عام على انقلاب حماس... في عيون الإسرائيليين

"المشهد الإسرائيلي" – خاص

تناولت الصحف الإسرائيلية اليوم، الجمعة – 13.6.2008، ذكرى مرور عام على انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة، الذي يصادف غدا، السبت. واتفق المحللون الإسرائيليون على أن حكم حماس في القطاع ترسخ وتعزز خلال العام الأخير. وربط المحللون بين مرور عام على انقلاب حماس والمفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس، بوساطة مصر، حول اتفاق تهدئة ووقف إطلاق نار، الأمر الذي اعتبره البعض أنه يدل على أن إسرائيل هي أول دولة في الغرب تعترف بحكم حماس في غزة، وإن بصورة غير مباشرة.

ووصف المحلل العسكري في صحيفة معاريف، عمير ربابورت، القوة العسكرية لحركة حماس وتناميها المتواصل. وكتب أن حماس "حوّلت القطاع إلى مخزن أسلحة كبير للغاية منذ أن سيطرت على الحكم في غزة قبل نحو العام"، إضافة إلى "إرسال المئات من نشطائها لتدريبات عسكرية في إيران ولبنان وسورية. ويُمرر العائدون الخبرة العسكرية التي اكتسبوها إلى آلاف المقاتلين الذين يتدربون في معسكرات محلية. وكل شهر يمر، تُقوي حماس القاعدة الأمامية لإيران في غزة. وصواريخها تهدد أشدود (أسدود) وستصل قريبا إلى بئر السبع. والتطور الأخير هو منشآت استخباراتية إيرانية متطورة تم تهريبها من سيناء ونصبها في القطاع".

وأضاف ربابورت أن "القوى المتطرفة في العالم العربي لا تطمح للوصول إلى قدرة للحسم أمام إسرائيل وإنما إلى الردع فقط. وإسرائيل ارتدعت، على الاقل بموجب أقوال أطلقها أحد الوزراء الإسرائيليين الذي قال هذا الاسبوع، إن 'عملية عسكرية في غزة تعني أننا سندفع ثمنا غاليا ولن نوقف إطلاق صواريخ القسام، مثلما لم نوقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا لدى حزب الله'" في حرب لبنان الثانية.

ونقل ربابورت عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي قولهم إن "كل أدائنا لمواجهة حماس خلال العام الأخير كان خطأ فادحا، سوف ندفع ثمنا غاليا عليه. كان ينبغي حل مشكلة حماس منذ زمن، وقبل أن تتسلح المنظمة بسلاح حديث وتبني جيشا حقيقيا. فقبل سنة أو سنتين كان بالإمكان توجيه ضربة فعّالة والسيطرة مجددا على منطقة محور فيلادلفي من أجل تقليص حجم تهريبات الأسلحة، وذلك بثمن منخفض نسبيا. والآن، إذا تم تنفيذ عملية عسكرية كهذه، فإننا سوف ندفع ثمنا غاليا. لكن إذا انتظرنا عاما آخر، فإن الثمن سيرتفع أكثر بأضعاف".

وبحسب ربابورت فإن القلائل مطلعون على أن قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية، الذي التأم يوم الاربعاء الماضي، "شمل بندا سريا يقضي بأنه في حال لم يتم التوصل إلى تهدئة خلال أسبوعين فإنه سيتم إرسال الجيش الإسرائيلي لعملية عسكرية في غزة إذا استمر إطلاق الصواريخ والقذائف باتجاه غرب النقب". ولفت الكاتب إلى أنه "محض صدفة أم لا، فإن توقيت العملية هو في العطلة الصيفية لطلاب المدارس، حيث سيكون من السهل خلالها إجلاء آلاف العائلات من النقب".

من جانبهما، اعتبر المراسل العسكري، عاموس هارئيل، والمراسل للشؤون الفلسطينية، أفي سخاروف، في مقال مشترك في صحيفة هآرتس، أنه "إذا كان هناك أحد في إسرائيل قد أمل، في حزيران العام الماضي، بأن سقوط القطاع بأيدي حماس سيساعد على 'ترتيب' الواقع بلونين أسود وأبيض واضحين ويسهلان معالجة الأمر، يتضح الآن أن هذه التوقعات قد تبخرت. فالنزيف في الجنوب تصاعد وحسْب خلال الشهور ال12 الأخيرة".

وتساءل الكاتبان ما إذا كانت سيطرة حماس "العنيفة والناجعة" على قطاع غزة قد غيرت بصورة جوهرية وجه الصراع مع إسرائيل. واستنتجا أنه "من دون شك أنها صعدته، لكنها لم تؤدِ بسرعة، مثلما كان بالإمكان التوقع، إلى إعادة احتلال القطاع على أيدي الجيش الإسرائيلي".

ورأى هارئيل وسخاروف أن حماس سيطرت على القطاع بعد سلسلة من الأحداث التي بدأت على اثر تنفيذ خطة فك الارتباط في صيف العام 2005. "فبعد انسحاب إسرائيل من القطاع جاء الإصرار الأميركي على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفي أعقاب ذلك فوز حماس في انتخابات كانون الثاني 2006. ومن هنا كانت الطريق قصيرة للانقلاب الإسلامي في حزيران 2007".

وقيّم الكاتبان وضع حماس الآن، وقالا إنه "بعد مرور عام، ما زالت سيطرت حماس قوية. فالمنظمة لا تسيطر على الحكومة فقط، وإنما أيضا على جهاز الصحة والتعليم والبلديات. لكن الانقلاب لم يعزز على ما يبدو مكانة حماس لدى الجمهور في غزة. فالأضرار التي ألحقها الحصار الإسرائيلي بسكان القطاع يثير قلق قادة حماس وعلى ما يبدو أنه السبب الرئيس لاستعدادهم للتهدئة، أكثر من تخوفهم من غزو إسرائيلي. والذراع العسكري لحماس يواصل نشر منظومة دفاعية على طول الحدود، بهدف وضع عراقيل أمام حملة عسكرية محتملة... وتدل هذه الخطوات على أن حماس يطبق العبر التي استخلصها حزب الله من صيف العام 2006".

وأشار هارئيل وسخاروف إلى الشروط التي وضعتها إسرائيل، وتبنتها لاحقا الرباعية الدولية، بخصوص اعترافها بالحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس بعد الانتخابات التشريعية، والتي طالبت حماس بأن تعترف بإسرائيل وبالاتفاقيات الثنائية السابقة ونبذ العنف. وأكدا على أن هذه الشروط لم تحقق أهدافها، وإنما ما زالت حماس تسيطر على الحكم في القطاع، كما أنها لم توقف إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل. وخلص الكاتبان إلى المعضلة التي تواجهها إسرائيل، إذ "سيقول المتفائلون إن هذين الأمرين سيتحققان بعد موافقة الجانبين على التهدئة. فيما سيشير آخرون إلى أنه بموافقتها على المبادرة المصرية (التهدئة)، ستصبح إسرائيل واحدة من أول الدول في العالم الغربي التي تعترف، عمليا على الاقل، بشرعية حكم حماس في غزة".

من جهة أخرى، كتب مراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، روني شاكيد، أنه "رغم الثمن الدموي البالغ، والحصار المتواصل والمعاناة والضائقة التي جعلت حياة السكان جحيما على وجه الأرض، فإن مكانة حماس أقوى وأكثر رسوخًا من أية مرة في الماضي".

وتناول شاكيد الوضع في القطاع بصورة مختلفة عن المحللين الإسرائيليين الآخرين، ربما مع بعض المبالغة. ورأى أن "الفوضى اختفت كأنها لم تكن. حتى في الأعراس لم يعد هناك إطلاق نار في الهواء. حماس احتلت الجامعات، الغرف التجارية، وسائل الإعلام، المؤسسات العامة والسكان في قطاع غزة. وفرضت حماس هيمنتها بواسطة حكم ديكتاتوري لم يُبقِ إمكانية لتمرد أو حتى لإطلاق صرخة احتجاج. وفي القطاع يبكون على فتح: الله يرحمه (قالها بالعربية)".

ولفت شاكيد إلى المعطيات التي تؤكد بؤس العيش في قطاع غزة بسبب الحصار والفقر وكتب أن 60% من سكانه يعتاشون على دولارين فقط في اليوم وأن 70% يعتمدون في معيشتهم على المعونات. وتابع أن "إسرائيل تدخل معونات إنسانية عبر المعابر، وما لا يدخل من المعابر يتم تهريبه عبر أنفاق رفح. والدول الأوروبية تدفع مقابل الوقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء، وحكومة حماس تجبي المال من السكان لقاء تزويدهم بالكهرباء. اللاجئون يتلقون المساعدات من الأمم المتحدة، وأبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وحكومة سلام فياض يدفعان مصاريف جهازي الصحة والتعليم. كذلك فإن فياض هو الذي يدفع لشركة دور للطاقة مقابل الوقود ولثمانية وسبعين ألف مواطن في غزة، الذين عملوا في مؤسسات السلطة الفلسطينية، رواتبهم الشهرية رغم أنهم عاطلون عن العمل".

واستطرد شاكيد أن "إيران تغطي مصروفات حكومة حماس، وبضمن ذلك المصروفات العسكرية. وأموال تبرعات من دول الخليج تستخدمها حماس للصرف على الرفاه وتقديم المساعدات، ومن لا يحصل على معونات الأمم المتحدة أو حماس يتلقى قسائم المواد الغذائية من منظمات دولية. وفيما يتسول سكان القطاع، فإن حماس منشغلة في أمر واحد يهمها، وهو تعاظم قوتها العسكرية".

وخلص شاكيد إلى أن "حماستان تحتفل بعيد ميلادها الأول وهكذا هو وجهها: دولة إرهاب عنيفة وديكتاتورية تعيش على نِعم الآخرين".