أولمرت وباراك امتنعا عن إطلاع الوزراء على الاستعدادات السرية لإخلاء مبنى الرجبي

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الجمعة – 5.12.2008، عن أن القوات الخاصة التابعة للشرطة الإسرائيلية، التي أخلت مبنى الرجبي في الخليل، أمس، تدربت بصورة سرية على تنفيذ الإخلاء طوال الأسبوع الماضي. وأقامت هذه القوات، من وحدة "ي س م" والوحدة الخاصة لإخلاء مباني غير قانونية، خلال تدريباتها نموذجا شبيها بمبنى الرجبي. وفي موازاة ذلك قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع، ايهود باراك، الاحتفاظ بسرية الاستعدادات وشكلها وعدم كشفها أمام الوزراء، باستثناء وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، ووزير الأمن الداخلي، أفي ديختر، كي لا تتسرب معلومات، وخصوصا حول توقيت تنفيذ الإخلاء إلى عناصر اليمين المتطرف.

وأخلت القوات الخاصة، المدعومة من الجيش الإسرائيلي، المستوطنين من مبنى الرجبي في أقل من ساعة واحدة، بعد ظهر أمس. وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم، أن معلومات وصلت، ظهر أمس، إلى الدائرة اليهودية في جهاز الأمن العام (الشاباك) تفيد بأن غالبية المستوطنين غادروا المبنى ولم يتواجد فيه سوى عدد قليل لا يتجاوز المائة مستوطن. عندها قرر قائد الحملة لإخلاء مبنى الرجبي، العميد نوعام تيفون، استغلال الوضع. وبعد أن حصل على مصادقة من قيادة الجيش الإسرائيلي، وصلت قوات الشرطة التي كانت تنتظر في معسكر قريب إلى مبنى الرجبي. وقد فوجئت القوات التي اقتحمت المبنى من العدد القليل للمستوطنين الذي بقوا فيه. وانتهت عملية الإخلاء بعد نحو 40 دقيقة من بدئها من دون أن تسجل إصابات تذكر. وتعهد المستوطنون بعد الإخلاء بالعودة إلى احتلال المبنى.

وسبق عملية الإخلاء محادثات قصيرة أجراها باراك، صباح أمس، مع قيادة "مجلس المستوطنات"، الذين اقترحوا إرجاء عملية إخلاء المستوطنين إلى حين البت في مسألة الملكية على المبنى في المحكمة المركزية في القدس. ويذكر أن المحكمة العليا الإسرائيلية كانت قد أصدرت قرار، في 16 تشرين الثاني الفائت، يقضي بإخلاء المستوطنين من مبنى الرجبي طواعية، وإن لم يتم ذلك فبالقوة. ورفض باراك اقتراح قيادة المستوطنين وطالبهم بأن يتم إخلاء المبنى أولا ومن ثم تتم دراسة إمكانية التوجه إلى المحكمة المركزية بطلب تسريع نظرها في قضية الملكية. وبحسب الصحف الإسرائيلية، اليوم، فإن المستوطنين لم يستوعبوا أن باراك كان قد قرر إخلاء المبنى في القريب العاجل في حال لم يخل المستوطنون أنفسهم.

وبعد انتهاء إخلاء المبنى انفلت المستوطنون في الأحياء الفلسطينية ونفذوا سلسلة اعتداءات ضد المواطنين الفلسطينيين في الخليل واستخدموا خلال ذلك الأسلحة. ووثق شريط فيديو صوره نشطاء منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، أحد المستوطنين وهو يطلق النار من مسدسه على فلسطينيين اثنين، ومستوطن آخر كان يطلق النار من بندقية أوتوماتيكية. كذلك أضرم المستوطنون النار في عدد من البيوت الفلسطينية وفي نحو 20 سيارة تابعة لمواطنين فلسطينيين. وامتدت اعتداءات المستوطنين إلى مناطق عدة في الضفة الغربية وقريبة من المستوطنات كما أغلق نحو 100 من شبيبة المستوطنين المدخل الغربي والرئيسي للقدس. وقال محلل الشؤون الأمنية في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، إن أجهزة الأمن الإسرائيلية تتحسب من إقدام مستوطنين متطرفين على تنفيذ هجمات مسلحة ضد فلسطينيين وتكرار المجزرة التي اقترفها السفاح باروخ غولدشطاين في الحرم الإبراهيمي.

وهاجم أعضاء كنيست من أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلي باراك، على خلفية إصدار الأمر بإخلاء المستوطنين، فيما اعتبر رئيس حزب شاس، الوزير ايلي يشاي، أن باراك اتخذ قراره وأصدر الأمر بالإخلاء على خلفية سعيه لكسب تأييد اليسار الإسرائيلي، وانه ليس صدفة أن الإخلاء تم في اليوم الذي تجري فيه الانتخابات الداخلية في حزب العمل الذي يرأسه باراك.

وقال باراك، خلال مؤتمر صحفي عقده لاحقا في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، مساء امس، إن القرار بإخلاء المستوطنين من مبنى عائلة الرجبي في الخليل، كان امتحانا لقدرة إسرائيل على تطبيق القانون وبسط سيادتها على مواطنيها. وشدد على أن "الامتحان كان قدرة الدولة على تطبيق قوانينها وسيادتها على المواطنين". واشار باراك إلى أنه قبل اتخاذ القرار بإخلاء المستوطنين تحدث مع قادة "مجلس المستوطنات" وأعضاء كنيست وحاخامات في محاولة للتوصل إلى اتفاق بتنفيذ الإخلاء بالاتفاق، "واستمعت إلى أصوات الانتقادات مثلما استمعت على أسئلة حول عدم تنفيذنا الإخلاء فورا" بعد صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية. وأردف أنه "برأيي، كانت هذه اللحظة التي يتم فيها امتحان قدرة القيادة على ترجيح الرأي والتفكير قبل أن نبدأ بالعمل". وشدد على أنه "لا خيار أمام وزير الدفاع في دولة إسرائيل سوى ضمان سلطة القانون وسلطة الدولة على مواطنيها في أي وضع وتحت أي شرط ومن دون هذا لا يوجد دولة".

وحول اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين قال باراك "إننا منتشرون بقوات كبيرة في الخليل وحول البيت (أي مبنى الرجبي) وفي (مستوطنة) كريات أربع وفي جميع أنحاء الضفة الغربية". وأضاف "هناك بكل وضوح إمكانية لأن ينتشر مثيرو أعمال الشغب ذاتهم الذين رأينا بعضهم في المبنى في أماكن أخرى ويحاولوا القيام باستفزازات ضد الفلسطينيين، وأنا آمل ألا يقوموا باستفزازات ضد إسرائيليين، لكننا سنعمل من أجل منع حالات اعتداء".

من جانبه رأى المحلل العسكري في هآرتس، عاموس هارئيل، أن العبرة الأساسية من إخلاء مبنى الرجبي هي تبدد الخوف المبالغ فيه من المستوطنين والذي بثته السلطات الإسرائيلية. وكتب أن "الوزراء والضباط أخافوا أنفسهم، من خلال إطلاق تحذيرات حول سفك دماء وترديد روايات تقشعر لها الأبدان، حول الأسلحة التي يعدها المتحصنون من أجل إحباط عملية الإخلاء. ويتضح، أنه عندما يتلقى الجيش الإسرائيلي والشرطة تعليمات دقيقة وجداول زمنية واضحة ويحافظون على السرية، فإنه بالإمكان التغلب على تحد مثل البيت المتنازع عليه (أي مبنى الرجبي). وهكذا حصل تماما، بحجم مختلف وأكبر، خلال تنفيذ خطة فك الارتباط أيضا".