لسورية واسرائيل مصالح إستراتيجية بالغة الأهمية تدفعهما إلى أحضان بعضهما

الصحف الإسرائيلية تجتمع من حول عنوان واحد للإعلان أمس عن بدء إسرائيل وسورية محادثات سلام غير مباشرة برعاية تركية، وهو "تحقيق وسلام". ولم تتمكن هذه الصحف من عدم الربط بين الإعلان عن المحادثات والتحقيق الجاري مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، بشبهة حصوله على رشى مالية

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

اجتمعت الصحف الإسرائيلية الصادرة صباح اليوم، الخميس- 22.5.2008، من حول عنوان واحد للإعلان، أمس، عن بدء إسرائيل وسورية محادثات سلام غير مباشرة برعاية تركية، وهو "تحقيق وسلام". ولم تتمكن هذه الصحف من عدم الربط بين الإعلان عن المحادثات والتحقيق الجاري ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، بشبهة حصوله على رشى مالية، بمغلفات مليئة بالدولارات، من المليونير الأميركي اليهودي موريس تالانسكي. كذلك لفت محللون إسرائيليون إلى مسالة التوقيت بين الإعلان عن المحادثات وخضوع أولمرت لتحقيق الشرطة، غدا الجمعة، واستماع المحكمة المركزية في القدس إلى إفادة تالانسكي في القضية ذاتها.

ورأى المحلل السياسي في صحيفة هآرتس والباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ألوف بن، أن القاسم المشترك بين الزعماء الثلاثة، أولمرت والرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، هو أن جميعهم يخضعون لتحقيقات "من شأنها أن تضع حدا لمستقبلهم السياسي". وحتى أن بن اعتبر أن الشبهات ضد أولمرت في التحقيق الجديد هزيلة بالمقارنة مع التهم الموجهة لشريكيه في العملية السياسية التي تم الكشف عنها أمس. وتساءل المحلل "ماذا تساوي مغلفات المال التي يشتبه أولمرت بتلقيها من تالانسكي مقابل الشبهات ضد الأسد في قضية اغتيال (رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق) الحريري؟ أو حتى مقابل الالتماس الذي تنظر فيه المحكمة العليا في أنقرة ضد أردوغان بادعاء أن حزبه يعمل بشكل مخالف للقانون ويتوجب حله؟ ولا شك في أن انطلاق طريق سياسية نحو اتفاق تاريخي بين إسرائيل وسورية سيخفف الضغوط عن الثلاثة".

وأضاف بن أنه "بمقدور أولمرت أن يجند الإعلام وجهاز الأمن لصالحه، لكي يضغطا على جهاز فرض القانون ليتركه، تماما مثلما ترك جهاز فرض القانون أريئيل شارون في فترة فك الارتباط من قطاع غزة. وسيستمتع الأسد بساعة كرم دولية بعد ثلاث سنوات من العزلة والضغوط. وبإمكان أردوغان أن يظهر أن خطواته الدبلوماسية رسخت مكانة تركيا الإقليمية وجعلتها دولة قيادية في الشرق الأوسط. وخصومه الكماليين (نسبة إلى كمال أتاتورك) في أنقرة لن يتمكنوا من التغاضي عن هذا الانجاز".

رغم ذلك، قال بن إنه من الخطأ النظر إلى الأمر على أنه مجرد حل لمشاكل الزعماء الثلاثة الشخصية، "إذ توجد لسورية وإسرائيل مصالح إستراتيجية بالغة الأهمية وتدفعهما إلى أحضان بعضهما". وبحسب بن فإن إسرائيل قد تقرر خلال الشهور المقبلة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية واجتياح قطاع غزة، وفي كلتا الحالتين من الأفضل لإسرائيل أن تقف سورية على الحياد وألا تتدخل في قتال كهذا. كذلك ترى إسرائيل أن دخول سورية في محادثات سلام من شأنه أن يؤثر على حركة حماس لكي توقف إطلاق النار في القطاع وسيسحب من تحت أقدام حزب الله ركيزته الأساسية. وفي هذه الحالة سيصبح الأمر أسهل على أولمرت لكي يصدر أمرا لسلاح الجو الإسرائيلي بمهاجمة إيران.

ورأى بن في سياق تعداد المصالح السورية أن سورية تريد استعادة سيطرتها على لبنان، من خلال استغلال مكانة الرئيس الأميركي جورج بوش المتردية في العالم مع اقتراب نهاية فترة ولايته. وأضاف أن السوريين "يفضلون أن تقف إسرائيل على الحياد ولا تعرقل خطواتهم وأن تحيّد تدخلا أميركيا محتملا لإنقاذ حكومة فؤاد السنيورة في بيروت". وخلص بن إلى أن كل ما تقدم لا يعني أن الجانبين سيتوصلان إلى سلام وإنما يؤكد وجود مصلحة لبدء محادثات وحسب.

من جانبه رأى المحلل الاقتصادي- السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت، سيفر بلوتسكر، أنه من أجل أن تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان فإنه يتوجب أن تكون هناك حكومة متكتلة وشجاعة وتملك إصرارا وتتمتع بشعبية واسعة ونظيفة اليدين. أي أن انسحاب إسرائيل من الجولة يحتاج "باختصار لحكومة تكون العكس تماما من حكومة إيهود أولمرت". وأشار بلوتسكر إلى أن الانسحاب المتسرع الذي نفذه شارون من قطاع غزة "ما زال يكوي الوعي الإسرائيلي بصورة عميقة. كذلك فإن معادلة الجولان مقابل مغلفات الدولارات مصيرها الفشل. إذ أن أي اتفاق سيطرحه أولمرت سيكون مدموغا مسبقا" بوصمة فساد. ولفت إلى أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي كانت تؤيد الانسحاب من قطاع غزة فيما أغلبية هذا الجمهور تعارض الانسحاب من الجولان.

وكتب بلوتسكر أن "اتفاق سلام مفصل بين إسرائيل وسورية مُعد للتوقيع منذ سنوات عديدة. وهو شامل وكامل ويتناول كافة القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية المختلف عليها. ويتم الحفاظ على بنوده بسرية تامة في خزائن وزارة الدفاع. وعندما أمل (الرئيس السوري السابق) حافظ الأسد بإخراج الاتفاق المكتوب من الظلمة إلى النور، تراجعت إسرائيل وتأتأت وتلوت وقالت 'نعم ولا' وأغضبته وجعلته يقطع الاتصالات".

وانتهى بلوتسكر إلى أن "شعبية الأسد في العالم العربي مطابقة تقريبا لنسبة شعبية أولمرت في العالم اليهودي. أولمرت ليس بيغن والأسد ليس السادات. وهاتان البطتان العرجاوان لن تصنعا سلاما".

من جهة أخرى أشار المحلل السياسي لصحيفة هآرتس، عكيفا إلدار، إلى أنه تقف عدة عقبات أمام المحادثات بين إسرائيل وسورية للتوصل إلى اتفاق سلام وهي:

1. الفجوة بين المطلب السوري بانسحاب إسرائيل إلى خط الرابع من حزيران 1967 وموقف إسرائيل القاضي بأن الانسحاب يجب أن يكون للحدود الدولية. وعلى الرغم من أن الفجوة بين الموقفين لا يتعدى بضع مئات الأمتار إلا أن إسرائيل ترفض وصول الحدود السورية إلى خط المياه في شمال شرق بحيرة طبرية.


2. قضية المياه، وقد أعلنت سورية التي تعاني من ضائقة في المياه أمام الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي زار سورية مؤخرا، أنها مستعدة للالتزام بعدم ضخ مياه من بحيرة طبرية لكنها تتوقع الحصول على تمويل إنشاء معامل تحلية مياه وتعهد تركي بتزويدها بمياه.


3. إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من هضبة الجولان إذ تبين من خلال مفاوضات سابقة بين الجانبين وجود فجوة في مواقفهما فيما يتعلق بالجدول الزمني لإخلاء هذه المستوطنات. وطالبت إسرائيل بإخلاء المستوطنات خلال 15 عاما فيما طالب السوريون بأن يتم ذلك خلال خمس سنوات واعتبرت إسرائيل بعد ذلك أنه بالإمكان التوصل إلى تسوية في هذه القضية بحيث يتم الإخلاء خلال عشر سنوات.


4. العلاقات بين سورية وكل من إيران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية التي لديها مقرات في دمشق وعلى رأسها حركة حماس. وفي هذا السياق تصر إسرائيل على أن تلتزم سورية مسبقا بقطع علاقاتها مع هذه القوى فيما اقترح السوريون طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات لبحثها سوية مع القضايا الأخرى وعمليا رفضت سورية أن تضع إسرائيل شروطا مسبقة.


5. إصرار سورية على ضلوع الولايات المتحدة في عملية السلام وأن تغير موقفها من سورية التي تضعها إدارة الرئيس جورج بوش في ما يسميه ب"محور الشر".


6. مناطق منزوعة السلاح، وتتعلق بجعل المنطقة السورية الواقعة شرق الحدود التي سيتم الاتفاق عليها منطقة منزوعة السلاح وقد وافقت سورية على ذلك شرط أن يكون الأمر متبادلا في الجانب الإسرائيلي أيضا ولم يتم الاتفاق في مفاوضات سابقة على حجم المناطق المنزوعة السلاح في كلا الجانبين.


7. موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ ليس واضحا بالنسبة لإسرائيل بعد ما إذا كانت سورية ستوافق على البدء بعلاقات تطبيع تطالب بها إسرائيل في حال انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار اتفاق مع الفلسطينيين رغم أن سورية وافقت على مبادرة السلام العربية التي تمت المصادقة عليها ثلاث مرات منذ القمة العربية في بيروت في العام 2002.


8. قانون هضبة الجولان الذي سنه الكنيست في العام 1981 وفرض القانون الإسرائيلي على الجولان، وهو ما يصعب على الحكومة الإسرائيلية الحصول على تأييد أغلبية في الكنيست على الانسحاب من الجولان وإخلاء مستوطنات. ويشار في هذا السياق إلى أن رئيسي الحكومة الإسرائيليين الأسبقين إسحق رابين وإيهود باراك كانا قد تعهدا بطرح اتفاق مع سورية على استفتاء شعبي في إسرائيل.