خبراء وساسة إسرائيليون يتخوفون من "سابقة" كوسوفو

أستاذ جامعي إسرائيلي: من شأن نجاح استقلال كوسوفو أن يحث الفلسطينيين على تكرار تجربة إعلان قيام الدولة المستقلة من جانب واحد * هآرتس: إسرائيل موزعة بين ولائها لحليفاتها من الدول الغربية المؤيدة لاستقلال الدولة الجديدة، وبين مخاوفها من التداعيات التي قد تترتب على هذا النوع من الاستقلال

أبدى عدد من الخبراء الإسرائيليين تخوفهم مما أسموه "سابقة كوسوفو"، وقصدوا بذلك إعلان إقليم كوسوفو، أول من أمس الأحد (17/2/2008)، عن استقلاله من جانب واحد عن صربيا، لما قد يعنيه ذلك من تداعيات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وعلى المستوى الرسمي أعلنت مصادر وزارة الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ستقرّر موقفها من هذه الخطوة في وقت لاحق، وبناء على متابعة التطورات في العالم. فيما أكد الوزير السابق ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان، أن إعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد، واعتراف الأسرة الدولية بذلك، ينطويان على تداعيات بعيدة المدى على الساحة الدولية عامة، وعلى الساحة الشرق أوسطية خاصة.

ورأى البروفسور شلومو أفينيري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، أنه لن يكون هناك أي تأثير لسابقة كوسوفو على مناطق أخرى من العالم، وأن التأثيرات التي يجري تداولها أو التحذير من مغبتها تؤججها آلة الدعاية الصربية، وهي غير صحيحة.

أمّا البروفسور جيرالد شتاينبرغ، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بار إيلان والخبير في النزاعات الإقليمية، فقد أكّد أن ما جرى في كوسوفو يعيد إلى الأذهان الإستراتيجية التي اتبعها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في حينه من أجل إعلان استقلال الدولة الفلسطينية من جانب واحد، وتقوم على استحضار قوات دولية من الأمم المتحدة تمهيدًا لإعلان استقلال أحادي الجانب من دون مفاوضات.

وأضاف شتاينبرغ أن هذه الإستراتيجية لم تنجح في السابق، لكن من الممكن أن يحث نجاحها في كوسوفو الآن الفلسطينيين على تكرار التجربة. غير أنه أكّد أن احتمالات ذلك تبدو في نظره ضئيلة.

من ناحيته نفى البروفسور آرييه كاتسوفيتش، رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس، أن يكون هناك أي وجه شبه بين أوضاع كوسوفو والأوضاع القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، ذلك أن "إسرائيل لم تضم أراضي الفلسطينيين إليها مطلقًا"، على حدّ تعبيره.

وقال معلق الشؤون الأوروبية في صحيفة "هآرتس"، آدار بريمور، إن إسرائيل سبق أن أعلنت أنها لن تكون من بين أوائل الدول التي ستعترف باستقلال إقليم كوسوفو، غير أنها لن تكون من بين آخر تلك الدول. وأضاف أن مجرّد هذا الإعلان إنما يدل على توزّع إسرائيل "بين ولائها لحليفاتها من الدول الغربية المؤيدة لاستقلال الدولة الجديدة، وبين مخاوفها من التداعيات التي قد تترتب على هذا النوع من الاستقلال".

وأشار المعلق نفسه إلى وجود مسؤولين وخبراء في إسرائيل يعتقدون بأن المفهوم، الذي بموجبه يمكن أن ينتهي نزاع سياسي وإقليمي بواسطة حل خارجي مفروض، هو "وصفة لكارثة، إذ من شأنه أن يستدعي فرض حل دولي مع الفلسطينيين في المستقبل. كما أن من شأنه أن يجرّ تأييدًا دوليًا للعرب في إسرائيل، في حالة محاولة هؤلاء- في الجليل مثلاً- الانفصال عن الدولة" الإسرائيلية.

وقال مسؤولون وخبراء آخرون إن الالتفاف على مجلس الأمن في هذا الموضوع، من خلال المسّ بحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به روسيا، التي تعارض استقلال كوسوفو، يعتبر بمثابة "بوميرانغ" من ناحية إسرائيل، التي كثيرًا ما تستعين بالفيتو الأميركي في هذا المجلس.

من جهة أخرى مناقضة رأى بضعة مسؤولين وخبراء إسرائيليين، وفقًا لصحيفة "هآرتس"، أن الالتفاف المذكور على مجلس الأمن ناجم عن عدم قدرته على حلّ الأزمات المتفاقمة، مثل عمليات الإبادة في دارفور، ومحاولة إيران إنتاج سلاح نووي. كما أن إعلان استقلال كوسوفو لم يكن أحادي الجانب تمامًا، وإنما تمّ بموافقة الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية وطبقًا لشروط محددة سلفًا، منها الالتزام بحماية الأقلية الصربية. وعلاوة على ذلك لا يوجد أدنى وجه شبه بين كوسوفو، التي يشكل الألبان نحو 90 بالمئة من سكانه، وبين منطقة الجليل التي لا يشكل المواطنون العرب هذه النسبة العالية من سكانها، وبالتالي فلن يعترف أي طرف بمطلب انفصالها عن إسرائيل.

هذا، وأنشأت صحيفة "هآرتس"، أمس الاثنين (18/2/2008)، مقالاً افتتاحيًا دعت فيه إسرائيل إلى الاعتراف بدولة كوسوفو.

وجاء فيه: شكّل الإعلان عن استقلال كوسوفو، أول من أمس، موضع خلاف بين الأسرة الدولية، على غرار معظم الأحداث السياسية والأمنية في منطقة البلقان. فقد طالبت روسيا بإجراء مناقشة عاجلة في مجلس الأمن لإحباط هذا الاستقلال. وتعارض دول مثل إسبانيا واليونان وقبرص، التي تحارب نزعات انفصالية لديها، هذا الاستقلال، وتزعم أنه مناقض للقانون الدولي ويشكل سابقة يمكن أن تهدّد الأمن الأوروبي. في مقابل هؤلاء فإن الولايات المتحدة والدول المركزية في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ستعترف بالدولة الجديدة اليوم.

وأضافت: "إن ما نأمله هو أن تكون المؤسسة السياسية الإسرائيلية قد درست كما يجب الأسباب التي جعلتها تستجيب لدعوة هذه الدولة الأوروبية إلى الاعتراف بها، في مقابل الضغوط التي مارستها صربيا للامتناع عن ذلك. وعلى الرغم من أن معظم سكان إقليم كوسوفو مسلمون، إلا أنه لم يتماثل مع الميول الإسلامية المتطرفة، ونأى بنفسه عن العناصر المعادية لإسرائيل في العالم العربي.

"إن العلاقات الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، حليفتها الكبرى، كانت على الدوام عنصرًا مركزيًا في الدبلوماسية الإسرائيلية. وقرار واشنطن الاعتراف بكوسوفو جعل من السهل على إسرائيل أن تعترف بها.

"إن نضال الشعب الكوسوفي المستمر من أجل الاستقلال يعيد إلى الأذهان نضالات شعوب أخرى من أجل حق تقرير المصير. ويجب على دولة إسرائيل، التي تأسست بفضل نضال الشعب اليهودي من أجل إقامة وطن قومي، أن تمد يدها إلى شعوب أخرى تسعى لنيل حقها في تقرير مصيرها.

"علاوة على ذلك فقد سنحت لإسرائيل فرصة فريدة من نوعها تمد خلالها يدها إلى الدولة الوليدة، وتثبت في الوقت نفسه أن الدولة اليهودية ليست عدوة الإسلام".