حول "هوية وانتماء"- مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب

ليس من باب المصادفة أن يحظى مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب بتغطية إعلامية واسعة النطاق وأن يتم التطرق إليه من قبل العديد من الشخصيات البارزة، العربية واليهودية على جميع فئاتها وأطيافها، وذلك لأن المشروع المطروح ليس مشروعا آخر وإنما نحن بصدد نهج جديد في العمل والتعامل مع قضايانا الأساسية

كأحد المحررين بودي أن أسجل بعض الملاحظات حول مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب (الصادر عن جمعية ابن خلدون ومركز مكافحة العنصرية) وحول ردود الفعل عليه.

ليس من باب المصادفة أن يحظى مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب بتغطية إعلامية واسعة النطاق وأن يتم التطرق إليه من قبل العديد من الشخصيات البارزة، العربية واليهودية على جميع فئاتها وأطيافها، وذلك لأن المشروع المطروح ليس مشروعا آخر وإنما نحن بصدد نهج جديد في العمل والتعامل مع قضايانا الأساسية. نعم لا ننكر أن المحفز للقيام بهذا العمل هو نهج وسياسة الدولة العبرية تجاه مواطنيها العرب. هذه الدولة منذ قيامها إلى الآن تُظهرنا على أننا أفراد لهم حقوق فردية جزئية، ومسألة كوننا شعبا له كيان كمجموعة لها روايتها المتميزة والتي تتعارض مع الرواية التاريخية للأكثرية (خاصة فيما يتعلق بالصراع على قضايا جوهرية منها الأرض، الهوية وماهية المواطنة) مغيبة من الخطاب اليهودي- الصهيوني . فالدولة تريد أن تُسيّر علاقتنا معها وكأنها فقط علاقة حقوق وواجبات، وتتناسى أن لهذا الشعب وجها وهوية وتاريخا وقضية. فمنذ دخول السيدة ليمور ليفنات وزارة المعارف وهي تحاول جاهدة تعزيز القيم اليهودية والصهيونية ليس فقط بين الطلاب اليهود وإنما أيضا بين الطلاب العرب. ففي السنة الأخيرة، على سبيل المثال، قامت وزارة المعارف بإعداد 100 مصطلح لتدرسها جميع الصفوف الثامنة ومن ثم يمتحنون بها. ودارت أكثر من نصف المصطلحات حول اليهودية والصهيونية، والمصطلحات ذات الصلة بالعرب كانت في سياقات ثقافية- تراثية. أي أن هناك تغييباً واضحاًً ومقصوداً لمسائل جوهرية تربط العربي الفلسطيني بهذه البلاد. هذا عدا إدخال علم الدولة إلى جميع المدارس، والتخطيط للتعليم عن ميراث غاندي (صاحب مشروع الترانسفير). السيدة ليفنات تريد الطالب العربي أن يعرف أن لليهود تاريخا عريقا وقيما أصيلة وهوية قومية راسخة، ونحن العرب ليس سوى مجموعة تراثية- فلكورية، بلا عمق تاريخي، ولا بعد ديني ولا انتماء وطني.

هذا ليس مرفوضًا فقط، وإنما تشويه للحقائق والتي لا نريد لأبنائنا بعد أجيال أن يذوتوا ويقبلوا بهذه الرواية. هذا ما حدا بنا إلى القيام بمشروع يضع اللبنة الأولى في تعزيز روايتنا التاريخية ودوائر انتمائنا. نحن في هذا المشروع انتقلنا من خانة النقد والشجب إلى خانة المبادرة، ليس فقط ما لا نريد وإنما طرح ما نريد وتبيان معالم الطريق. وردنا في هذا المشروع واضح بالنسبة للسيدة ليفنات ومن على شاكلتها في المؤسسة الإسرائيلية. لكن مبادرتنا جاءت لتقول إننا كمجتمع عربي ليس معادلة خاملة وإنما بإمكاننا أن نؤثر على حياتنا ومصيرنا. كان عتب من إخوان لنا يقفون معنا في نفس الخندق. عتبهم إلى حد ما مفهوم وحتى مقبول وذلك بتوسيع المشاركة الجماهيرية ومشاركة الأطراف المتنوعة من شعبنا. لا شك أننا حاولنا القيام بالموازنة، لكن لم يكن التمثيل كما أراده البعض، لأسباب يمكن تفهمها عند القيام بمشروع من هذا النوع. هنالك عتب للإخوان من الحركة الإسلامية على أن الخطاب لم يكن دينيا، أو لم يكن دينيا بما فيه الكفاية. حاولنا أن يكون البعد الديني حاضرا ولكن لم تكن النية أن نكتب الكراسة بخطاب يلائم فقط مجموعة ما، وإلا كان هذا المشروع مشروعا يلائم مجموعة بعينها. هنالك من اتهمنا بالتطرف لأننا أكدنا على روايتنا الفلسطينية- العربية. نعم، إننا تطرقنا إلى المواطنة وأعطيناها حقها، لكن المواطنة ليست هي الباب الوحيد والأهم كما يريدها البعض (حتى من العرب، وأكاديميين منهم). فروايتنا هي رواية متجذرة في عروبتنا، ارتباطنا بالشعب الفلسطيني، وبعدنا الديني الذي يؤثر على دوائر انتمائنا الأخرى. نعم بذات الوقت نقر أن لنا خصوصية في الواقع الإسرائيلي، وعلينا أن نتعامل مع المواطنة على محمل الجد، ولكن ليس على حساب ولا بديل لدوائر الانتماء الأخرى. في عرض روايتنا لم نحاول أن نغيب الرواية الإسرائيلية- اليهودية. طرحناها وتعاملنا معها بجدية وبمحاولة عرض الأمور وفق الحقائق والوقائع ومن منظورنا الفلسطيني، لا من منظور المؤسسة الإسرائيلية للمصطلحات والمفاهيم. ابتعدنا عن المبالغة والمغالاة والحذف والطمس والتغييب. نفخر أننا قمنا بهذا العمل، مدركين أنه لو توفرت لنا الوسائل (منها المادية ومسألة الوقت) لكنا قد أنجزنا عملا أفضل مما هو عليه. نجاح هذا المشروع هو النقاش الجماهيري الذي أثير حول المشروع، الاستمرارية بتطويره، واستثماره في عمل تربوي شمولي.

أتمنى أن يكون هذا المشروع بمثابة حافز لتحريك المجتمع العربي للمبادرة في كثير من ميادين الحياة. بهذا المسار نستطيع أن نؤثر على حياتنا وعلى المؤسسة بأن تأخذ حاجتنا وكوننا مجموعة لها حقوق جمعية. حان الأوان لإظهار وجهنا بمعالمه الواضحة وإجبار المؤسسة أن ترى وجهنا كما نريده وليس كما تريده هي.

_______________________________

(*) د. محمد أمارة محاضر كبير في قسمي العلوم السياسية واللغة الانجليزية في جامعة بار-ايلان. حرر "مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب" سوية مع زميله د. مصطفى كبها.

Terms used: