إسرائيل تشدد على استمرار التعاون الاستراتيجي مع إدارة أوباما

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

برز من تعقيبات القياديين الإسرائيليين بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز المرشح الديمقراطي الأسود باراك أوباما، صباح اليوم الأربعاء – 5.11.2008، التشديد على استمرار العلاقات الوثيقة والمميزة والتعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة. وبعث المرشحان لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، رئيسة حزب كديما تسيبي ليفني، ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، برقيتي تهنئة لأوباما، شددا فيهما على استمرار التعاون الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وقالت ليفني في برقيتها إن فوز أوباما هو "شهادة شرف للديمقراطية الأميركية" وأن "إسرائيل تتوقع استمرار التعاون الإستراتيجي الوثيق مع الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس الجديد والكونغرس الأميركي من أجل تعزيز وتحصين العلاقات غير القابلة للتزعزع بين الدولتين". وأضافت أنه "خلال زيارة الرئيس المنتخب إلى إسرائيل، وجولتنا المشتركة في سديروت، أثار الرجل انطباعا جيدا لدى سكان إسرائيل وشدد على التزامه بسلامة وأمن إسرائيل".

من جانبه كتب نتنياهو في برقية التهنئة لأوباما "أنت والشعب الأميركي أحدثتما تغييرا تاريخيا وذكّرتما العالم بما ترمز إليه الولايات المتحدة، وهو الأمل وضمان مستقبل أفضل، وأنا مقتنع بأننا سنعمل سوية من أجل تحقيق سلام في منطقتنا ومستقبلا أفضل لنا جميعا".

رغم ذلك أفادت صحيفة هآرتس، اليوم، بأن إسرائيل تتوجس من توجهات أوباما وخصوصا من احتمال أن يقرر الرئيس الجديد إجراء حوار مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني وفتح مكتب مصالح أميركي في طهران حتى قبل دخول أوباما إلى البيت الأبيض. من جهة ثانية فإن التقديرات في إسرائيل تفيد بأنه لن يحدث تغيرا دراماتيكيا في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إسرائيل. وقالت هآرتس إن إسرائيل مررت خلال الأسابيع الأخيرة عبر مستويات سياسية رفيعة عدة رسائل للإدارة الأميركية عبرت من خلالها عن استيائها البالغ من نية الولايات المتحدة فتح مصالح في طهران. ونقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع قوله إنه لا توجد لدى إسرائيل معلومات أكيدة بهذا الخصوص "ومعظم ما نعرفه هو شظايا معلومات وتلميحات فحسب، لكن حسبما تبدو الأمور الآن فإنهم يعتزمون فتح مكتب مصالح قريبا". ومررت إسرائيل رسائل تتعلق بإيران إلى مستشاري أوباما، خلال حملته الانتخابية، جاء فيها أن نقطة الضعف ستكون فتح حوار مع إيران من دون وضع أميركا شروط مسبقة، ولذلك فإن إسرائيل تريد ضمان عدم المس بمصالحها. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تسعى لوقف البرنامج النووي الإيراني وأن يكون الشرط المسبق الأساسي قبل فتح حوار مع إيران أن تتوقف الأخيرة عن أنشطة تخصيب اليورانيوم.

وكُشف النقاب مؤخرا عن وثيقة أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية وتم استعراضها في مداولات حول تقييم الوضع السنوي للوزارة، قبل عدة أسابيع، وجاء فيها أنه "مهما يكن الرئيس الذي سيتم انتخابه فإنه لا يتوقع أن يجري تغييرا هاما في العلاقات مع إسرائيل"، لأنه توجد لإسرائيل "شبكة أمان" في الكونغروس والهيئات الأميركية المختلفة للإدارة الأميركية ستؤدي إلى إحداث توازن في سياسية أي رئيس سينتخب. وتوقعت الوثيقة أن إسرائيل لن تكون القضية الأولى التي سيتعامل معها الرئيس الجديد لدى تناوله السياسة الخارجية، وإنما ستسبقها قضايا أخرى مثل الوضع في العراق وأفغانستان والأزمة في العلاقات مع روسيا. من جهة ثانية توقعت التقييمات في الخارجية الإسرائيلية أن ضلوع الإدارة الجديدة في الصراع في الشرق الأوسط سيكون من خلال إيفاد مبعوث خاص للرئيس إلى المنطقة، وعندها ستدقق إسرائيل في أولوياته، وهل سيولي أهمية أكبر لاتفاق بين إسرائيل وسورية أم سيولي أهمية أكبر لاستمرار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وقالت هآرتس أن وزارة الخارجية الإسرائيلية فتحت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية، اليوم، "غرفة حرب" خاصة لتحليل نتائج الانتخابات، وتمت مطالبة المسؤولين في دائرة أميركا الشمالية بوضع ورقة تحدد موقفا أوليا حيال الانتخابات.

من جانبه أشار المحلل السياسي في صحيفة هآرتس، عكيفا إلدار، اليوم، إنه يتواجد حول أوباما مستشارون يهود وهم من مؤيدي إسرائيل. وكتب أن "سلامة باراك أوباما ينبغي أن تكون عزيزة بشكل خاص على إسرائيل، وليس بسبب علاقاتنا المميزة مع الولايات المتحدة. فبموجب القاعدة، قل لي من هم مستشاروك وأقول لك كيف ستكون سياستك، بالإمكان الافتراض أن الرئيس الجديد لن يتخلى عن إسرائيل". وأضاف إلدار "لقد حظيت بمعرفة اثنين من مستشاري الرئيس الجديد لشؤون الشرق الأوسط، وهما السفير السابق دان كرتسر، والمستشار الاستراتيجي دان شبيرو. وكلاهما يهوديان ويحبان إسرائيل والسلام. وكلاهما يؤمنان بأن وجود دولة إسرائيل مرهون بإقامة دولة فلسطينية".

ورأى إلدار أنه "بطبيعة الحال، فإن رئيسا ديمقراطيا حصل على دعم يهودي جارف، سيسعى إلى عدم إغضاب هذه الجالية الصغيرة، لكن الغنية والنشطة في الوقت ذاته... وهو سيجد في غرفة مكتبه في البيت الأبيض رؤيا (الرئيس الأميركي جورج) بوش للدولتين، وخارطة الطريق، التي وعدت بالسلام (بين إسرائيل) وجميع الدول العربية حتى نهاية العام 2005، وتجميد مطلق للاستيطان. وسيجد أيضا نسخة من الرسالة التي بعثها بوش إلى (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق) أرييل شارون، وتتضمن تعهدا بأن الولايات المتحدة ستدعم اتفاقا يستند إلى انسحاب إسرائيل من جميع المناطق (في الضفة الغربية)، باستثناء الكتل الاستيطانية وعودة لاجئين إلى الدولة الفلسطينية. وكل هذا في إطار اتفاق بين الجانبين أنفسهما. وسيضطر أوباما إلى اتخاذ قرار حول ما إذا كان معنيا بصرف هذه الحوالات اليتيمة ومتى".

ولفت إلدار إلى أن "نتائج الانتخابات في إسرائيل (في 10 شباط المقبل) ستؤثر على قراره. وفي حال صدقت استطلاعات الرأي التي تتنبأ بفوز اليمين، فإن الرئيس الأميركي سيحاول إقناع حكومة إسرائيل بالذهاب في طريقه الليبرالية، طريق الحوار والمصالحة والتسوية. ويصعب الآن معرفة كيف سيتصرف في حال اقترح بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين 'سلاما اقتصادي' وعلى سورية 'سلام مقابل سلام'". رغم ذلك رأى إلدار أن مؤشرا أوليا لتأقلم اليمين الإسرائيلي مع الانقلاب الأميركي جاء من خلال مقابلة أجرتها القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مع السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، داني أيالون، الذي أعلن مؤخرا انضمامه إلى حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف. إذ لم يكتفي أيالون بالقول إنه لا حاجة للتخوف من أوباما وإنما هو مقتنع بأن أوباما جيد لإسرائيل، لأنه "سيكون أسهل عليه إنشاء تحالف ضد إيران".

من جهة أخرى، رأى الدبلوماسي السابق والخبير اليميني في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية، يورام اتينغر، في مقال نشره في موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني، اليوم، أن أوباما لن ينشغل في الفترة الأولى من ولايته في قضية الصراع في المنطقة، وإنما "سيواجه منذ يومه الأول في البيت الأبيض التحدي المختلط وغير المسبوق المتمثل بالانهيار الاقتصادي الأخطر (منذ العام 1929) في موازاة الحربين في العراق وأفغانستان، وهي حرب عالمية ثالثة تدور الآن ضد الإرهاب الإسلامي الذي ينشط في الأراضي الأميركية، إضافة إلى مجموعة تحديات أخرى داخلية وخارجية... لكن الحلبة الدولية لن تمنح أوباما يوما واحدا من الراحة. وسابقة (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون تدل على أن أفكاره الحمائمية لا توفر له حصانة بنظر أعداء وخصوم الولايات المتحدة". وأشار اتينغر في هذا السياق إلى عملية نفذها تنظيم القاعدة في نيويورك بعد شهر على انتخاب كلينتون وإلى مقتل 18 جنديا أميركيا في الصومال رغم إعراب كلينتون عن نيته سحب القوات الأميركية من هناك. وتوقع الكاتب أن "أعداء وخصوم الولايات المتحدة سيسارعون إلى فحص قدرة أوباما، غير الخبير في القضايا الأمنية والدولية، على الصمود واتخاذ القرارات والعمل. وقد تصعد إيران سعيها التآمري في الخليج الفارسي وخصوصا في العراق، بتعزيز وتحريض حزب الله وحماس والتقدم في قدراتها النووية. وستفحص سورية مدى التزام الولايات المتحدة تجاه سيادة لبنان. والإرهاب الفلسطيني قد يتصاعد لاستيضاح مدى استعداد أوباما للضغط على إسرائيل لكي تمتنع بدورها عن 'رد فعل غير تناسبي'. وهل ستستغل كوريا الشمالية الفترة الانتقالية في واشنطن من اجل أن تخرق ثانية تعهداتها في المجال النووي؟". وتوقع اتينغر ألا تساعد الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي أوباما على فرض سياسته وإنما سيكون نظام فصل السلطات كفيلا بانتهاج "سياسة متوازنة".

ولفت كبير المحللين في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، إلى أنه "لم يكن لصراعنا (الصراع العربي – الإسرائيلي) دورا فعليا في وعي الناخبين هذه المرة. والأصح أنه لم يكن له دور بتاتا. فالموضوع كان الاقتصاد، إذ أن 90% من الخارجين من صناديق الاقتراع قالوا إنه الموضوع المركزي. والنسب المتبقية تقسمت بين العراق وعمليات الإجهاض وما إلى ذلك".

رغم ذلك، رأى بارنياع أن لانتخاب أوباما تأثير على مستقبل الصراع في المنطقة. "فموقفه الأساسي ليس أقل تأييدا (لإسرائيل)، لكنه جديد في هذه المواضيع وغرائزه مختلفة. رغم ذلك، فإن جميع النبوءات بخصوص ضلوع هذا الرئيس أو ذاك في شؤون الشرق الأوسط قد تبددت. ومن الصعب أن نرى الآن لقاءا ناجحا، مثلا، بين رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، ورئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو. ثمة هوة عقلية تفصل بينهما. وربما لهذا السبب بالذات سيجد نتنياهو، أو ليفني، أنه أكبر أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة. ولا مناص من الانتظار بضعة أسابيع أو بضعة شهور".