تقوم به كل دولة".

ويتابع دار مستذكرا حالة الجفاف التي شهدتها البلاد في العام 1985، حين وصل مستوى المياه إلى أدنى مستوياته في أعقاب عامين كان فيها شح أمطار، وكانت كمية الأمطار التي هطلت 60% بينما هذا العام هطلت أمطار بمعدل 70% إلى 75% من المعدل السنوي، وكان مستوى المياه في الآبار الجوفية قرب الساحل، أقل بثلاثة أمتار مما هي اليوم.

أما بخصوص بحيرة طبرية، فقد كان الاعتقاد السائد قبل سنوات هو أن الخط الأحمر السفلي لمستوى مياه البحيرة هو دون 212 مترا تحت سطح المياه، بزعم أن دونية هذا المستوى، ستجعل آبار مياه مالحة في قاع البحيرة تندفع إلى الخارج، ولكن رويدا رويدا اتضح انه بالإمكان الهبوط إلى مستوى 215 مترا، ولم تندفع الآبار المالحة إلى الخارج.

وحول علاقة أصحاب رأس المال بمشاريع المياه، يقول د. دار إن توثيق العلاقة بين السياسيين وأصحاب رأس المال ينعكس في هذا المجال، "إن أصحاب رأس المال يبحثون دائما عن كوارث من أجل استغلالها، لأن هذه فرصة لاستغلال المؤسسة في فترة ضاغطة، فعلى سبيل المثال، في العام 2000 ونظرا لشح المياه قررت الحكومة خلال أسبوعين إقامة محطات لتحلية مياه البحر، ولكن إذا فحصنا مدى الفائدة من هذه التحلية وكلفتها، نجد أنه قرار متسرع".

وقال دار إن هذا يندرج في إطار سياسة وضع المصادر والثروات الطبيعية بين أيدي أصحاب رأس المال والبنوك، وهذا كنز ضخم، فالشركات ستنتج المياه من محطات التحلية بأسعار عالية، وتكون الدولة الجابي لهذه الشركات، ولا شيء يضمن الأرباح أكثر من مشاريع كهذه.

وأضاف دار أن الخطوة الأولى التي اتبعتها وزارة المالية هو تصفية جهاز المستشارين المختصين، وهو شرط ضروري من أجل إفساح المجال أمام توغل أصحاب رأس المال في مؤسسات الدولة في جميع القطاعات: العقارات والمواصلات والطاقة، التي تحتاج إلى استشارات وخبرات، وهذه قطاعات تواجه تقليصا دائما في ميزانيات التخطيط والاستشارة من أجل تصفيتها.

التقليص لا التحلية

ويرى دار أن الحل يجب أن يرتكز أولا وقبل كل شيء في ترشيد استهلاك المياه وتثقيف المجتمع أكثر من تقليص استهلاكه، كذلك يجب فحص مدى نجاعة مشاريع تحلية المياه، وفوائدها وأضرارها، وكفلتها قبل إقرارها، كما جرى في دول أخرى في العالم.

ويقول دار إنه في كل مكان في العالم يتبعون سياسة توفير المياه، وتنجح هذه السياسة بتقليص كميات المياه المستهلكة بنسبة 15%، بينما في إسرائيل يرتفع بشكل مستمر استهلاك الفرد للمياه، وخاصة من العام 2000 وحتى اليوم.

وبعد تأكيده على جانب التقليص يدعو دار إلى نقل مسؤولية المياه في الدولة إلى وزارة حماية البيئة، لأن هذه وسيلة ناجعة للفصل بين أصحاب رأس المال ومشروع المياه، وهذا أمر جرى في كثير من دول العالم، وحتى في نيويورك وتم توفير مليارات الدولارات من خلال تقليص استهلاك المياه.

ويطرح دار فكرة تقنين المياه كما جرى في لوس أنجلوس قبل سنوات، إذ تم تخصيص كمية سنوية لكل بيت، وكانت العائلة تتسلم شهريا إيصالا حول كمية المياه التي تم استهلاكها، والكمية المتبقية لها حتى نهاية العام، وهذا أمر بالإمكان إتباعه عندنا.

ويحذر دار من الارتكاز إلى مشاريع تحلية المياه، وقال إن بريطانيا واجهت قبل سنوات أزمة حادة جدا في المياه، وطرحت فكرة تحلية المياه، ولكن خبراء أجروا فحوصا تبين بعدها أن هذه المشاريع ستزيد من ملوحة مياه البحر وستتسبب بأخطاء بيئية.

كذلك فإن مترا مكعبا من المياه سيستهلك 5ر4 كيلوواط من الكهرباء، ومن أجل إنتاج 300 متر مكعب من المياه سينبعث إلى الجو لا أقل من 150 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهي غازات تنبعث بسبب استخدام الكهرباء في محطات التحلية.

ويقول د. دار إن كل متر مكعب من المياه يتم توفيره من خلال تقليص الاستهلاك سيكلف الاقتصاد 30 قرشا، بينما إنتاج متر مكعب من المياه يكلف الاقتصاد حوالي 4 شيكلات.

رد الوزارة

ورد مسؤولون في شركة المياه الحكومية منتقدين ما يقوله د. دار، بادعاء أنه لا يلتفت في تقديراته إلى التكاثر الطبيعي للسكان منذ العام 1985 وحتى اليوم، ويؤكدون أن إسرائيل تواجه أزمة مياه كبيرة وخطرة وأن ما يقوله دار هو مضلل.

ويرى المسؤولون أنه من دون زيادة كميات المياه في إسرائيل فإن أزمة المياه ستتفاقم مع الزمن، لأن أي برنامج لتقليص استهلاك المياه لن يساعد في النقص المتنامي نتيجة زيادة عدد السكان.