تقديرات إسرائيلية باحتمال التوصل لاتفاق مع سورية قبل الفلسطينيين

"المشهد الإسرائيلي" – خاص

تشير تقديرات توصلت إليها القيادة الإسرائيلية مع الإعلان عن بدء محادثات بين إسرائيل وسورية، إلى أن احتمال التوصل إلى اتفاق مع سورية سيكون أسرع من التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وأفادت صحيفة هآرتس، اليوم الجمعة – 23.5.2008، بأن تقديرات القيادة الإسرائيلية تشير ايضا إلى أن احتمال تطبيق اتفاق إسرائيلي – سوري أكبر من احتمال تطبيق اتفاق إسرائيلي – فلسطيني.

وتستند التقديرات الإسرائيلية إلى عدة عوامل، بينها أن الصراع الإسرائيلي – السوري هو صراع إقليمي فحسب وأن المطلب السوري ينحصر في استعادة هضبة الجولان. وفي مقابل ذلك ترى القيادة الإسرائيلية أن القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية معقدة أكثر وتشمل مسائل عاطفية – قومية عميقة بينها قضية اللاجئين والقدس الشرقية.

ونقلت هآرتس عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن مسار المفاوضات مع الفلسطينيين يتضمن تعقيدات نابعة من أخلاقيات وطنية وأي اتفاق يتطلب تنازلات سيكون على الجانبين تقديمها في قضايا محفورة في عمق الثوابت الوطنية والدينية. كذلك أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى الإشكالية الحاصلة في المسار الإسرائيلي – الفلسطيني جراء الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ أن سيطرت حركة حماس على القطاع وأبرزت ضعف الحكم المركزي في القطاع، وأن كل اتفاق سيكون مشروطا بمحاربة "الإرهاب"، وتنفيذ الجانب الفلسطيني لهذا الشرط هو أمر غير مؤكد بالنسبة لإسرائيل.

وفي مقابل ذلك رأت التقديرات الإسرائيلية أن الحكم المركزي في سورية قوي ومستقر وهكذا هي أيضا سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد على أجهزة الأمن والجيش ما يجعل قدرته على الالتزام باتفاقات كبيرة جدا.

رغم هذه التقديرات فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت خلال لقائه وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، أمس، أنه سيجري مفاوضات موازية في المسارين الفلسطيني والسوري وأنه لن يكون أحد المسارين على حساب الآخر. لكن هآرتس نقلت اليوم عن أولمرت قوله في محادثات داخلية مع مقربيه إنه مصر على مواصلة المفاوضات في المسارين الفلسطيني والسوري رغم أنه لا يعرف كم من الوقت تبقى له في منصبه، وذلك بسبب التحقيق الجاري ضده بشبهة حصوله على رشى مالية.

ولفت محلل الشؤون العربية في صحيفة معاريف عَميت كوهين، اليوم، إلى أنه سيكون من الصعب على أولمرت تنفيذ "تنازلات مؤلمة" مقابل سورية والفلسطينيين في وقت واحد، ولذلك سيضطر إلى إرجاء أحد مساري المفاوضات ويرجح أن يكون الجانب الفلسطيني.

رغم ذلك، فإن أحدث تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تبلورت خلال مداولات عقدت أمس على أثر الإعلان عن محادثات إسرائيلية – سورية، تشير إلى أن احتمال التوصل إلى اتفاق ضئيل. ولفت المراسل العسكري لمعاريف، عمير ربابورت، إلى أن شعبة الاستخبارات رأت منذ البداية أن ثمة احتمال ضئيل للتوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي- سوري خلال شهور، وأن هذا التقدير لم يتغيّر حتى بعد البيان الذي أصدره مكتب أولمرت حول بدء المحادثات بين الجانبين، أمس الأول الأربعاء.

وترى شعبة الاستخبارات أن احتمال التوصل لاتفاق ضئيل في هذه المرحلة لأن سورية مهتمة بأن ترعي الولايات المتحدة المحادثات، بهدف شطب اسم سورية من قائمة الدول "المجذومة" والحصول على مكاسب اقتصادية. كذلك فإن السوريين، بحسب شعبة الاستخبارات، مهتمون بتخفيف الضغوط الدولية على أثر اتهامها بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري.

لكن شعبة الاستخبارات ذكرت في تقديراتها أنه على عكس التوقعات السورية فإن الإدارة الأميركية الحالية، وعلى رأسها الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ليس لديهم نية بالمشاركة في المفاوضات الإسرائيلية – السورية. فالإدارة الأميركية غاضبة على سورية بسبب ما تصفه ب"الدور السوري السلبي في حرب العراق"، وتحسب الإدارة الأميركية من أن يأتي المسار الإسرائيلي – السوري على حساب المسار الإسرائيلي – الفلسطيني.

من جهة ثانية يعتقد المسؤولون في شعبة الاستخبارات أن سورية نفسها تعلم بأن الإدارة الحالية مؤيدة بشكل كبير للغاية لإسرائيل، ولذلك فإن القيادة السورية تفضل الانتظار حتى شهر آذار من العام المقبل حتى تستقر إدارة أميركية جديدة بعد الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الحالي.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه على الرغم من التقديرات المتشائمة لشعبة الاستخبارات العسكرية بخصوص احتمالات التوصل لاتفاق سلام إسرائيلي – سوري، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي وعلى رأسه رئيس أركانه، غابي أشكنازي، يؤيدون بصورة "جارفة" إجراء مفاوضات مع سورية لأن من شأن هذه المفاوضات أن تخفف التوتر عند الحدود بين الجانبين وبين إسرائيل ولبنان. كذلك يرى الجيش الإسرائيلي أن المفاوضات ستزيل التخوفات السورية من أن إسرائيل تستعد لمهاجمتها وستقلص احتمالات قيام سورية بالرد بطريقة ما على الغارة الإسرائيلية وتدمير منشأة دير الزور السورية في أيلول الماضي، أو على اغتيال القيادي في حزب الله، عماد مغنية، في قلب دمشق. كذلك يقدر جهاز الأمن الإسرائيلي أن عملية سلام ستساعد على إخراج سورية من ما يصفه بـ"محور الشر" وإيران.