إخفاقات حرب لبنان الثانية أكبر بكثير من إنجازاتها

وقائع يوم دراسي حول "تقرير فينوغراد- انعكاسات وأبعاد"

إخفاقات حرب لبنان الثانية أكبر بكثير من إنجازاتها!

* على الرغم من أن إسرائيل تعتمد بدرجة كبيرة على قدراتها العسكرية إلاّ أنه بدأت تتضح أكثر فأكثر محدودية هذه القدرات *

تصادف اليوم، 12 تموز، الذكرى السنوية الأولى لاندلاع حرب لبنان الثانية. وننشر هنا مقاطع واسعة من وقائع يوم دراسي حول "تقرير فينوغراد- انعكاسات وأبعاد" عقد في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. وقد صدر "تقرير فينوغراد" في نسخة مرحلية، جزئية، عن اللجنة التي حققت في مجريات حرب لبنان الثانية

(*) أكد المعلق العسكري (المتوفى مؤخراً) زئيف شيف في مستهل اليوم الدراسي أن كل الجدل الذي نشب عند الإعلان عن تشكيل لجنة فينوغراد، حول مسألة أن اللجنة ليست ملائمة، اتضح فيما بعد بأنه كان جدلاً عقيماً. وقال شيف إن اللجنة تصرفت إزاء معظم المواضيع الرئيسة والحاسمة بصورة حازمة للغاية، مشيراً إلى أن مظاهر الخلل والثغرات في عملية اتخاذ القرارات في إسرائيل "ليست جديدة". وأضاف: لو كانت اللجنة قد حققت في حروب سابقة (حتى التي انتصرت فيها إسرائيل) لكانت قد وجدت مآخذ وانتقادات على آلية اتخاذ القرارات.

من جهة أخرى- تابع شيف- فإن من المشكوك فيه في ظل جدول زمني مزدحم ومضغوط في ظرف أزمة، أن يكون متاحاً اتخاذ قرارات وفق المعايير التي طرحتها اللجنة.

وكان تقرير اللجنة قد تضمن طروحات متناقضة حيال مسألة ماهية الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه كبار المسؤولين والشخصيات العامة الذين أخفقوا في أداء مهامهم. فمن جهة ذُكر أنه لا يمكن في بعض الأحيان تحقيق الإصلاح أو التصحيح دون استبدال أولئك الذين اضطلعوا بوظائف مركزية.. وذكر (في التقرير) من جهة أخرى أن الثقافة التي لا تُتيح لمن أخطأ مواصلة الاضطلاع بمهام منصبه في حالات معينة، ليست ثقافة منفتحة على التعلم والاستفادة، وأن هناك نتيجة لذلك خطر خسارة أشخاص متمرسين.

وأشار زئيف شيف في سياق مداخلته إلى عدة مسائل قال إنها لم تنل بعد اهتماماً كافياً، أوجزها بالأتي:

أولاً، فيما يتعلق بمدة الحرب: هل كان بالإمكان اختصارها؟ وما هي إستراتيجية "الخروج السليم" التي اتبعت؟

ثانياً، النفوذ الزائد للجيش في عملية اتخاذ القرارات، والثقة المفرطة بالنفس التي عكسها الجيش والتي استشف منها بأنه كانت هناك أيضاً قصورات وثغرات في عملية اتخاذ القرارات في الجيش الإسرائيلي.

ثالثاً، النظرية الأمنية التي لم تكن مواكبة للتطورات، مثلاً: مسألة ماهية سياسة الردع الملائمة للعصر، أو للفترة الراهنة، في مواجهة حرب العصابات والإرهاب؟

رابعاً، تأثير المواجهة (مع فصائل المقاومة) في المناطق (الفلسطينية) على القدرة القتالية القاصرة التي أظهرها الجيش الإسرائيلي (خلال حرب لبنان الثانية) وما هي الأضرار التي لحقت بأساليب القتال جراء انشغال الجيش في مهام الأمن الروتينية في المناطق الفلسطينية.

إشكالية طبيعة اللجنة

البروفيسور في القانون زئيف سيغل ناقش في مداخلته الإشكاليات والانعكاسات الناجمة عن كون اللجنة قد شكلت كلجنة "فحص حكومية" لا كلجنة "تحقيق رسمية". ورأى سيغل أنه لا يجوز محاكمة اللجنة بناء على امتحان النتيجة (وإن "كانت إيجابية") وإنما بناء على الطريقة التي أُتبعت في اختيارها، موضحاً أن أعضاء اللجنة اختيروا بطريقة "انتقائية" بناء على "معارضتهم للتدخل المفرط من جانب المستوى التنفيذي في اتخاذ القرارات". واستطرد سيغل مبيناً أنه و"على الرغم من عدم وجود خلاف حول مهنية وكفاءة أعضاء اللجنة، فإن كونهم أناساً موثوقين إنما ينطوي في حد ذاته على إشكالية" نظراً لأنه لو كانت المعطيات التي توصلوا إليها في المنطقة "الرمادية" لكانوا قد "كتبوا تقريراً يبرئ ساحة صانعي القرارات من أية تهمة".

وتابع سيغل: عدا عن موضوع "الموثوقية" فإن مسألة كون اللجنة "لجنة فحص" لا "لجنة تحقيق رسمية"، خلقت مشكلات في مسألة "العلنية" ومسألة "العدالة الطبيعية".. وأوضح: من ناحية "العلنية"، فإن "رفض اللجنة نشر الشهادات التي قدمت لها" والتي لا يضر نشرها بـ "أمن الدولة وعلاقاتها الخارجية" أدى إلى تقديم التماس ضدها إلى المحكمة الإسرائيلية العليا.. فلو كانت اللجنة من الأساس "لجنة تحقيق رسمية" لكانت ملزمة بالعلنية أو النشر، قدر المستطاع. ورأى سيغل على أية حال أنه "وفي ضوء مبادئ حرية المعلومات لم تكن اللجنة لتتعهد بعدم نشر شهادات إذا لم يكن هناك دافع أمني مقنع يبرر عدم النشر". وخلص إلى أنه كان يتعين على لجنة فينوغراد أن تحذو حذو "لجنة زايلر" (حققت في العلاقة بين الشرطة وعصابات الإجرام المنظم في إسرائيل) التي أجرت، رغم كونها "لجنة فحص حكومية"، معظم مداولاتها بصورة علنية.

وتطرق سيغل إلى المعايير التي قالت اللجنة إنها ستتبعها في التعامل مع المستوى السياسي، مشيراً إلى أن لجنة فينوغراد أضافت إلى معايير لجان التحقيق الرسمية السابقة (والتي كانت تعتبر "معايير معقولة" تأخذ في الحسبان "حجم المسؤولية" و"رؤية المولود") معايير "الحزم والوضوح" و"الدور القيادي"، كما قررت اللجنة أن من صلاحيتها أيضاً "إقرار توصيات شخصية" على أن تقوم بذلك "في التقرير النهائي".

واعتبر سيغل في ختام مداخلته أن للنقاش حول مسألة "نوعية اللجنة" انعكاسات أيضاً من ناحية "تطبيق التوصيات". وأنهى قائلاً: من أجل التحقيق في موضوع بحجم حرب لا بد من عمل شيئين: تحقيق عسكري من قبل شخصية مُحالة على التقاعد (ذات خلفية عسكرية وغير مدفوعة باعتبارات التقدم الشخصي)، وأن تقام لجنة تحقيق رسمية مُعَيَّنة من قبل رئيس المحكمة العليا.

ليبكين - شاحك: دور وأداء رئيس هيئة الأركان العامة...

رئيس هيئة الأركان العامة الأسبق (الجنرال احتياط) أمنون ليبكين- شاحك قال في مستهل مداخلته: عند مناقشة علاقات رئيس هيئة الأركان العامة مع المستوى السياسي، من المهم التطرق إلى عدد من الأصعدة.. الصعيد الرسمي (الأنظمة واللوائح الناظمة)، الصعيد غير الرسمي (كيف اعتاد رجالات الجيش والحكومات على العمل معاً)؛ التغييرات داخل الجيش (مثلاً التغييرات البنيوية)، وأخيراً الصعيد الشخصي (قوة الشخصية التي يتمتع بها المكلفون بالمنصب). وعاد ليبكين- شاحك إلى بداية عهد الدولة مشيراً إلى أنه وبينما كان رئيس هيئة الأركان العامة يشارك في ذلك الوقت في جلسات الحكومة على قدم المساواة، فقد الجيش بمرور الزمن هيمنته ونفوذه الواسعين. واستطرد مشيراً إلى أن الرقابة المدنية على الجيش تطورت في إسرائيل بصورة تدريجية سواء عن طريق سن قوانين خاصة (على سبيل المثال تم في أعقاب استنتاجات وتوصيات لجنة أغرانات- التي حققت في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 73- سن قانون أساس الجيش) أو عن طريق تطور قواعد ومعايير ذات صلة. ومن هذه الناحية، أعرب شاحك عن تقديره بأنه سيكون للجنة فينوغراد تأثير لا يقل عن تأثير لجان تحقيق رسمية.

ودافع الجنرال إحتياط ليبكين- شاحك في سياق مداخلته عن رئيس هيئة أركان الجيش (المستقيل) دان حالوتس، إزاء بعض انتقادات لجنة فينوغراد، ومنها أنه- حالوتس- ذهب إلى جلسة الحكومة وقد بلور قراره حول شن الحرب.. كما حمل على إدعاء اللجنة بأن قرار شن الحرب اُتخذ بشكل متسرع، وقال إنه إذا كان رئيس الأركان قد عرض سيناريو مقنعاً في هذا الصدد فهذا يعني أن القرار (بشن الحرب) لم يكن متسرعاً.. مع ذلك أكد أمنون ليبكين- شاحك أن "الديناميكية الجماعية التي تنشأ عندما يُنظَر إلى رئيس الأركان بصفته المرجعية العسكرية، وبالتالي يشعر متخذو القرارات بدونيتهم بالمقارنة معه من حيث فهمهم وإلمامهم العسكري، تجعل من الصعب عليهم معارضته أو الدخول في جدل معه". وأضاف أن ثقافة النقاش في هيئة الأركان العامة والمستشفة من تقرير اللجنة "لا تمت بصلة للثقافة التي يعرفها" مشيراً إلى "أهمية طرح الآراء المستقلة والعصف الذهني والتفكير الإبداعي". وأردف قائلاً إن "حظر التعبير عن مثل هذه الآراء حتى خلال مناقشات داخلية لدى وزير الدفاع كان أيضاً مسألة إشكالية".

وعرض ليبكين- شاحك نماذج مختلفة للعلاقات بين رئيس هيئة الأركان العامة ووزير الدفاع ورئيس الحكومة على مرّ السنوات، مشيراً في أمثلة ضربها على ذلك إلى أن (رئيس الحكومة الأسبق) دافيد بن غوريون اشترط شن حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) بتوفر مظلة جوية بريطانية- فرنسية؛ وفي حرب "الأيام الستة" (حزيران 1967) أجبر رئيس الحكومة على التخلي عن منصب وزير الدفاع بينما كان رئيس هيئة الأركان "يشعر بالخذلان" إزاء "اضطرار إسرائيل" لدخول الحرب؛ في حرب 1973 لم يكن لوزير الدفاع أي تدخل تقريباً واضطر (رئيس الأركان) دافيد بن اليعازار لدفع الثمن على الرغم مما تحقق من نجاحات عسكرية معينة أثناء الحرب، في (حرب) 1982 كان لوزير الدفاع أريئيل شارون ورئيس الأركان رفائيل إيتان تأثير ودور كبير جداً في قرارات الحرب وكان ذلك صحيحا تماماً؛ في العام 1991 (حرب الخليج الأولى) قرر رئيس الحكومة المتنفذ (إسحق شامير) عدم التدخل، أما الجيش (الإسرائيلي) فقد طرح موقفاً لم يكن حاسماً وجازماً بما فيه الكفاية.. وفي (حرب لبنان الثانية) 2006 كان رئيس هيئة الأركان متنفذاَ ومؤثراً جداً (في قرارات الحرب) فيما كان المستوى السياسي فاقداً للثقة والخبرة، كذلك فقد رئيس هيئة الأركان أيضاً فيما بعد من ثقته بنفسه.

ساغي: انعكاسات على النظرية الأمنية والحرب المقبلة ... مع سورية

في طروحات مشابهة لتلك التي عرضها زئيف شيف، أكد الجنرال (احتياط) أوري ساغي أن العيوب والثغرات التي تعتري عملية اتخاذ القرارات الإسرائيلية لم تبدأ في حرب لبنان الثانية، وأضاف أن تقرير لجنة فينوغراد "كشف مرة أخرى فجوة مقلقة بين الأهداف الإسرائيلية وبين قدرة الجيش على تحقيقها". وأردف مؤكداً "فضلاً عن ذلك فقد أظهر الجيش أيضاً قدرة تنفيذية محدودة".

وقال ساغي إن إسرائيل تتمتع بأفضلية (لكنها عبء في الوقت ذاته) من حيث أنها "تعرف تماماً ساحاتها القتالية، ومن هو عدوها وكيف يمكن لها الاستعداد لهذه المعارك والحروب"، لكنه أضاف مستدركاً "مع ذلك فإن هذه المعرفة لدى صانعي القرارات ليست بالضرورة وعياً" ولذلك- تابع ساغي في نفس السياق- يقع على رجالات الجيش واجب مضاعف بضرورة تقويم الوضع بشكل صائب. وأكد الجنرال السابق (الذي لم يقيض له تقلد رتبة رئيس هيئة الأركان) أن "عملية تقويم الوضع في الجيش هي حدث جماعي وليس شخصياً" مشدداً على وجوب "تشجيع، وليس كبت، اللاتطابق بين التقويم الاستخباراتي وتقويم الوضع".

وتطرق ساغي إلى ما أسماه بالأركان الثلاثة التي تقوم عليها النظرية العسكرية الإسرائيلية (الإنذار، قدرة الردع وقدرة الحسم) مشيراً إلى "مشكلات اعترت هذه الأبعاد الثلاثة خلال حرب لبنان الثانية". وأوضح لافتاً في إشارة تبرير أكثر منها اعتراف إلى أنه "لم يتوفر إنذار مسبق حول نوايا الاختطاف" (قاصداً العملية التي أسر خلالها مقاتلو "حزب الله" الجنديين الإسرائيليين والتي شكلت الذريعة الرسمية لشن الحرب العدوانية الثانية على لبنان في 12 تموز 2006). وفيما يتعلق بالركن الثاني ("قدرة الردع") أقر الجنرال ساغي بأن "قدرة الردع الإسرائيلية لم تعد تثبت نفسها على الصعيد التكتيكي- العملياتي.." وأن مفعولها بات محصوراً "في مسائل إستراتيجية فقط"، كما قال. كذلك أقر ساغي فيما يتعلق بـ "قدرة الحسم" (الركن الثالث في النظرية العسكرية الإسرائيلية) بأن إسرائيل "لم تنجح في التغلب على حزب الله" وهو ما يثير في رأي الجنرال ساغي السؤال حول "ما إذا كان مثل هذا الحسم- الانتصار- ممكناً؟!". وزاد في السياق ذاته، معترفاً أيضاً، أن حرب لبنان الثانية "كانت حرباً إخفاقاتها أكثر بكثير من إنجازاتها" مشيراً إلى أن ما يصفه بعض المسؤولين الإسرائيليين بـ "بعض المكاسب" التي حققتها إسرائيل في الحرب كـ "نزول الجيش اللبناني إلى الحدود" ما هي إلاّ "حالة مؤقتة"، حسب تأكيده. واستطرد مشدداً على أن "الفشل الإسرائيلي- في الحرب- أثار أصداء واسعة في العالم العربي والعالم الغربي وأدى في الوقت ذاته إلى عملية أخذت تفقد فيها إسرائيل ثقتها بالنفس" حسب تعبيره.

وحذر الجنرال ساغي من أن إسرائيل تواجه كما ونوعاً من "التهديدات" التي "لا يوجد لها رد عسكري فقط". كما حذر مما وصفه بـ "التوقعات القائمة" بشأن "ماهية طابع الحرب التقليدية-المحتملة- مع سورية" وقال جازماً إن إسرائيل لن تتمكن (إذا ما نشبت حرب جديدة مع سورية) من إحراز "حسم كلاسيكي بالصورة التي يذكرها الجميع" وبالتالي- ختم ساغي مداخلته مرجحاً- أن تضطر الأطراف في نهاية المطاف إلى الجلوس "والتباحث في المواضيع التي تمتنع اليوم- قبل اندلاع الحرب- عن التباحث فيها".

آيلاند: عن عملية اتخاذ القرارات على المستوى الحكومي

الجنرال (إحتياط) غيورا آيلاند، أشار بدوره، في بداية مداخلته، إلى عدد من "مواطن الضعف" في عملية اتخاذ القرارات في إسرائيل، و"خاصة في إطار جلسات الحكومة". وقال منتقداً إن هذه كانت، من جهة، أشبه بـ "مسرحية" يتم فيها المصادقة "شكلياً فقط" على القرارات المهمة. وتابع موضحاً أن "النقاش المتعلق بالقرارات جرى غالباً في إطار محافل مقلصة أكثر". وبحسب آيلاند فإنه لا تتوفر لدى صانعي القرارات معرفة وإدراك كافيان لما وصفه بـ "قدرات الجيش الإسرائيلي" مشيراً إلى وجود "مشكلة كبيرة في طريقة إدارة النقاش" خلال جلسات الحكومة، التي كان آيلاند يشارك فيها (وخاصة جلسات المجلس الوزاري المصغر) بصفته رئيساً (سابقاً) لـ "مجلس الأمن القومي" العامل في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية. وتابع آيلاند مفصلاً أن عدم وجود جدول أعمال واضح ومحدد وكذلك جدول زمني- في جلسات الحكومة- يؤدي إلى "تكريس معظم وقت الجلسة للاستماع إلى استعراض للأوضاع تقدمه الجهات الأمنية" الأمر الذي يُغيَِِّب حسب قوله "مناقشة البدائل المختلفة" للقرار أو الاتجاه المتبلور، وهو ما يفضي بالتالي إلى جعل وزراء الحكومة يكتفون "بتوجيه السؤال لرئيس هيئة الأركان العامة حول ما يقترحه أو يوصي به". وأضاف "في ظل مثل هذا الوضع يغدو الاختيار هو بين العمل بناء على توصية رئيس هيئة الأركان أو عدم العمل، وسط التغاضي عن خيارات أخرى لم تطرح نهائياً للنقاش".

وتطرق آيلاند إلى "الإشكالية" الكامنة في عدم وجود "هيئة جادة تساعد رئيس الحكومة في اتخاذ القرارات". فضلاً عن ذلك، تابع آيلاند، فإن رئيس الحكومة يواجه صعوبة في إشراك وزيري الدفاع والخارجية في ما يساوره من تردد وتخبط عند إقدامه على اتخاذ قرارات، وذلك نظراً لأن وزير الدفاع يكون في الكثير من الأحيان من حزب منافس (لحزب رئيس الحكومة) بينما يكون وزير الخارجية (وفي الحالة المقصودة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني) متزعماً للمعارضة داخل حزب رئيس الحكومة ذاته.

وكحل لإشكالية ضعف طاقم رئيس الحكومة وتنفذ الجيش في عملية اتخاذ القرارات اقترح آيلاند إعادة إقامة "الطاقم الأمني- السياسي" في مكتب رئيس الحكومة. وعاد آيلاند في نهاية مداخلته إلى متعلقات وظروف حرب لبنان الثانية مشيراً إلى البدائل التي كان يجب أن تطرح للنقاش عقب عملية "اختطاف" الجنديين الإسرائيليين في تموز 2006 وهي حسب رأيه: خيار القيام بعملية "انتقام" جوية قصيرة في أمدها و"لكن منقطعة النظير كعملية عقابية" حسب تعبيره، على أن يكون هدف مثل هذه العملية "ترميم الردع" الإسرائيلي وليس استعادة الجنديين الأسيرين لدى "حزب الله". البديل الثاني فصَّله آيلاند على النحو التالي: إذا كانت المشكلة المركزية التي جرى تشخيصها تتمثل في قوة "حزب الله" المتعاظمة، وليس فقط "اختطاف الجنديين"، فإن الحل (الخيار) الأفضل، حتى وإن ترتب عليه "ثمن باهظ ومخاطر"، هو "تجنيد فرقتين أو ثلاث فرق عسكرية والشروع بعملية (اجتياح) برية واسعة". وعلى رأي آيلاند فإن مثل هذا الخيار "ينطوي على فرصة نجاح عالية نسبياً". أما البديل الثالث فكان حسب آيلاند "تشخيص الحاجة الإستراتيجية" للقيام بعملية كاسحة ضد "حزب الله"، فيما كان البديل الرابع والأخير، في رؤية الجنرال آيلاند "اختيار حل سياسي وتحديد سقف بمساعدة المجتمع الدولي يكون متفقاً بناء عليه أن إسرائيل لا تستطيع السكوت على ما حدث".

شتاوبر: ضرورة الحدّ من صلاحيات الأفراد

طرح د. تسفي شتاوبر (رئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب)، في ختام الندوة، ثلاث نقاط للنقاش، وقال في الأولى إنه على الرغم من أن إسرائيل تعتمد بدرجة كبيرة على قدراتها العسكرية إلاّ أنه بدأت تتضح أكثر فأكثر محدودية هذه القدرات. وفي النقطة الثانية عرض شتاوبر قلقه من اقتراح سابقه في الحديث (آيلاند) بشأن تعيين "موظف- منسق- أعلى" ذي صلاحيات واسعة، وقال إنه لن يكون صحيحاً إعطاء فرد واحد صلاحيات ونفوذ أكثر من اللازم، مشيراً إلى أن أي مسؤول يتولى منصبه بالتعيين وليس بالانتخاب، يستحوذ على ثقل هائل في عملية اتخاذ القرارات وهذا أمر ينطوي على إشكالية كبيرة جداً.

أما النقطة الثالثة التي طرحها شتاوبر للنقاش فتتلخص حسب قوله في حقيقة أن "احتكار المؤسسة الأمنية للاستخبارات الإستراتيجية يخلق نتائج مشوهة" داعياً في ختام حديثه إلى وجوب إيجاد وتعزيز جهات من خارج المؤسسة العسكرية قادرة على تحقيق التوازن المطلوب.

[عقد اليوم الدراسيّ في أواخر شهر أيار الماضي. ترجمة وإعداد: المشهد الإسرائيلي]