عنف المستوطنين: السلطات الإسرائيلية تحصد ما زرعت

"المشهد الإسرائيلي" – خاص

حذر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يوفال ديسكين، من اندلاع مواجهات واسعة بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية، في حال قررت الحكومة إخلاء مستوطنين وانسحاب من أراض فلسطينية في الضفة الغربية. وأفاد المراسل والمحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، اليوم الاثنين – 3.11.2008، بأن ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس، عن ديسكين، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي، بخصوص احتمال وقوع اغتيال سياسي جديد تنفذه عناصر من اليمين المتطرف، لم يكن دقيقا، وأن رئيس الشاباك لم يتحدث بشكل واضح عن اغتيال سياسي. وقال ديسكين إن أفراد الشاباك يلاحظون "تصاعدا" في عنف اليمين وأنه "توجد مؤشرات كثيرة تشير إلى أنه في حال حدوث عملية سياسية، فإنه قد ينشأ وضع يتم خلاله استخدام السلاح من أجل وقف العملية". ونقل هارئيل عن مصادر في الشاباك قولها إن ديسكين يتحدث بالأساس عن ثلاثة احتمالات، وهي اغتيال سياسي وعملية ضد عرب والاعتداء على أفراد قوات أمن إسرائيليين.

وقال ديسكين خلال اجتماع الحكومة إن "تدقيقات أجريناها أظهرت وجود استعداد بمستوى عال جدا لدى هذا الجمهور (أي غلاة المستوطنين واليمين المتطرف) لاستخدام العنف، ليس بمستوى الحجارة وإنما بالسلاح، من أجل منع أو وقف خطة سياسية كهذه أو تلك". واعتبر ديسكين أن "ما نراه اليوم ناجم عن شرخ عميق لدى الجمهور القومي، ليس في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) فقط. وهذا مستمر منذ فك الارتباط وحتى إخلاء (البؤرة الاستيطانية العشوائية) عمونا (في العام 2006). وبدئوا توجههم تحت شعار 'بالمحبة ننتصر' خلال فك الارتباط، ووصل الآن إلى 'بالحرب ننتصر'". وأضاف ديسكين أن ما يسمى ب'نشطاء التلال' ونشطاء آخرين من منطقة الخليل يحاولون تشويش عمل قوات الأمن من أجل إفشال ضبط القانون، وأنه نجح هؤلاء النشطاء في أفعالهم حتى اليوم. وحذر ديسكين من أنهم سيوسعون نشاطهم إلى داخل الخط الأخضر. وتشير تقديرات الشاباك إلى أن هناك بضع مئات من أمثال هؤلاء النشطاء، وبينهم بضع عشرات الذين يعملون على إشعال الوضع. وادعى ديسكين أنه "لا توجد قيادة واضحة (للمتطرفين) وهم مدفوعون من خلال هدف واحد وهو عدم تمكين قوات الأمن من إخلاء أشخاص" من بؤر استيطانية.

من جانبه أشار هارئيل إلى أن "الشعبة اليهودية في الشاباك"، التي تتعقب النشاط في صفوف غلاة المستوطنين في الضفة واليمين المتطرف داخل الخط الأخضر، قدرت في كانون الأول من العام 2007 الماضي، أن التهديدات من جانب اليمين المتطرف على غايتي الحراسة الأساسيتين للشعبة، وهما القيادة السياسية الإسرائيلية والحرم القدسي الشريف، هي تهديدات بمستوى متدنٍ نسبيا. واعتبر الشاباك في حينه أنه على الرغم من انعقاد مؤتمر أنابوليس، قبل ذلك بشهر، فإنه طالما أن اليمين لا يرى وجود "خطر ملموس" لإخلاء بؤر استيطانية، فإنه لن يمارس عنفا متطرفا. ورأى الشاباك أن تصعيدا كلاميا كان قد بدأ حينئذ لكن هذا لم يُترجم إلى أفعال.

وكتب هارئيل أنه لا يوجد بحوزة الشاباك، على ما يبدو، معلومات استخباراتية محددة حول وجود نية لتنفيذ اغتيال سياسي. رغم ذلك فإن نشاط اليمين المتطرف العنيف تصاعد مؤخرا. فقد وضع المستوطنون المتطرفون نهج "العقوبة"، الذي أصبح بارزا في الآونة الأخيرة، علما أن الشاباك كان قد لاحظ هذا النهج منذ نهاية العام الماضي. ويسعى المستوطنون من خلال "العقوبة" إلى إنشاء توازن رعب، ينفذ المستوطنون بموجبها أعمال عنف فورية مقابل قيام قوات الأمن الإسرائيلية بإخلاء بيت متنقل (كرافان) في بؤرة استيطانية أو إصدار أمر يقيد تحركات ناشطين يمينيين مشتبهين باعتداءات ضد الفلسطينيين أثناء موسم قطف الزيتون. ويعتبر المستوطنون من خلال استخدام "العقوبة" أنه حتى لو لم ينجحوا في منع إخلاء بؤرة استيطانية، فإن الأضرار التي سيلحقونها في أعقاب ذلك، من خلال تدمير ممتلكات فلسطينيين أو اعتداء على ضباط إسرائيليين، ستجعل الحكومة الإسرائيلية تفكر مرتين قبل أن تصدر أوامر بتنفيذ عمليات أخرى. وبحسب هارئيل فإنه على الرغم من أن ديسكين تحدث عن مئات الناشطين في صفوف المستوطنين المتطرفين إلا أن بإمكان هؤلاء تجنيد آلاف المستوطنين للقيام بأعمال عنف. وأضاف هارئيل أن "المسافة بين اعتداء على أفراد شرطة أو جنود واستخدام السلاح ضد زعيم سياسي يأمر بإخلاء مستوطنات أقصر مما يتخيل المرء".

وتوقع هارئيل أن لا تتخذ السلطات الإسرائيلية إجراءات ضد المستوطنين المتطرفين، وأشار إلى أن قول رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، خلال اجتماع الحكومة أمس، إن "دولة إسرائيل لن تتحمل عنفا كهذا"، حول اعتداءات المستوطنين في الخليل على الفلسطينيين طوال الأسبوع الماضي، هو مجرد تكرار لتصريحات مشابهة أطلقها أولمرت عدة مرات في العامين الأخيرين. وأكد هارئيل على أن السلطات الإسرائيلية لم تفعل شيئا ضد المستوطنين رغم اعتداءاتهم المتكررة.

من جانبه قال المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، إن "رئيس الشاباك لم يكشف عن أي سر أمس. ولم يتم الكشف عن عصابة إرهابية يهودية. لم تعد هناك حاجة لعصابة إرهابية. فكل شيء يتم فعله في العلن. واحتمال وقوع اغتيال سياسي آخر في إسرائيل يخيم فوق رؤوسنا في وضح النهار. وقبل إطلاق الرصاصة القاتلة انتصر شبيبة التلال وبقية مهاويس اليمين المتطرف في المناطق (أي الضفة). والحكومة تخشاهم وتتملقهم، وهم يهزئون بها ويبصقون في وجهها. إنهم لا يعترفون بها، ولا يعترفون بجيشها ولا بشرطتها ولا بديمقراطيتها ولا بصهيونيتها. وليجرؤ أحد ما أن يتحرش بهم. وبالنسبة لهؤلاء الشبان أنهت دولة إسرائيل دورها منذ وقت طويل. وهم سيقيمون دولتهم على خرابات دولة إسرائيل أو إلى جانبها. فالأرض، بالنسبة لهم، تعود إلى الله، والفلسطينيون هم نوع من العمالقة (أعداء اليهود في التوراة). والقانون الوحيد الذي يسري مفعوله عندهم هو قانون التوراة".

ورأى فيشمان أن "اغتيال سياسي، بالنسبة لهم، ليس معضلة. إنهم يتحدثون عن اغتيال سياسي كهذا فيما بينهم من خلال شيفرة 'لكي لا يفهم الشاباك عليهم'. وعندما يقررون أنه يوجد ذريعة لاغتيال كهذا، فإنهم لن يترددوا... فهم يعرفون أن السلطة (في إسرائيل) ضعيفة وأن القانون يحميهم، وأنه طالما هم لا يقفون حاملين بندقية موجهة ضد جندي أو زعيم سياسي يستحيل أن يفعلوا معهم شيئا... وما قاله ديسكين، أمس، للحكومة، هو من الناحية الفعلية ما يلي: إذا كنتم لا تعتزمون ممارسة صلاحيات سلطوية وفرض القانون دون تأتأة، فلا تتحرشوا بهم، لأنكم بذلك إنما تشعلون حرائق لا حاجة لها. وإذا كنتم لا تعتزمون بجدية إخلائهم، وإذا لم تكن لديكم القوة لمواجهة اعتداءاتهم على الفلسطينيين، فلا تفعلوا ما يغضبهم. إنهم جديون. وسيطلقون النار على أفراد الشرطة والجنود والزعماء السياسيين". وخلص فيشمان إلى أن "هذا لن يسير بالحسنى. وإذا لم تتدارك الدولة نفسها ولم تدافع عن نفسها، فإنهم سيطلقون النار على من يعرقل مخططاتهم".

من جانبها، اتخذت الحكومة الإسرائيلية في ختام اجتماعها، أمس، قرارا يقضي بالتوقف عن تمويلها للبؤر الاستيطانية العشوائية، وتشديد فرض القانون على المستوطنين المتطرفين، بما في ذلك ما يتعلق بالبناء غير القانوني في البؤر الاستيطانية. كذلك تقرر تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الدفاع، ايهود باراك، مهمتها بلورة توصيات حول كيفية مواجهة عنف المستوطنين وتقديمها للحكومة خلال أسبوعين. لكن المحلل السياسي في هآرتس، عكيفا إلدار، شدد في مقال، نشره اليوم، على أن خطوات الحكومة ضد المستوطنين ليس إلا تضليلا. وكتب "يصعب القول ما هو الأخطر، أن رئيس الحكومة والوزراء يضللون أنفسهم أو أنهم يخدعون الجمهور". وأشار إلى أنه "منذ أكثر من عقد، يقوم مراقبو الدولة والمستشارون القانونيون للحكومات الإسرائيلية بتوبيخ وزراء الدفاع وضباط الجيش بسبب دعمهم لمخالفي القانون في البؤر الاستيطانية". ونقل عن عضو الكنيست أوفير بينيس، الذي تولى منصب وزير في حكومة أرييل شارون السابقة، قوله إنه "لولا مساعدات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لما قامت البؤر الاستيطانية ولما تمكنت من البقاء".