بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية: النكبة- مأساة من صنع ذاتي

البيان ينفي أيضًا أن يكون قد جرى ارتكاب "تطهير عرقي" في فلسطين، وأنه في تلك الفترة لم تحدث إلا "عملية تطهير عرقي واحدة" هي عملية طرد اليهود من جميع مدن آبائهم القديمة والتجمعات السكنية الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، يوم الأحد- 11/5/2008، بيانًا بمناسبة ذكرى استقلال إسرائيل، وذكرى النكبة الفلسطينية معتبرة أنها "مأساة من صنع ذاتي"، ونافية أن يكون قد جرى ارتكاب "تطهير عرقي" في فلسطين، وأنه في هذه الفترة لم تحدث "إلا عملية تطهير عرقي واحدة، هي عملية طرد اليهود من جميع مدن آبائهم القديمة والتجمعات السكنية الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة"!.

هنا نصّ معظم البيان، بصورة حرفية:

"إن هناك محاولات لنزع صبغة الشرعية عن قيام دولة إسرائيل من خلال الطعن في ملابسات إقامتها وتشويه تاريخ النزاع. وتحمّل هذه المحاولات إسرائيل وحدها المسؤولية عن معاناة الفلسطينيين، وتتجاهل عقودًا شهدت أعمال عنف وإرهاب عربية أودت بحياة العديد من الإسرائيليين الأبرياء، وتُعفي الفلسطينيين تمامًا من أي مسؤولية عن مصيرهم.

إنه لمن المؤسف ألا تتلاشى المحاولات لنزع صبغة الشرعية عن إسرائيل بعد مرور 60 عامًا على تأسيسها. ومن المفارقة أن يتمّ التشكيك فيّ الحق الأساسي في الوجود لإحدى الدول القليلة في العالم، التي تمّت المصادقة على إقامتها بقرار من الأمم المتحدة.

إن إقامة الدولة اليهودية على أرض إسرائيل ليست بحادث عرضي في التاريخ. لقد عاش اليهود في إسرائيل باستمرار خلال أربعة آلاف عام، وكانت إسرائيل مكانًا لم يغادره اليهود قط طوعًا، ومكانًا أدى اليهود صلواتهم خلال ألفي سنة من أجل العودة إليه. إن إعادة السيادة اليهودية إلى هذه القطعة الصغيرة من الأرض لم تكن أمرًا غير عادل وإنما تنطوي على رفع ظلم تأريخي.

ورغم ذلك فإن الفلسطينيين يَعتبِرون إقامة دولة إسرائيل النكبة، المأساة. وفي الوقت الذي يُمكِن فيه التضامن مع شعور الفلسطينيين بأن مأساة رهيبة قد حلّت بهم، يجب ألا نَعرض صورة أحادية الجانب للأوضاع. وما هو الأهم أن العديد من الادّعاءات لم تَعترِف بأن هذه المأساة هي مأساة من صنع ذاتي أولا، وهي مأساة كان بالإمكان تجنّبها بسهولة.

وعلى سبيل المثال، كثيرًا ما تمّ تحميل إسرائيل المسؤولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين. ويتجاهل هذا الموقف الحقائق التاريخية والمناورات السياسية للقضية عقِب تأسيس دولة إسرائيل.

وتعود قضية اللاجئين إلى العام 1947 حيث رفضت القيادة العربية قرار الأمم المتحدة رقم 181 والذي دعا إلى إقامة دولتين إحداهما عربية والثانية يهودية في مناطق الانتداب البريطاني. ولو كان العرب يهتمّون بشكل أكبر في إقامة دولة لهم، بدلا من توجيه الاهتمام في القضاء على الدولة اليهودية الناشئة، لكانت للفلسطينيين دولة ولم يكن هناك ولو لاجئ واحد. فضلا عن ذلك، لو لم يبدأ الفلسطينيون بالتصدي لقرار الأمم المتحدة العام 1947، وعقب ذلك غزو خمسة جيوش عربية العام 1948، لما أصبح الفلسطينيون قطّ لاجئين. إذ أن الكثير من الفلسطينيين اختاروا مغادرة البلاد خلال الحرب.

وكان ذلك خيارًا بالنسبة للفلسطينيين. فمعظمهم غادروا بعد أن دعتهم القيادة العربية إلى إخلاء الطريق أمام الجيوش الغازية. وغادر آخرون خشية على حياتهم وتجنبًا لإلقاء الإسرائيليين القبض عليهم خلال القتال، رغم أن هذا الأمر كان مألوفًا خلال حروب ذلك العصر.

وهناك نقطة واحدة واضحة تمامًا: لم يكن هناك قطّ "تطهير عرقي" للفلسطينيين. فالحقيقة هي أن 160 ألفًا استجابوا لدعوة إسرائيل إلى البقاء فيها ليصبحوا مواطنين متساوي الحقوق. ويبلغ عدد سكان إسرائيل العرب اليوم 5ر1 مليون نسمة تقريبًا ومن بينهم أعضاء كنيست (البرلمان الإسرائيلي) وقضاة في المحكمة العليا وسفراء ومسؤولون كبار في الدوائر الحكومية.

لم تحصل في هذه الفترة إلا عملية تطهير عرقي واحدة، وهي عملية طرد اليهود من جميع مدن آبائهم القديمة والتجمعات السكنية الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأولئك الذين لم يُطرَدوا ذُبحوا. وفي الفترة ما بين 1948 و1967 لم يُسمَح ولو ليهودي واحد بالإقامة في هذه المناطق.

وفي الوقت الذي تدلّ فيه الحقائق على أن الفلسطينيين أصبحوا فعلا لاجئين مهما كانت الأسباب من وراء ذلك، فإنه يجب طرح السؤال لماذا بقوا لاجئين خلال ستة عقود؟. ويُعتبَر الوضع أكثر إرباكًا عندما يشار إلى أن عددا أكبر من اليهود طُردوا من الدول العربية خلال هذه الفترة. ورغم ذلك تم استيعاب 600 ألف يهودي في المجتمع الإسرائيلي، رغم كون الدولة اليهودية الناشئة فقيرة.

ويكمن الجواب لهذا السؤال في القرار الذي اتخذ في مسعى لإبقاء الفلسطينيين لاجئين عمدًا بهدف استغلال ضائقتهم كوسيلة سياسية ضدّ إسرائيل.

وهذا هو ليس الحادث الوحيد الذي يشمل محاولة لشن حملة ضد إسرائيل على حساب المصالح الفلسطينية.
فقد عُرضت على الفلسطينيين مرارًا وتكرارًا دولة مستقلة لهم ولكنّهم رفضوا ذلك للتو. وكان رفض الفلسطينيين لاستنتاجات لجنة بيل العام 1937 والكتاب الأبيض البريطاني العام 1939 فضلا عن قرار الأمم المتحدة رقم 181 من العام 1947 من بين الفرص التي تمّ تفويتها.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الضفة الغربية كانت تحت سيطرة الأردن فيما كان قطاع غزة تحت سيطرة مصر في الفترة ما بين 1948 و1967، ولكنه لم تُبذَل أي جهود لإقامة دولة فلسطينية. وكانت آخر فرصة تمّ تفويتها العام 2000 عندما رفض ياسر عرفات الاقتراح السخي الذي قُدّم إليه في كامب ديفيد.

وطيلة أيام هذه المأساة الطويلة الذاتية الصنع لا يزال هناك شيء واحد واضح تمامًا وهو أن اهتمام الفلسطينيين بالقضاء على جيرانهم الإسرائيليين كان أكبر من اهتمامهم في إقامة دولتهم المستقلة.
فقد طُرحت على الفلسطينيين فرصة تلو أخرى لإقامة دولتهم، وكان بإمكانهم اليوم الاحتفال مع دولة إسرائيل بـ60 عامًا من استقلال دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب بسلام وآمان. فلنأملْ في ألا يتمّ تفويت المزيد من الفرص، وفي أن يتم تحقيق رؤيا الدولتين للشعبين بسرعة".