معلق إسرائيلي: حماس لا تريد خرق التهدئة الآن لأنها مريحة لها

إسرائيل ترفع حالة التأهب في صفوف قواتها عند الشريط الحدودي مع القطاع، خشية أن يحضر عشرات الفلسطينيين الآخرين ويطلبون الدخول إليها، ورغم ذلك فإن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن حماس ستكون معنية الآن بالحفاظ على الهدوء- قراءة في ردات الفعل الإسرائيلية على أحداث أمس في غزة

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

وقف الإسرائيلي عند الشريط الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة، وارتسمت على شفتيه ابتسامة رضا من مشاهد القتال في الشجاعية وهروب نحو 200 شخص في اتجاه إسرائيل. فقد أثبت المشهد، لمن تبقى في قلبه الشكوك، أن المصالحة الوطنية الفلسطينية، وهي أكثر ما يخشاه الإسرائيلي، ما زالت بعيدة. المخطط الإسرائيلي نجح، والتفجير على شاطئ غزة، الأسبوع الماضي، بات شماعة لتعليق الفتنة الآخذة بالاتساع عليها. فالمتهم الوحيد بتنفيذ التفجير هو فتح. ليس بسبب وجود دليل قاطع أن نشطاء فتح نفذوا التفجير على شاطئ غزة، وإنما لأنه لا مصلحة، حاليا، في ظل التهدئة، لاتهام جهة أخرى. وكان محلل الشؤون العربية والفلسطينية في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، عوديد غرانوت، قال خلال رده على سؤال حول امتناع حركة حماس من اتهام إسرائيل بالتفجير، مثلما جرت العادة على الأقل، إن "اتهام إسرائيل يستدعي رد حماس على التفجير، الذي أدى لمقتل خمسة من عناصر الحركة، لكن حماس لا تريد الآن خرق التهدئة لأنها مريحة لها".

وتناول محللو الشؤون الفلسطينية في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد – 3.8.2008، أحداث الشجاعية، أمس، والتي أسفرت عن مقتل 9 فلسطينيين وإصابة عشرات آخرين. وكتب أفي سخاروف، في هآرتس، أن الانفجار في شاطئ غزة الذي "ليس مؤكدا وقوف فتح من ورائه الآن أيضا، منح حماس ذريعة للتخلص من (القيادي في فتح أحمد) حلس وشن حرب دون هوادة بهدف محو آثاره من القطاع". واعتبر سخاروف أن "الانطباع السائد لدى الفلسطينيين هو أنه منذ اتفاق التهدئة، أخذت تتزايد شعبية حماس في الضفة الغربية، فيما تضررت مكانتها الشعبية في القطاع".

وأضاف سخاروف أن حماس "تظهر في الضفة كمن نجحت في إرغام إسرائيل على الموافقة على التهدئة بشروطها، بينما رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وأتباعه من فتح، لا ينجحون في تحقيق إنجاز سياسي (من خلال المفاوضات مع إسرائيل) لجمهور ناخبيهم. فالمفاوضات مع إسرائيل عالقة ومبادرات النوايا الحسنة الميدانية اختفت... وفي هذه المرحلة لا توجد لحماس القاعدة العسكرية التي من شأنها تشكيل خطر على السلطة الفلسطينية في الضفة، أيضا بسبب نشاط الجيش الإسرائيلي والشاباك. ورغم ذلك، فإن موجة الاعتقالات التي نفذتها السلطة الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة بين صفوف نشطاء حماس إنما زادت التأييد لها (أي لحماس) لأن السلطة تظهر كجسم دكتاتوري في الضفة". وتابع أن "صورة الوضع في غزة تبدو معاكسة. فرغم أنه لا توجد قدرة لدى فتح لتشكيل خطر على الحكم بأساليب عسكرية، إلا أن حماس تظهر كمنظمة متطرفة ودكتاتورية، لا تتردد في مهاجمة عائلات من أجل تغييب خصوم سياسيين". ورأى سخاروف أنه "يبدو في هذه المرحلة أن الجمهور الفلسطيني، ربما مثلما هو الحال في إسرائيل، يئس من سياسييه، غير أن ظهور بديل فلسطيني، على شاكلة حزب كديما، كبديل للمنظمتين الكبيرتين التي تسفك الواحدة منهما دماء الأخرى ودماء الجمهور، لا يبدو في الأفق".

من جانبه رأى عميت كوهين في معاريف أنه "بعد أسبوع من الاعتقالات وأعمال العنف حصلت حماس على مبتغاها. معركة قاسية، عنيدة، مع إحدى أقوى الحمولات في غزة. مع رمز فتح. انتصار في هذا الصراع من شأنه أن يرسخ بشكل جيد الرسالة التي أرادت حماس أن توصلها: لا يوجد في غزة خصم قادر على مواجهتنا. وجرت المعركة في الشجاعية بإصرار وقسوة وبمنهجية، تماما مثلما تم احتلال غزة، قبل أكثر من عام. وإذا كان هناك أحد ما في فتح أمل بأن عمليات عسكرية من خلال جهاز تحكم عن بعد ستقوض حماس، سيتعين عليه دراسة طريق بديلة. فحماس في غزة ما زالت مستقرة. لكن فيما لا تزال أعمال قمع فتح تحظى بعناوين، فقط في حال سقوط قتلى، فإن أحدا لم يلتفت إلى أن حماس حولت غزة إلى دكتاتورية. فمواقع الانترنت أصبحت حذرة، والعاملون الفلسطينيون في منظمات حقوق الإنسان يقللون من ظهورهم، والصحافيون يتعرضون لتهديدات لا تتوقف. والجهاد الإسلامي يتلقى بين حين وآخر ضربة خفيفة على اليد للتوضيح له من هو صاحب البيت هنا". وأضاف أن "فتح، من الجهة الأخرى، تعاني من نفس الأمراض التي أدت إلى سقوطها وليست قادرة على استخدام خطوات حماس كرافعة من أجل زيادة الدعم لها (أي لفتح). ومنذ أن خسرت الانتخابات، وأيضا بعد أن فقدت غزة، لم تنجح فتح في ترميم نفسها".

وأشار الصحافي روني شاكيد في يديعوت أحرونوت إلى أن 188 شخصا من أفراد عائلة حلس الذين نجحوا بالفرار من الشجاعية باتجاه الحدود الإسرائيلية، كانوا عالقين بين نيران عناصر حماس، الذين طاردوا الفارين وأطلقوا خلال ذلك قذائف الهاون، التي سقطت بعضها في الأراضي الإسرائيلية، وبين نيران الجيش الإسرائيلي الذي رد على نيران حماس. وفي النهاية استجابت الحكومة الإسرائيلية لطلب عباس السماح للفارين بدخول الأراضي الإسرائيلية في طريقهم إلى الضفة. لكن المشهد الذي برز، اليوم، في وسائل الإعلام الإسرائيلية كان مشهد أفراد عائلة حلس وهم عراة، ولباس داخلي واحد فقط يستر عورتهم، يتعرضون لتفتيش الجنود الإسرائيليين، "خوفا من أن تحاول حماس دس انتحاريين بينهم". ونقلت القوات الإسرائيلية المصابين إلى المستشفيات في جنوب إسرائيل. وبعد خضوعهم لتحقيق أمني سيسمح لقسم منهم التوجه إلى الضفة.

وفي مفارقة يصعب تبرير أسبابها، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين قولهم إنه تم السماح لأفراد عائلة حلس بدخول الأراضي الإسرائيلية في إطار "تقديم المساعدة الإنسانية". أي أن إسرائيل تقدم معونة إنسانية لفلسطينيين فارين من مذبحة يرتكبها أشقاؤهم الفلسطينيون. وأضاف المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون "ليست لدينا أية نية للدخول في الحروب الداخلية في غزة". وقال مسؤول إسرائيلي رفيع ليديعوت أحرونوت إن "الأحداث الأخيرة في القطاع إنما تؤكد وحسب أنه لا يوجد أي احتمال لأن يستعيد أبو مازن سيطرته على القطاع من جديد". واستغل هذا المسؤول الأحداث في الشجاعية لتبرير عدم فتح المعابر في القطاع. وقال إن "المجتمع الدولي اقترح أن يجلس رجال أمن تابعون لأبو مازن في المعابر، الأمر الذي سيمكن من إعادة فتحها من جديد. لكن فتح ضعيفة وضعفها يتزايد، وحماس ستسيطر على المعابر من الناحية الفعلية. وهذا يجعل الحل الدولي (لقضية المعابر) حلا ليس واقعيا". كذلك رفعت إسرائيل حالة التأهب في صفوف قواتها عند الشريط الحدودي مع القطاع، خشية أن يحضر عشرات الفلسطينيين الآخرين ويطلبون الدخول إلى إسرائيل. ورغم ذلك، فإن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن حماس ستكون معنية الآن بالحفاظ على الهدوء.