دورية "شالينج" تتناول الإمكانيات الباقية لحل الدولتين بعد سيطرة حماس على غزة

هل حل الدولتين في طريقه إلى الزوال؟

بقلم: أحمد سيف

لم تأخذ سيطرة حماس بالقوة على السلطة في غزة بعد مكانتها في الجدل الدائر بين هؤلاء الذين يرون توفر الإمكانيات لقيام حل على أساس الدولتين، وهؤلاء الذين يعارضونها ويتكاثرون باستمرار.

دورية "شالينج" [التحدي] الصادرة في تل أبيب ركزت موضوعها الرئيس، ضمن العدد الذي وزع على نطاق واسع في الأوساط المهتمة في أوروبا بالتحولات الأخيرة وخاصة دخول حركة "حماس" وسياساتها، على الاحتمالات الباقية لحل الدولتين.

يبدأ يعقوب بن إفرات ورقته في عرض وجهة نظر رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إزاء قيام الدولة الفلسطينية، ويذكر بتصريحاته بعد عودته من أنابوليس لصحيفة هآرتس (28 تشرين الثاني 2007) وقوله إن "دولة إسرائيل لا تستطيع البقاء من دون قيام الدولة الفلسطينية".

في نهاية سنة 2003 عندما كان أولمرت نائبا لأريئيل شارون، رئيس الحكومة في ذلك الوقت، أبلغ صحيفة "يديعوت أحرونوت" أننا "نقترب من نقطة يتفق فيها المزيد من الفلسطينيين مع ما يقوله ليبرمان السياسي اليميني المتطرف في إسرائيل بشأن عدم إمكانية قيام دولتين، واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية ما بين البحر والنهر وقولهم إن كل ما يريدونه في هذه الحال هو الحق في التصويت".

"في هذا اليوم - يقول أولمرت - نفقد كل شيء... وسيقوم اليهود الليبراليون الذين حاربوا نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا بالوقوف ضدنا.... على إسرائيل قريبا اتخاذ قرار إستراتيجي..".

الرسالة التي أراد أولمرت إيصالها في ذلك الوقت لا تزال قائمة: إذا لم يتم إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية فإن إسرائيل "معرضة للزوال". ولن يستطيع الغرب، الى ما لا نهاية، الصمت على حرمان المقيمين بين البحر والبحر من التصويت والمساواة.

يعرف العقل الإسرائيلي هذا لكن اليد موثوقة ولا تقوى، أو كما قال أبا إيبان بأن إسرائيل "لا تفوت فرصة إلا لتضيع أخرى" . المثال الواضح على ذلك اتفاق أوسلو سنة 1993 حيث حاولت إسرائيل استخدام الاتفاق كوسيلة لانتزاع المزيد من التنازلات ومع نهاية التسعينيات أدت سياسات الحصار والحواجز وبناء المستوطنات والهيمنة الاقتصادية والعناد السياسي، إلى نزع ثقة الفلسطينيين وكانت النتيجة واضحة في كامب ديفيد 2000: ياسر عرفات كان يعرف أنه لا يملك تخويلا بالتوقيع.

شارون- دولة فلسطينية ولكن...

يعرض الكاتب رؤية شارون للحاجة الى الدولة الفلسطينية لكنه وبفعل أفكاره الصهيونية لم يستطيع الموافقة على دولة حقيقية. "أراد شارون دولة فلسطينية من دون أساس، تعتمد كليا على إسرائيل اقتصاديا، مجزأة جغرافيا ومن دون رقابة على الحدود أو الأجواء"

قادت سياسة عدم "وجود شريك" الى الانسحاب الأحادي الجانب من غزة في آب 2005. وبعد ذلك بأشهر انتخبت أكثرية الفلسطينيين حركة حماس "التي رفضت الاعتراف باتفاقات أوسلو والشروط الغربية وأساسها الاعتراف بإسرائيل مما أدى الى مقاطعة حماس اقتصاديا وسياسيا بهدف عزل وإضعاف سلطتها. وردت حماس بانقلاب سيطرت فيه على غزة في حزيران2007.

"أدت هذه الأحداث الى تعقيد فرص التوصل الى سلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس: إذا ما توصلت إسرائيل الى اتفاق منفرد مع عباس في الضفة الغربية فإن ذلك لن يوقف تساقط الصواريخ من غزة، كذلك لا أحد يضمن عدم سيطرة حماس على الضفة. تكاد فكرة إقامة دولتين للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأكثر من أي وقت مضى، أن توشك على الاختفاء والزوال. إسرائيل جزأت الضفة الغربية وهي تحاول حماية المستوطنات وافتراض أن الجدار قد يشكل حدود إسرائيل في المستقبل. حماس بدورها برهنت أن الجدار لا يوقف الصواريخ أيضا".

الغرب يدعم فرصة قيام الدولة ولا يستطيع فرضها

في أنابوليس أيضا كان يفترض في البداية وضع أسس ومبادئ إقرار السلام التي تكاد ان تكون معروفة وتعتمد على ما دار في مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000 وبعدها مفاوضات شرم الشيخ. لقد حالت الظروف الإقليمية وغياب الثقة بين الطرفين دون التوصل الى اتفاق في ذلك الوقت، بينما يمنع الانقسام الفلسطيني- يقول الكاتب- التوصل الى اتفاق مع كل الفلسطينيين وحيث لا يمكن التوصل الى تفاهم في ظل سيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على غزة. لا تستطيع إسرائيل الانسحاب من غزة خشية أن تسيطر حماس على كافة المناطق الفلسطينية. لهذا السبب تمسكت إسرائيل بخريطة الطريق التي تجبر السلطة الفلسطينية على القضاء على البنى التحتية للمنظمات "الإرهابية" كشرط يسبق الانسحاب الإسرائيلي. وهذا يتضمن ويعني سيطرة "فتح" مجددا على غزة. من جانب آخر، فإن إسرائيل كذلك ليست معنية ببدء حرب أهلية مع مستوطنيها طالما أنها تفتقد شريكا مستقرا على الجانب الآخر... هكذا نكون قد أكملنا الدائرة: ما هي حظوظ فتح في النجاح لإدارة شعبها والتوصل الى سلام في ظل جبروت الاحتلال وقوة حماس؟ يتساءل المؤلف الذي يلاحظ أن فقدان السلطة الفلسطينية لقسم كبير من قوتها عبر فقدانها غزة، هو العامل الرئيس الهام الذي طرأ على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويشير في السياق إلى إجماع القوى الرئيسة في إسرائيل على عدم وجود مصلحة إسرائيلية في استمرار احتلالها المباشر لكن الحقائق على الأرض تمنع نقل مسؤوليات إلى عباس.

يشير الكاتب الى المعضلة التي تواجه صناع القرار في إسرائيل إزاء العلاقة مع الفلسطينيين والمفاوضات. لربما "كان في مقدور إسرائيل من الناحية النظرية وقف إطلاق الصواريخ من غزة إذا ما أعادت السيطرة على غزة لكن الاحتمال هذا يمكن أن يأخذ المنطقة الى المجهول، والى تخفيض الصلاحيات المتبقية للسلطة في الضفة، وقد تجبر إسرائيل على إعادة السيطرة على مدن الضفة أيضا وبالتالي عودة الإدارة المدنية البائسة وتحمل إسرائيل بالتالي مسؤوليات إطعام وتعليم وتشغيل أربعة ملايين فلسطيني. وإذا ما أضفنا الى هذا العدد - يقول الكاتب- المليون وأربعمائة ألف عربي الذين يعيشون كمواطنين في إسرائيل، فإن عدد العرب الذين يقعون تحت الإدارة الإسرائيلية سيتساوى تقريبا مع عدد اليهود البالغ خمسة ملايين وسبعمائة ألف . يستنتج الكاتب أن أنابوليس كان محاولة يائسة لدعم السلطة الفلسطينية ومنعها من الانهيار وذلك محافظة على إسرائيل وفي السياق نفسه يري الكاتب أن تخصيص مساعدات مالية ضخمة وصلت إلى سبعة مليارات دولار ونصف مليار، يعبر عن قناعة الغرب واعترافه، بأن ذلك قد يساهم في إنجاح الفرصة الأخيرة لإقامة دولة فلسطين وفقا لحل يعتمد حل الدولتين.

أقرب إلى الصفر

ينتقل الكاتب إلى الوضع داخل إسرائيل وعلاقة ذلك بالحل ويتساءل عن الأمور التي تهدد حقا مصير الدولة اليهودية. ويعرض لتركيبة القوى داخل إسرائيل والتغيرات التي خضع لها المجتمع في إسرائيل وأفرزت تغيرات في توجهات الطبقات والفئات المختلفة، ويقول إن توجه إسرائيل في الانفصال عن الفلسطينيين "لم يتم بسبب إفلاس سياسات الاحتلال وجرائمه بل كان نتيجة تبخر الأخلاق الصهيونية" التي مثلت سابقا كل المواطنين اليهود في الدولة، ولكنها انحسرت الآن لتشكل أو تمثل الناجحين فقط وأصبحت الدولة بلد الأغنياء بعد أن كانت دولة لكل اليهود، وذلك على أثر فقدان طبقات لمواقعها مثل العمال الذين لا يستطيعون التأقلم مع التقنيات الحديثة أو الذين يحل مكانهم العمال الأجانب أو الأسر الكثيرة التي يعيلها شخص واحد. هؤلاء وغيرهم أصبحوا عالة بدورهم، كما الفلسطينيون في غزة والضفة أيضا".

ويخلص بن إفرات إلى استنتاج مفاده أن "الحكومة تبحث عن صيغة للانفصال عن الفلسطينيين، وأنها في داخل إسرائيل تبحث عن نموذج للانفصال عن فقرائها"، كما يشير إلى ذلك إضراب المعلمين الأطول في تاريخ الدولة.

ينتقد الكاتب في الخلاصة السياسات الإسرائيلية المعاصرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويشير إلى العلاقات المتشابكة بين مساعي التوصل إلى حل سلمي والسياسات الداخلية ويحصر ذلك في مستويين- الأول سياسي ويتمثل في العجز عن إقامة السلام الذي يمكن من خلاله فقط تأمين استمرار الدولة اليهودية. والمستوى الثاني يتمثل في الصراع داخل الدولة اليهودية التي مثلت يوما الأمان لغالبية المواطنين الذين يرون الآن تحلل ذلك أمام أعينهم وحيث يعني "غياب الأمن الفعلي والاقتصادي لدى أي أمة، غياب التضامن فيها".

وفي التحليل الأخير يرى المؤلف أن إسرائيل ستخسر في كل الأحوال. هناك فرصة وبعض الوقت لإنقاذ حل الدولتين وبالتالي إنقاذ نفسها وذلك عبر القيام بما كان يجب عليها القيام به منذ زمن طويل من خلال التوصل إلى اتفاقات ثنائية: إزالة المستوطنات والانسحاب إلى حدود سنة 1967. يستبعد المؤلف هذا الاحتمال ويقول إنه أقرب إلى الصفر في الوقت الحاضر، لأن عنصرا جديدا دخل على المعادلة: "حماس" التي قد تنفذ في الضفة ما قامت به في غزة. أيضا ستخسر إسرائيل إذا لم تنسحب من الضفة إلى حدود 1967 وعليها أن تواجه في هذه الحالة القوى المتنامية التي تدفع في اتجاه إقامة دولة ديمقراطية واحدة، الأمر الذي لا مفر من التعامل معه إذا لم يتم الآن تقديم المساعدة في إقامة دولة فلسطينية.

(لندن)