إسرائيل تخشى تضرر علاقاتها مع أميركا بعد كشف الجاسوس كاديش

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

عبّر مسؤولون سياسيون إسرائيليون عن تخوفهم من تضرر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في أعقاب الكشف عن اعتقال المواطن الأميركي اليهودي بن عامي كاديش بتهمة التجسس لصالح إسرائيل قبل سنوات طويلة. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء – 23.4.2008، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، الذي يقضي عطلة عيد الفصح اليهودي في هضبة الجولان، أصدر تعليمات لطاقم مكتبه بإجراء تدقيق شامل في علاقة إسرائيل مع كاديش وما إذا تم تشغيله من جانب الاستخبارات الإسرائيلية. ويتلقى أولمرت ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، تقارير حول القضية بصورة متواصلة. لكن مصادر في مكتب أولمرت قالت "إننا لا نعرف شيئا عن الموضوع وندرس تفاصيله".

وقدمت الولايات المتحدة لائحة اتهام ضد كديش، أمس، جاء فيها أنه سلم إسرائيل وثائق بالغة السرية تتعلق بسلاح نووي وصفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز "إف-15" للسعودية، وخصوصا الأجهزة الموجودة في هذه الطائرات، ومعلومات حول منظومة صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ. وبحسب لائحة الاتهام فإن كاديش، البالغ الآن 83 عاما وكان يعمل مهندسا عسكريا، زود مشغله الإسرائيلي يوسي ياغور، الذي عمل في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، بالوثائق خلال الأعوام 1975 – 1981. وكان ياغور يحضر إلى منزل كديش في ساعات الليل ويقومان بتصوير الوثائق في قبو المنزل ثم يعيد كاديش هذه الوثائق إلى أرشيفها في صبيحة اليوم التالي.

وكان الكشف عن القضية أمس قد عصف بشدة بإسرائيل. وعبّر مسؤولون سياسيون عن أملهم بألا تُوتر الأجواء مع الولايات المتحدة، خصوصا مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى إسرائيل في منتصف شهر أيار المقبل.

وكانت إسرائيل قد أكدت للولايات المتحدة بعد القبض على الجاسوس الإسرائيلي في أميركا جوناثان بولارد في العام 1985 أنها لم ولن تشغل جواسيس آخرين في الولايات المتحدة. لكن الكشف عن قضية كاديش أمس اثبت أن تأكيد إسرائيل لم يكن صحيحا، ما قد يؤدي لنشوء أزمة ثقة بين الدولتين. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إنه "لا شك أن وجود قضية تجسس كهذه في الأجواء هي أمر غير مريح بتاتا لإسرائيل. وكانت هناك أحاديث أن يقدم الرئيس بوش لدى زيارته إسرائيل بادرة نية حسنة لإسرائيل ويطلق سراح بولارد والآن أصبحت الأمور تبدو معقدة أكثر بكثير".

من جانبه اعتبر عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، يوفال شطاينيتس، في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم، أن قضية كاديش وعلى الرغم من أنها محرجة لإسرائيل إلا أنها لن تمس بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية. وقال شطاينيتس إن "هذه قضية حدثت قبل ثلاثة عقود والأميركيين يعرفون جيدا، ما يمكنني تأكيده كرئيس سابق للجنة الخارجية والأمن، بأنه منذ الكشف عن قضية بولارد في العام 1985، إسرائيل لا تجمع معلومات استخباراتية ولا تجند عملاء ولا تتلقى موادا تبدو أنها سرية في الولايات المتحدة أو ضدها".

من جانبه قال رئيس الموساد السابق وعضو الكنيست داني ياتوم "أعتقد أن ما يقلق الأميركيين هو الشعور بأن إسرائيل لم تقل لهم كل الحقيقة قبل عقدين عندما تفجرت قضية بولارد. وقد سأل الأميركيون حول ما إذا كان هناك أشخاص آخرين شغلتهم إسرائيل أو أنها تشغلهم. وإسرائيل قالت لا. ومثلما أرى الأمور، فإنه لا توجد علاقة بين الطريقة التي عمل بها بولارد والطريقة التي عمل بها، إذا عمل، بن عامي كاديش".

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن كاديش تواجد في البلاد قبل قيام إسرائيل، وحتى أنه كان عضوا في منظمة "الهاغناة" العسكرية الصهيونية ولذلك فإن علاقته بإسرائيل ليست موضع شك.

ونفى مقربون من الوزير الإسرائيلي رافي ايتان اي علاقة للأخير بكاديش علما أن ايتان كان مسؤول المخابرات الإسرائيلية في حينه الذي شغّل بولارد.

وكما هو متوقع فقد تناولت الصحف الإسرائيلية اليوم قضية كاديش بتوسع. ورأى محلل الشؤون الاستخباراتية والاستراتيجية في صحيفة هآرتس، يوسي ميلمان، أنه على الرغم من أن هذه قضية تجسس قديمة، "لكن ليس من شأن ذلك أن يخفف من خطورة الضرر الذي سيلحق بإسرائيل أو شدة العقوبة التي ستفرض على كاديش، في حال إدانته في المحكمة". وأكد ميلمان على أن لائحة الاتهام ضد كاديش تدل على أنه عمل "وفق أسلوب يميّز جهاز الأمن وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على مدار سنوات كثيرة... فقد عمل كاديش في التجسس التكنولوجي، الذي كان السمة البارزة وغير القانونية التي عملت بموجبها إسرائيل في الأراضي الأميركية في سنوات السبعين والثمانين... بولارد نقل وثائق إلى شقة سرية وفرها مشغلوه (الإسرائيليون) في واشنطن. كاديش نقل الوثائق إلى منزله حيث جرى تصويرها".

ولفت ميلمان إلى تشابه آخر بين قضيتي بولارد وكاديش، "ففي كلتا القضيتين إسرائيل ادعت بأنها توافق على التعاون مع سلطات القانون في الولايات المتحدة، لكنها في الواقع حاولت خداع الأميركيين. وفي كلتا الحالتين تم الكشف عن أكاذيبها وهذا لا يُضيف لكسبها ثقة الأميركيين".

رغم ذلك، إلا أن محلل الشؤون الإستراتيجية والاستخباراتية في يديعوت أحرونوت، رونين برغمان، رأى أن السؤال الأهم في قضية كاديش هو حول مسألة توقيت الكشف عنها بعد 25 عاما. وأضاف "من الجائز أن السبب هو من قبيل الصدفة. لكن من الجائز جدا أنه يتوجب النظر إلى تفجير القضية أمس على خلفية سياسية أوسع... ليس جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية وليس جميع المسؤولين في الإدارة الأميركية هم بالضرورة من محبي صهيون". واعتبر الكاتب أنه "يوجد بينهم مسؤولون معادون لإسرائيل أو لجهات في إسرائيل أو أن لديهم مصالح تتعارض مع تلك الإسرائيلية. وهكذا، مثلا، وقفت أجهزة الاستخبارات الأميركية على أرجلها الخلفية لكي تمنع إطلاق سراح بولارد".


واستطرد برغمان أن "جهات معينة في الإدارة الأميركية تحتقر تيار المحافظين الجدد الذي قاد إدارة بوش طوال معظم ولايته. وبنظر هذه الجهات في الإدارة، فإن المحافظين الجدد هم مجموعة متطرفة من اليهود الأميركيين في البنتاغون الذين جلبوا المصائب على الولايات المتحدة. وقضية (كاديش) كهذه من شأنها أن تخدمهم. جهات أخرى، بعضها في وزارة الخارجية الأميركية، ينتهجون بصورة تقليدية تعاملا مشككا تجاه إسرائيل ويفكرون طوال الوقت في ما إذا كان أفضل للولايات المتحدة اتخاذ موقف مختلف من الصراع الإسرائيلي العربي".