أجواء بلبلة وحرج تعصف بإسرائيل بعد تحقيق الشرطة مع أولمرت

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، لدى افتتاحه اجتماع الحكومة الأسبوعي اليوم، الأحد – 4.5.2008، على براءته من شبهات ضده بتلقي رشوة مالية، وأعلن عزمه مواصلة مهامه "سواء على المستوى الوطني أو السياسي". وقال إنه "منذ يوم الاربعاء الماضي تسري في البلاد موجة شائعات، بعضها متعمد وشرير. وأنا أعد بأنه عندما تتضح الأمور ستزول الشبهات وستنقشع الغمامة. وأعتزم تنفيذ الأمور التي يتوجب عليّ تنفيذها سواء أكان ذلك على المستوى الوطني أو على المستوى السياسي. بالأمس التقيت (وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا) رايس وغدا سألتقي أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وسأستمر بالقيام بواجباتي".

وتأتي أقوال أولمرت بعد أيام معدودة ضجّت فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية والمحافل السياسية بتكهنات حول نوعية الشبهات ضد أولمرت وتساؤلات حول مصير حكومته. ونقلت القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، مساء يوم الجمعة الماضي، عن مصدر قضائي قوله إن "أولمرت موجود في وضع خطير، وثمة شك فيما إذا كان سيتمكن من مواصلة تولي منصبه".

وكان فريق التحقيق من وحدة التحقيقات القطرية في قضايا الغش والخداع في الشرطة قد استجوب سكرتيرة أولمرت، شولا زاكين، يوم الثلاثاء الماضي، حول القضية الجديدة. وفرضت الشرطة على زاكين بعد ذلك الحبس المنزلي. وفي اليوم التالي، الأربعاء، توجهت الشرطة لمكتب أولمرت وطلبت عقد جلسة تحقيق عاجلة معه، تقرر عقدها صباح الجمعة الماضية بعد مصادقة النائب العام والمستشار القضائي للحكومة، مناحيم مزوز، على إجراء التحقيق في غضون 48 ساعة.

وذكر موقع "أخبار الدرجة الأولى" الالكتروني أن "الشبهة المركزية هي أن أولمرت حصل على مبلغ 480 ألف دولار من شركة 'ألوموت' لدى شرائه البيت في شارع كريمييه" في القدس الغربية. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت (الجمعة 2.5.2008) فإن سبب استدعاء أولمرت بصورة عاجلة للتحقيق، تحت تحذيره باستخدام أقواله ضده في حال تقديم لائحة اتهام، هو حدوث تطور خلال الأيام الماضية في أحد ملفات التحقيق ضده. وأضافت الصحيفة أن الشبهات الجديدة ضد أولمرت هي حصوله خلال فترة طويلة، وقبل انتخابه رئيسا للحكومة، على مبالغ كبيرة من رجل أعمال أميركي لديه نشاط تجاري في إسرائيل. ويخضع رجل الأعمال الأميركي في هذه الأيام للتحقيق لدى الشرطة الإسرائيلية ويتعاون مع المحققين. وتابعت الصحيفة أنه خلال الأسابيع الأخيرة حدث تطور من شأنه أن يؤدي إلى تعاون أشخاص آخرين، ضالعين في أحد ملفات التحقيق ضد أولمرت، مع الشرطة ونقلت الصحيفة عن جهات ضالعة في هذه القضية تقديرها أنه من الجائز أن يكون هناك "شاهد ملك" ضد أولمرت.

وطالب أعضاء كنيست من أحزاب اليمين واليسار بتنحي أولمرت عن منصبه في أعقاب التحقيق الجديد. ودعت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش، من حزب العمل الشريك في الحكومة، أولمرت لتنحية نفسه فورا "على إثر حجم التحقيقات غير المسبوق ضده". كذلك طالبت عضو الكنيست زهافا غالئون من حزب ميرتس مزوز بإصدار تعليمات لأولمرت بأن ينحي نفسه عن منصبه حتى تتضح الشبهات ضده وقالت "ليس معقولا أن يستمر متهم بفساد خطير في قيادة الدولة".

وتوجه رئيس كتلة حزب الليكود في الكنيست، غدعون ساعر، إلى حزب العمل ودعاه للانسحاب فورا من الحكومة، ما يعني سقوطها. وقال ساعر إن "أولمرت هو أكثر رئيس حكومة خضع للتحقيقات في تاريخ إسرائيل، وحزب العمل هو المسؤول عن بقاء التحالف وإذا كان حزب العمل يدعي أنه يمثل القيم وسلطة القانون ونظافة اليد، فعليه أن ينسحب من الحكومة فورا".

الصحف الإسرائيلية: هل انتهى الأمر؟

سيطر التحقيق الذي أجرته الشرطة مع أولمرت، أول من أمس الجمعة، على العناوين الرئيسة للصحف والبرامج الإذاعية، اليوم الأحد. وتساءل كبار المحللين السياسيين: "هل يمكن أن تكون النهاية هذه المرة؟"، "هذا هو، هل انتهى الأمر؟" بشان حكومة أولمرت. وفي هذه الأثناء تسود أجواء عاصفة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، أجواء ترقب وتأهب. إذ ليس مستبعدا أن يقود التحقيق، وخصوصا بعد رفع أمر حظر النشر عن مضمونه في المستقبل القريب، إلى حل الحكومة والتوجه لانتخابات عامة مبكرة.

وقالت المراسلة السياسية لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إليئيل شاحر، اليوم، إنها لمست أجواء صعبة جدا في مكتب رئيس الحكومة بعدما تحدثت مع مسؤولين هناك. وأضافت أن "أولمرت أدرك أن الموضوع جدي أكثر مما اعتقد، فهناك أدلة جديدة. الشعور في مكتب رئيس الحكومة هو أنه في هذه القضية يوجد شيء من نوع آخر. أولمرت التقى مع محاميه والأجواء أصعب ما يكون". لكن من الجهة الأخرى نقلت الإذاعة ذاتها عن أولمرت قوله في أحاديث خاصة إن "وسائل الإعلام بالغت في تقاريرها". وفي هذا السياق، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن فتح تحقيق جنائي ضد صحيفة يديعوت أحرونوت، لأنها كتبت في عنوانها الرئيس يوم الجمعة الماضي عن الشبهة الجديدة ضد أولمرت.

وكتب كبير المعلقين السياسيين في يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، اليوم، أنه "الآن، وبعد أن بدأ التحقيق على خلفية جدية أكثر، من الصعب معرفة ما إذا يوجد هنا عملية تضليل أخرى يقوم بها مليونير أميركي من اليمين، من أعداء برنامج أولمرت السياسي، أم أن الأمر حقيقي". وأضاف أن "موضوع التحقيق جدي، لا شك في ذلك. وإذا اتضح أن ثمة أساسا للشبهات ضد أولمرت، فإن مصيره سيكون الذهاب إلى البيت وربما ليس للبيت فقط"، أي إلى السجن أيضا. رغم ذلك دعا برنياع إلى التريث، "إذ أنه أحيانا تنتهي قضايا من هذا النوع بدون شيء. وأحيانا تعلق في تحليلات قانونية. فما يراه محام ما أنه رشوة، يعتبره محام آخر أنه عمل شرعي، وبنظر محامٍ ثالث فإن ينطوي الأمر على خطأ تقني". وانتقد برنياع فرض أمر حظر النشر على القضية، لأنه في هذه الحالة "يتوجه رؤساء أحزاب وأعضاء كنيست لاتخاذ قرارات هاما فيما أعينهم معصوبة. ليست لديهم طريقة لدراسة خطورة المخالفات الجاري الحديث عنها أو لمعرفة التطورات المتوقعة في التحقيق. وهم يتغذون من شائعات".

ولفت محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس، يوسي فيرتر، إلى أن وزراء وأعضاء كنيست ومؤيدين لألمرت تساءلوا خلال اليومين الماضيين ما إذا كانت طريق أولمرت السياسية قد انتهت بالقضية الجديدة؟. وأضاف أنه "حتى أصحاب الخبرة بينهم، من خريجي القضايا السابقة وتقريري فينوغراد، بدوا مهزومين. فهؤلاء لم يعرفوا كيف يدافعون أمام هذه الموجة الكبيرة للغاية". وكتب فيرتر أن "السيناريو الأخطر بالنسبة لأولمرت هو عندما يتم رفع أمر منع النشر وتنكشف التفاصيل ويأتي احتجاج شعبي وإعلامي قوي. عندها سيفقد مؤيديه في حزب كديما، ورئيس حزب العمل ايهود باراك سيعلن أن الحزب لن يتمكن من البقاء في حكومة التصقت برئيسها دمغة خطيرة. من هنا وحتى سقوط أولمرت ستكون الطريق قصيرة ومؤلمة ومهينة". وتابع فيرتر أنه في حال تحقق سيناريو كهذا، ستعود الافكار التي تم طرحها عشية صدور تقرير فينوغراد حول تعيين وزيرة الخارجية والقائمة بأعمال أولمرت، تسيبي ليفني، رئيسة حكومة مؤقتة أو الذهاب لانتخابات مبكرة قبل نهاية العام الحالي.

من جانبه رأى المراسل السياسي لصحيفة معاريف، بن كسبيت، أنه "لو أن 10% فقط من الشائعات التي انتشرت حول أولمرت صحيحة، فإن الرجل سيقضي بقية حياته في السجن". لكن كسبيت أشار إلى أنه بسبب عدم وجود معلومات مؤكدة حول القضية، فإن ما تبقى هو استشراف المستقبل. وقال إن هناك ثلاثة احتمالات "أخطرها، إثبات أن أولمرت خالف القانون وسيضطر للاستقالة وستتوجه الحلبة السياسية لانتخابات أو يتم تشكيل حكومة بديلة... الاحتمال الثاني، يتضح من خلاله أنه توجد شبهات وأولمرت يحارب ضدها. وبعد ذلك يدخل في سلسلة تحقيقات منهكة ويتم نسيانها بعد وقت قصير، وتنضم إلى مجموعة الملفات الكثيرة ضد أولمرت.... الاحتمال الثالث هو المؤامرة. أن يكون هناك أحد ما يحاول إسقاط أولمرت. أحد ما يملك الكثير من المال والنوايا السياسية. وهذه النظرية قيلت في اماكن عديدة خلال اليومين الماضيين".

من جهة أخرى دعت افتتاحية هآرتس اليوم المستشار القانوني مزوز إلى عدم الأخذ بالحسبان اعتبارات سياسية لدى اتخاذه القرار بكشف تفاصيل القضية. وقالت الصحيفة إن "مزوز قد يرتدع من اتخاذ قرارات من شأنها أن تسبب سقوط الحكومة، على الرغم من أنه ليس بالضرورة أن يحدث هذا الأمر حتى لو طولب رئيس الحكومة بالاستقالة. ويجدر التذكير أن مهمته هي التدقيق في وزن القضية واحتمالات الإدانة. اعتبارات سياسية داخلية وخارجية وقومية ليست في مجال مسؤوليته، وهذه يتم اتخاذها في المؤسسة السياسية".