العملية العسكرية الواسعة في القطاع حتمية إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار

مقابلة خاصة مع المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي يؤكد فيه أيضًا ما يلي: * عملية اغتيال عماد مُغـنية لا تؤدي إلى نصر أو هزيمة غير أنها تمس بقدرة الأداء * لست واثقًا من أن قوة الردع الإسرائيلية تضررت كثيرًا خلال حرب لبنان

كتب بلال ضاهر:

كرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، أول من أمس الأحد (17/2/2008)، أن إسرائيل ستواصل استهداف الناشطين الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يطلقون صواريخ القسام باتجاه إسرائيل.

وترافقت أقوال أولمرت مع استمرار تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، باقتراب موعد شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع. كذلك تفاخر باراك، الأسبوع الماضي، بأن جيشه قتل خلال الأشهر الأربعة الأخيرة وحدها مائتي فلسطيني في القطاع زعم أن جميعهم من المسلحين، علما أن عددا منهم كان من المدنيين وحتى من الأطفال.

من جانبه رأى المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، رون بن يشاي، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، أن ما يجري في قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل هو حرب استنزاف. وقال إن "إسرائيل قادرة على تحمل وضع كهذا لمدة سنوات. فقد سبق أن خضنا حرب استنزاف بين السنوات 1967 إلى 1970، على الجبهتين مع مصر والأردن. وخلال هذه السنوات كانت دولة إسرائيل كلها تعيش في ظل حرب استنزاف. وحتى أنها كانت في حينه حرب استنزاف أشد من الحالية، إذ كانت هناك هجمات متواصلة. لكن المشكلة فيما يتعلق بمدينة سديروت الآن هي مشكلة أخلاقية أكثر من أي شيء آخر. فعلى الدولة تقع مسؤولية إبعاد تهديد الصواريخ التي يتم إطلاقها باتجاه مواطنيها. والبلدات المحيطة بقطاع غزة تعيش في ظل تهديد دائم، رغم أن هذا لا يعتبر تهديدا فعالا لأن صاروخا واحدا من بين ألف صاروخ قسام يؤدي إلى وقوع إصابات".

(*) هل تتوقع أن تبادر إسرائيل إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع، أم أنها ستفضل التوصل لوقف إطلاق نار؟

- بن يشاي: "كلا الأمرين وارد. لكن إذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في الفترة القريبة المقبلة، فإنه لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى الدخول. عمليا يوجد قرار مبدئي بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في القطاع. ويمكن منعها من خلال وقف إطلاق النار فقط".

(*) هل تعتبر القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل أن اغتيال قياديين وناشطين فلسطينيين في القطاع سيحقق نتائج؟

- بن يشاي: "لو أن القيادة الإسرائيلية تعتقد بأن الاغتيالات ستحل المشكلة، لفعلت ذلك منذ زمن طويل".

(*) لكن إسرائيل تنفذ اغتيالات؟

- بن يشاي: "لكن لا يتم توجيه ضربات إلى القيادة السياسية، وما يحدث هو اغتيال أعضاء في خلايا تطلق صواريخ القسام، وقياديين ميدانيين يقودون عمليات إطلاق هذه الصواريخ، لكن إسرائيل لا تغتال قيادات سياسية أو مدنية".

(*) ما الهدف إذن من هذه الاغتيالات، خصوصا وأنها لا تؤدي إلى وقف إطلاق صواريخ القسام؟

- بن يشاي: "هذه حرب، ومن يحاربك عليك أن تحاربه. إن الهدف هو قتلهم، لأن من يطلق النار عليك ترد بإطلاق النار عليه. وحتى الآن الأمور لا تتعدى ذلك. صحيح أن عمليات الاغتيال هذه لا توقف صواريخ القسام، لكن لو أن إسرائيل لا تحاربهم لكانوا سيطلقون الصواريخ باتجاه إسرائيل متى يشاؤون ومن كل مكان، وعندها سيكون الوضع أصعب مما هو عليه الآن. إذ كلما أطلقت عددا أكبر من صواريخ القسام ازدادت إمكانية وقوع إصابات في إسرائيل. وكلما تقلصت قدرتهم على إطلاق القسام فإن الاحتمال بأن يصيب أحد الصواريخ هدفا في إسرائيل يصبح أقل. ونتحدث طبعا عن قذائف الهاون أيضا".

عن عملية اغتيال عماد مُغنية

(*) فيما يتعلق باغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية، هل كان الاغتيال مجديا بالنسبة لإسرائيل؟

- بن يشاي: "أنا أقول بكل جدية إنني فعلا لا أعرف ما إذا كانت إسرائيل هي التي قامت بذلك أم لا. وبودي أن أذكّر بأن للأميركيين حسابا أكبر من حسابنا معه. إضافة إلى ذلك فإن عددا كبيرا من الدول له حساب كبير مع مغنية. من جهة ثانية فإنه في الحرب يتم بذل جهد للمس بالعدو، كما يتم توجيه ضربات لأشخاص مركزيين أكثر... لن تؤدي عمليات اغتيال كهذه إلى نصر أو هزيمة، لكن هذه العمليات تمس بقدرة الأداء. وسأعطي مثلا: عندما يكون هناك شخص مثل عماد مغنية ولديه علاقات متميزة وغير اعتيادية مع الإيرانيين، وبإمكانه أن يطلب من الإيرانيين إرسال شحنة أسلحة على متن سفينة كارين A (التي ضبطها الجيش الإسرائيلي في البحر الأحمر وكانت تحمل سلاحا للفلسطينيين)، فإن الإيرانيين سيأخذون طلب مغنية على محمل الجد ويستجيبون معه أكثر مما يتعاملون مع طلب كهذا يقدمه قائد بدأ طريقه للتوّ. هذا يعني أنه كان لمغنية وزن كبير. ما يمكنني أن أفعله أنا كصحافي قديم لا يمكن أن يفعله صحافي مبتدئ. سيكون هناك من يخلفه في المنصب، لكن خلفه لن يكون مثله في السنوات المقبلة على الأقل".

(*) ماذا يعني وقوع عملية الاغتيال في سورية حصرا؟

- بن يشاي: "إن مجرد حقيقة أن عماد مغنية تواجد في دمشق، بينما العالم كله يعرف من هو والسوريون يعرفون أنه مطلوب في كل مكان في العالم، تعني أن السوريين يتعاونون مع عماد مغنية".

(*) هل توافق على الروايات التي تدعي أن السوريين شاركوا في اغتياله؟

- بن يشاي: "في الشرق الأوسط كل شيء جائز. لكني أميل إلى التفكير بأن هناك عددا كبيرا من الدول التي تريد اغتياله لأنه متورط في مقتل مئات المواطنين. وأعتقد أن أكبر حساب له هو مع الأميركيين. فهو المسؤول عن مقتل 212 جنديا من مشاة البحرية عندما فجر مقرهم في بيروت في سنة 1982 وقتل بعد ذلك 20 شخصا في السفارة الأميركية في بيروت واختطف طائرة أميركية... وهو شخصيا من نفذ عملية اختطاف الطائرة. ولا تنسى أن عماد مغنية مسؤول عن إدخال عدد كبير من المقاتلين للعراق عن طريق الحدود السورية- العراقية. وبيان النعي الذي أصدره مقتضى الصدر بعد موت مغنية لم يكن صدفة. وبالنسبة لإسرائيل، فإن لدينا دائما ميلا لرؤية أنفسنا وكأننا مركز العالم".

(*) لكن الصمت إلى جانب الفرح في إسرائيل بعد عملية الاغتيال، وما قيل عن رئيس الحكومة إيهود أولمرت وعن كونه سعيدا للغاية ليلة اغتيال مغنية وتلقى التهاني من معارضيه في الكنيست...

- بن يشاي: "على عكس إخوتي الصحافيين فإن ابتسامات أولمرت لا تثبت لي أي شيء. لماذا يرفض أولمرت أن يحصل على مكسب وأن يتلقى الدعم في الكنيست؟... هذا جيد بالنسبة له، رغم أنه من الجائز أنه لا ضلع له في اغتيال مغنية. وعندما يأتي الهجوم الانتقامي من جانب حزب الله سيقول أولمرت: أنا فرحت؟ أنتم قررتم أني كنت فرحا. أنا حقا لا أعرف من قتل مغنية، لكني أفترض أن من قتله له مصلحة في قتله، بل حتى مصلحة آنية".

(*) ليس سرا أن قوة الردع الإسرائيلية تضررت خلال حرب لبنان الثانية، هل استعادت إسرائيل هذه القوة؟

- بن يشاي: "لست واثقا من أن قوة الردع الإسرائيلية قد تضررت كثيرا. وإذا ما تضررت فقد كان ذلك في الجانب التكتيكي أكثر مما في الجانب الإستراتيجي. لقد كنت في الضاحية الجنوبية في بيروت وفي جنوب لبنان وشاهدت حجم الدمار هناك. وحتى الآن لم يرمموا معظم ما تم هدمه. ولذلك فإني لا أعتقد أن حزب الله يريد التورط بسرعة مع إسرائيل في المرة المقبلة. وبقدر معين استعادت إسرائيل قوة ردعها بعد حرب لبنان وساهم في ذلك ما حدث في 6 أيلول الماضي في سورية (القصف الإسرائيلي في شمال سورية)".

(*) هل تعتقد أن إسرائيل ستوافق في نهاية المطاف على أن تحيا في وضع يكون فيه سلاح نووي بحيازة إيران؟

- بن يشاي: "أعتقد أن إسرائيل لن توافق. والسؤال هو هل لديها خيار آخر؟".

(*) هل هذا يعني أن إسرائيل قد تقدم على مهاجمة إيران؟

- بن يشاي: "لا أعرف. ولست واثقا من أن إسرائيل ستقدم على مهاجمة إيران. لكن لسعادتي الكبيرة فإن العالم الغربي يرى في إيران نووية تهديدا، خصوصا أن وضعا كهذا سيؤدي إلى عملية متسارعة تسعى من خلالها بضع دول في الشرق الأوسط لحيازة سلاح نووي. وأعتقد أن العالم لن يقبل بذلك. فهو لم يقبل أن تفعل ذلك كوريا الشمالية ولن يقبل أن تفعل إيران ذلك، وسيواصل العالم وضع عراقيل أمامها. ويجب أن نأخذ بالحسبان أن الدول العربية في الخليج لا تقبل بأن تصبح إيران دولة نووية لأن هذا يهددهم أكثر مما يهددنا. على الأقل توجد بحوزتنا صواريخ حيتس (المضادة للصواريخ) ومنظومات دفاعية أخرى. ومن هذه الناحية فإن وضعنا أفضل من وضع السعودية مثلا أو من الكويت".