إسرائيل تعتبر أن كشف تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية سيزيد قوة ردعها

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

اعتبرت إسرائيل أن الكشف عن تفاصيل قصف طيرانها الحربي للمنشأة السورية في منطقة دير الزور، في أيلول الماضي، أمام الكونغرس الأميركي، أمس، سيزيد قدرة ردعها، كما سيزيد مخاوف دول أخرى في المنطقة من تطوير برامج نووية سرية في المستقبل. وقالت دانا بيرينو، المتحدثة باسم البيت الابيض، في بيان "نحن على قناعة، بناء على معلومات متنوعة، بأن كوريا الشمالية ساعدت سورية في أنشطة نووية سرية". وأضافت "لدينا أسباب كافية للاعتقاد بأن المفاعل الذي لحقت به في السادس من أيلول من العام الماضي اضرار لا يمكن إصلاحها لم يكن للأغراض سلمية".

وقالت صحيفة هآرتس، اليوم الجمعة – 25.4.2008، إن إسرائيل والولايات المتحدة توصلتا لنتيجة مفادها أن كشف تفاصيل الهجوم سيؤدي إلى أن "تبدأ دول تتطلع لاتجاهات كهذه بالقلق". كذلك تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه على الرغم من كشف التفاصيل إلا أن سورية لن ترد على مهاجمة المنشأة و"لا يوجد خطر لحدوث تصعيد أمني" بين إسرائيل وسورية.

وسبق اتخاذ إسرائيل قرارا بالتنسيق مع الولايات المتحدة حول كشف تفاصيل الهجوم، مداولات مكثفة في إسرائيل ترأسها رئيس طاقم مستشاري رئيس الحكومة الإسرائيلية، يورام طوربوفيتش، وشارك فيها مندوبون عن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية وشعبة العمليات في الجيش ووزارتي الخارجية والدفاع. وتوصلت هذه المداولات إلى استنتاج بأنه نشأت "نافذة فرص" تسمح ب"كشف متزن ومدروس" لقسم من التفاصيل المتعلقة بالعلاقات السورية الكورية الشمالية في المجال النووي. كذلك فإنه لم يكن خيار أمام إسرائيل سوى الموافقة على طلب أميركي بخصوص الكشف عن تفاصيل الهجوم لأن الإدارة الأميركية ملزمة قانونيا بإعطاء تقرير حول الموضوع للكونغرس.

وقالت هآرتس إنه خلال المداولات الإسرائيلية شدد مندوبو شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد على وجود مصلحة لإسرائيل في نشر تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية، وأن كشفا متزنا عن هذه التفاصيل سيحسن قدرة الردع الإسرائيلية. وبناء على هذه الاعتبارات توجه طوربوفيتش قبل ثلاثة أسابيع إلى واشنطن لتنسيق المعلومات التي سيتم الكشف عنها أمام الكونغرس.

وسبق سفر طوربوفيتش إلى واشنطن مشاورات بين رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع، ايهود باراك، وأعرب خلالها الأخير عن عدم معارضته لكشف تفاصيل. لكن بعد أيام معدودة تراجع باراك عن رأيه، غير أن ذلك حدث بعد سفر طوربوفيتش إلى واشنطن ولم يعد بإمكان إسرائيل رفض كشف التفاصيل أمام الكونغرس.

ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن باراك عارض بشدة كشف المعلومات الاستخباراتية التي تجمعت لدى إسرائيل قبل مهاجمة المنشأة السورية. وأضاف أن جهاز الأمن حذر من أن ضررا استراتيجيا سيلحق بإسرائيل على المستوى الاستخباراتي جراء نشر المعلومات. ويذكر أنه من بين المعلومات التي تم الكشف عنها أمام الكونغرس، أمس، شريط فيديو وصور للمنشأة السورية من الداخل والخارج. وقالت معاريف إن جاسوسا إسرائيليا التقط هذه الصور.

الهجوم تحذير لإيران أيضا

من جهة أخرى، أشار محلل الشؤون الاستراتيجية والاستخباراتية في صحيفة هآرتس، يوسي ميلمان، إلى أن مهاجمة المنشأة السورية تندرج ضمن ما يسمى ب"مبدأ بيغن" (المنسوب لرئيس حكومة إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن) وتضمنت تحذيرا لإيران التي تطور برنامجا نوويا، تقول إسرائيل إنه لغايات عسكرية.

و"مبدأ بيغن" هو سياسة لا يصرح قادة إسرائيل بها، وهي غير موثقة. وكتب ميلمان أن هذه السياسة تقضي بأن لا تسمح إسرائيل لأي دولة في الشرق الأوسط أن تطور برنامجا نوويا عسكريا، إذ تعتبر إسرائيل إن برنامجا كهذا يشكل خطرا على وجودها. وكان بيغن أول رئيس حكومة إسرائيلية استخدم هذه السياسة عندما قرر إصدار أوامر لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف المفاعل النووي العراقي في حزيران العام 1981. وأضاف ميلمان أن قصف المنشأة السورية في أيلول الماضي يعني أنه تم تفعيل "مبدأ بيغن" للمرة الثانية في تاريخ الشرق الأوسط، وأن من شأن ذلك أن يشكل إشارة وتهديدا لإيران بأنه إذا لم تتوقف عن سعيها للحصول على سلاح نووي فإن إسرائيل ستعمل بموجب "مبدأ بيغن" للمرة الثالثة.

خبيران أميركيان يؤكدان أن المنشأة السورية كانت بعيدة عن كونها عسكرية

في غضون ذلك، أكد خبيران نوويان أميركيان على أن المنشأة السورية كانت بعيدة عن كونها منشأة نووية عسكرية، ودحضا بذلك إعلان الولايات المتحدة بأن سورية كانت قريبة من امتلاك قدرة نووية. ونقل ميلمان عن الخبيرين ديفيد أولبرايت وبول بيرنان، من معهد الأمن والدراسات الدولية في واشنطن، تأكيدهما على أنه بعد أن حللا المعلومات التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في وسائل الإعلام الأميركية، يظهر أنه لا يوجد أية تقديرات لدى الولايات المتحدة حول كيف كانت سورية تعتزم تفعيل برنامج نووي، وأنه ليس لدى الولايات المتحدة أيضا أية معلومات تدل على أن كوريا الشمالية نقلت أو كانت تنوي أن تنقل وقودا نوويا لسورية لتشغيل مفاعل نووي.

ونشرت "سي آي ايه" هذه المعلومات قبيل انعقاد اجتماع يضم ست لجان مختلفة في الكونغرس لبحث علاقات كوريا الشمالية وسورية وتم خلاله استعراض تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على منشأة دير الزور الذي تدعي إسرائيل بأنها مفاعل نووي. لكن الخبيرين الأميركيين قالا في تحليل نشراه أمس إن نوع المفاعل النووي الذي تم بناؤه، بحسب تقرير ال"سي آي ايه"، يتطلب كميات كبيرة من اليورانيوم من أجل تفعيله. وأضافا أنه على ضوء ذلك، وعلى الرغم من الأدلة المقنعة، بحسب ما نشرته "سي آي ايه"، الظاهرة في شريط الفيديو الذي صُوّر قرب وداخل المنشأة السورية والذي تم عرضه أمام لجان الكونغرس، فإن أسئلة كثيرة تتردد بينها متى كان هذا المفاعل سيبدأ بالعمل؟.

وتابع أولبرايت وبيرنان أن أجهزة الاستخبارات لم تنجح في التعرف على وجود معمل لفصل البلوتونيوم أو معمل لتركيب أسلحة، وغياب هذين الموقعين يُضعف الادعاء بأن المفاعل الجاري إقامته كان جزءا من برنامج نووي عسكري فعال لدى سورية. وقال الخبيران أيضا إن غياب أدلة فيما يتعلق بالوقود المخصص للمفاعل يقلل التقديرات بأن لدى سورية برنامجا نوويا فعالا وذلك إضافة إلى حقيقة أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وصلت إلى مراحل حاسمة بعد أن أوقفت وشلّت كوريا الشمالية منشآت أهم في بيونغ يانغ.

ودعا أولبرايت وبيرنان أعضاء الكونغرس الذين يعارضون المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والذين يحاولون إجهاض هذه المفاوضات إلى أن يتوقفوا عن محاولاتهم هذه. ولفت ميلمان إلى أقوال السفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى لوسائل إعلام أميركية والتي جاء فيها أن معلومات كالتي تتحدث عنها "سي آي ايه" وإسرائيل تم ترويجها في الماضي وتبين أنها ليست موثوقة، في إشارة إلى المعلومات حول أن العراق يطور برنامجا عسكريا نوويا وتبين لاحقا أن لا أساس للتقارير الأميركية بهذا الخصوص.