تصاعد التوتر السياسي مع اقتراب موعد نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد

توقعات متطابقة بأن يوجه التقرير النهائي انتقادات شديدة للمسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الحكومة إيهود أولمرت * التقرير قد يشمل انتقادات لوزير الدفاع الحالي إيهود باراك على خلفية قرار انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان قبل نحو ثماني سنوات

يتصاعد التوتر السياسي في إسرائيل مع اقتراب موعد نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد، التي تحقق في إخفاقات القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية خلال حرب لبنان الثانية، وذلك في 30 كانون الثاني الحالي.

ورغم أن لجنة فينوغراد تتكتم على فحوى التقرير، إلا أن ثمة مؤشرات وعدة تسريبات تدل على أن اللجنة ستوجه انتقادات شديدة للمسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة إيهود أولمرت. وذلك على الرغم من أن اللجنة تعهدت أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم تضمين التقرير النهائي استنتاجات شخصية ضد أي من المسؤولين.

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الأيام القليلة الفائتة، أن خلافا دار مؤخرا بين أعضاء لجنة فينوغراد حول ما إذا كان يتوجب أن يشمل التقرير النهائي مطالبة أولمرت بالاستقالة. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت (19/1/2008) إن"خلافات شديدة اندلعت بين أعضاء لجنة فينوغراد بخصوص المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس الحكومة إيهود أولمرت حيال إخفاقات حرب لبنان الثانية". لكن على الرغم من الخلافات اتفق أعضاء اللجنة على نشر استنتاجاتها على شكل موقف مشترك لكافة أعضاء اللجنة. ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع في لجنة فينوغراد قوله إنه على الرغم من وجود نقاشات فإن جميع أعضاء اللجنة وقعوا في نهاية المطاف على استنتاجات التقرير النهائي التي يتوقع أن تكون قاسية وستؤدي إلى "زلزال سياسي".

من جهة أخرى نقلت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي (18/1/2008) عن عضو لجنة فينوغراد، البروفيسور يحزقيل درور، مطالبته اللجنة بأن تضع"مسدسا محشوًا" على طاولة أولمرت يرغمه على الاستقالة من منصبه. لكن درور قال أيضا "لست مستعدا للتطرق إلى الديناميكية في غرف اللجنة وبين أعضائها لكني أقترح التشكيك في ما نُشر حتى الآن".

وطالب درور، بحسب ما نشرته وسائل إعلام في إسرائيل، في أحد الاجتماعات، بأن تكون اللجنة واضحة وأن تشير إلى المذنبين في الإخفاقات خلال الحرب وتقود إلى الإطاحة بأولمرت، فيما رد رئيس اللجنة، القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، على ذلك قائلا إن اللجنة لا تقطع رؤوسا ومهمتها تنحصر في الإشارة إلى الأخطاء وإلى طرق تصحيحها. رغم ذلك نقلت يديعوت أحرونوت (19/1) عن المصدر الرفيع المستوى في اللجنة قوله إنه "بعد تقرير صعب كهذا يجب التوقع بأن يستخلص الذي كان مسؤولا عن الإخفاق العبر المطلوبة".

إضافة إلى ذلك ستمتدح اللجنة في التقرير النهائي الخطوات التي نفذها أولمرت بهدف تصحيح الأخطاء، بموجب التوصيات التي شملها التقرير الجزئي للجنة والذي صدر في نيسان الماضي.

من جهتها أفادت صحيفة هآرتس (19/1) بأن جلّ الانتقادات التي سيوجهها التقرير النهائي لأولمرت ستكون أنه لم يجر مشاورات بالصورة الكافية قبل قراره بشن العملية العسكرية البرية في الساعات الستين الأخيرة للحرب. ونقلت الصحيفة عن مصادر ضالعة في عمل اللجنة قولها إن التقرير النهائي سيخصص قسما كبيرا منه لإخفاقات الجيش وسيوجه انتقادات حيال "التردد" الذي أبداه الجيش في تنفيذ العملية البرية في الفترة الواقعة بين 18 تموز و11 آب وتمسك رئيس هيئة الأركان العامة في أثناء الحرب، دان حالوتس، بمنظور عسكري خاطئ، مفاده أنه كان في إمكان سلاح الجو الإسرائيلي وحده وقف إطلاق حزب الله لصواريخ الكاتيوشا على إسرائيل. كذلك يرى أعضاء في لجنة فينوغراد بعد استماعهم للإفادات واطلاعهم على وثائق، بينها محاضر جلسات قيادة الجيش، بأن الجيش أرجأ تنفيذ العملية البرية لفترة طويلة.

وكان التقرير الجزئي الذي نشرته لجنة فينوغراد في نيسان الماضي تطرق إلى قرار الحكومة الإسرائيلية بشن حرب لبنان الثانية والأيام الخمسة الأولى للحرب التي اندلعت في 12 تموز 2006 ودان أولمرت ووزير الدفاع في أثناء الحرب، عمير بيرتس ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في أثناء الحرب، دان حالوتس. ورأى أنهم فشلوا في أدائهم وفي إدارة الحرب. واستقال حالوتس في مطلع سنة 2007 على أثر سلسلة طويلة من التحقيقات الداخلية في الجيش، فيما استقال بيرتس بعد صدور التقرير الجزئي للجنة فينوغراد.

وسيتناول التقرير النهائي بقية أيام الحرب وسيرها وقرارات الحكومة الإسرائيلية وخصوصا أولمرت وما يتعلق بإصداره أوامر للجيش بتنفيذ عملية عسكرية برية في الستين ساعة الأخيرة من الحرب وأداء جهاز الأمن الإسرائيلي منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000 وحتى نشوب حرب لبنان الثانية.

وكان موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني قد نقل عن عضو في لجنة فينوغراد، يوم الخميس الماضي، قوله إن "التقرير النهائي للجنة فينوغراد يتوقع أن يكون دراماتيكيا وحاسما" وإنه قد تكون له انعكاسات متطرفة "تصل لدرجة تغيير الحكم. وأي قول، مهما كان ملطفًا، سيؤدي على الأقل لإجراء انتخابات".

انتقادات لباراك أيضًا

وأفادت يديعوت أحرونوت، أمس الاثنين (21/1)، بأنه يتوقع أن يشمل تقرير فينوغراد النهائي انتقادات لوزير الدفاع الحالي ورئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك لاتخاذه قرارا بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار من سنة 2000 ولشكل هذا الانسحاب، حيث أنه تم رغم معارضة رئيس هيئة الأركان في حينه، شاؤول موفاز وقائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، الذي يتولى حاليا منصب رئيس هيئة أركان الجيش.

وقالت يديعوت أحرونوت إنه لهذا الغرض اطلعت لجنة فينوغراد على محاضر جلسات وأوامر صادرة عن هيئة الأركان العامة وعلى قرارات أصدرتها الحكومة الإسرائيلية وتتعلق جميعها بتنفيذ الانسحاب من لبنان في سنة 2000. كذلك استمعت اللجنة إلى إفادات مرتبطة بهذه الفترة. ودققت اللجنة أيضا في التعليمات التي صدرت في حينه للجيش وشكل إعادة انتشار الجيش عند الحدود مع لبنان بعد الانسحاب.

كذلك يتوقع أن يتعرض وزير الدفاع الأسبق موفاز لانتقادات اللجنة في تقريرها النهائي. فقد دقق أعضاء لجنة فينوغراد واطلعوا على أداء ووثائق واستمعوا لإفادات حول تعامل الحكومات الإسرائيلية في السنوات بين الانسحاب من جنوب لبنان في 2000 واندلاع حرب لبنان الثانية في 2006 مع حزب الله، خصوصا بعد أسر الحزب للجنود الإسرائيليين الثلاثة في تشرين الثاني من سنة 2000.

وتدقق اللجنة أيضا في السياسة التي اتبعتها إسرائيل حيال تعاظم قوة حزب الله وإنشائه مواقع عند الحدود الإسرائيلية اللبنانية وبناء أنفاق وملاجئ وتخزين أسلحة بمحاذاة الحدود في جنوب لبنان وحتى نصب صواريخ كاتيوشا في مواقع محاذية للحدود.

وبحسب يديعوت أحرونوت فإن لجنة فينوغراد ستكتب في تقريرها النهائي أنها تعتبر الانسحاب من جنوب لبنان في 2000 ناتجا عن قرار متسرع ولم يتم التخطيط له بالشكل المناسب، ولم تفكر الحكومة الإسرائيلية في حينه بنتائج هذه الخطوة للمدى البعيد، ولم تأخذ بالحسبان الأضرار العسكرية والأضرار التي لحقت بصورة إسرائيل نتيجة للانسحاب المتسرع.

ويرجح أن تربط اللجنة بين الانسحاب من جنوب لبنان وعدم التفات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذئذ لما يحدث عند الحدود، وبين الفشل في حرب لبنان الثانية.

نفي أميركي لرواية أولمرت بشأن تأثير العملية البرية

من جهة أخرى نفى السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، رواية رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت فيما يتعلق بتأثير العملية العسكرية البرية على صيغة قرار مجلس الأمن الدولي الذي أنهى الحرب. وقال إن العملية العسكرية البرية في نهاية حرب لبنان الثانية لم تؤثر على صيغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. ونقلت صحف إسرائيلية، أمس الاثنين (21/1)، عن بولتون قوله إن العملية العسكرية البرية التي حاولت القوات الإسرائيلية من خلالها الاقتراب من نهر الليطاني في لبنان "لم تلعب دورا في الاتصالات حول القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن".

وأضاف بولتون، المتواجد في إسرائيل للمشاركة في مؤتمر هرتسليا السنوي، إن المسودة الأميركية- الفرنسية للقرار، والتي تبلورت في 5 آب 2006، أي قبل ستة أيام من صدور القرار 1701، كانت جيدة لإسرائيل لكنها تطلبت تعديلات من أجل الحصول على موافقة حكومة لبنان عليها. وتابع بولتون أنه سبقت صياغة القرار النهائي اتصالات حثيثة دامت أسبوعا.

وقال بولتون إن ادعاء مكتب أولمرت وكأن مسودة القرار قبل الأخيرة التي وصلت إلى إسرائيل صبيحة 11 آب 2006 قد فاجأت إسرائيل هو وصف غير دقيق للأحداث. وأضاف أنه خلال أسبوع كان هناك تراجع تدريجي نحو صيغة قرار أقل إيجابية بالنسبة لإسرائيل. وشدد بولتون على أنه "كانت هناك محاولات كثيرة للتأثير، لكن المفاوضات في نيويورك لم تتأثر بالأحداث على الأرض (في لبنان)، والجيش الإسرائيلي كان في أحسن الأحوال في جنوب لبنان".

ونسب بولتون التغيير في الموقف الأميركي إلى تغيّر موقف وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، إذ أنه بعد مجزرة قانا ومقتل عشرات المدنيين اللبنانيين في القصف الإسرائيلي تراجعت رايس عن عزمها التوصل لقرار يؤدي لحدوث تغيّر في المنطقة، وطلبت التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع. وقال بولتون إنه لم يتم حتى اليوم تنفيذ أجزاء واسعة من القرار 1701. وأضاف أنه "في الواقع الذي نشأ، فإن حزب الله ما زال يشكل تهديدا على إسرائيل كما في الماضي وتهديده لحكومة لبنان إنما يتزايد فحسب منذ الحرب".