ترشيحا تريد الانفصال أيضًا

قبل أن تصل إلى ترشيحا، تمر في مفرق الكابري، القرية التي لم يبق من أهلها أحد في هذه البلاد، أي من الباقين على أرضهم ووطنهم وفي بيوتهم إلى آخر القائمة.
في ترشيحا تتضح القائمة بالقائمة، كيبوتس معونا على اليمين، ثم طريق كم يليق بمداخل البلدات العربية. نفس الكلمات تقريبا، ونفس الحالة، ولا شيء فوق العادة ولا تحتها ولا حتى العشب الأخضر، الذي يطل من أماكن كثيرة

لكل بلدة حساباتها، ولترشيحا حساباتها أيضا. بلدة عمرها 800 عام، وزيادة في التعريف يؤكد سكانها أنها "بلدة قديمة"، قديمة جدا، لكن أحدا لا يأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، وبالذات بلدية معلوت "شريكة" ترشيحا في التسمية المفروضة من وزارة الداخلية منذ 1963 "من أيام الحكم العسكري"، كما لا ينسى أحدهم أن يذكّر.

قدر الله أن أتواجد في ترشيحا بالضبط حين كان أهاليها يستعدون للخروج في مظاهرة "هي واحدة من سلسلة نشاطات"، كما قال لي عضو المجلس من التحالف الوطني نخلة طنوس. الى أين- سألته؟. "لن نتراجع ولا تراجع ولن نقبل إلا بإعلان ترشيحا بلدة مستقلة بمعزل عن معلوت"، أجاب.

ترشيحا بلدة على الحدود، تقع على مكان في غاية الجمال، منها تشاهد البحر، غير أنها وبحسب وزارة الداخلية منذ 1963بلدية مشتركة مع جارتها معلوت، الشراكة هنا اسمية على الورق.

"منذ 40 عاما فرضت الشراكة على معلوت"، كما يقول نخلة طنوس. ويضيف "هذه هي الشراكة العربية واليهودية في البلاد. وكان من المفروض أن تعطي مثالا للتعايش العربي- اليهودي. لكن ما برز وتحديدا منذ 6 سنوات، ومنذ أن أعلن عن معلوت- ترشيحا مدينة، هو محاولات لطمس ترشيحا نهائيا، طمس هويتها العربية وتحويلها إلى حي في مدينة معلوت الكبرى، وهذا ناتج عن التخطيطات المتواصلة للاستيلاء على أراضي ترشيحا، بعد أن أقاموا مستوطنات على أرضها".

محاصرة


لست بحاجة إلى ذكاء خاص وفهم عميق بالجغرافيا والطوبوغرافيا حتى تفهم أين تقع ترشيحا، بلدة محاصرة أقيمت على أرضها وحاصرتها قرية الورود، التي أقيمت على ثلاث مراحل، فقط في بلادنا تصبح للورد معان أخرى، مثل تلك التي يعرفها أهالي ترشيحا.

46 ألف دونم كانت تملك ترشيحا قبل عام1948 ، و18 ألف دونم كان يملك مجلس ترشيحا المحلي قبل عام 1948. على أراضي ترشيحا بنيت ما يقارب 11 مستوطنة يهودية، "وكل مطلبنا أن يبقى 3 آلاف دونم تحت سيطرة ترشيحا"، عضوان عربيان من مجموع 13 في بلدية معلوت- ترشيحا، يمثلون 4500 مواطن في ترشيحا و 19000في معلوت. في ترشيحا يجيد الناس الحسابات بالنسب، 25% ، 13% ، 42% ، إلى آخر قائمة الأرقام، "نسبتنا في الميزانيات أقل دائما، نسبتنا في العمل أقل دائما، مطلبنا الآن أن يكون مجلس محلي ترشيحا، لا تنقصنا كفاءات، ترشيحا فيها كفاءات، لا نريد وصاية، من حقنا أن لا يكون أحد وصيًا علينا، لدينا أزمة سكن، عدد الشبان من جيل 18- 35 يصل إلى 400 شاب، هؤلاء بحاجة إلى بيوت، أين يذهبون؟! ومن أين لهم أرض يبنون عليها البيوت؟! قسم كبير من أهالي ترشيحا من القرى المهجرة ولا يملكون أرضا أساسا، كيف يمكن أن نحل هذه المشكلة، ترشيحا محاصرة من كل الجهات، وبلدية معلوت لا تريد أن تحل مشاكل ترشيحا، على العكس، هناك من يريد أن يشطب البلدة عن الخارطة نهائيا، هذا ما يحدث. في الحقيقة المسألة ليست مكانا للسكن، هذه بلدة لها تاريخ، كانت إحدى البلدات المركزية في الجليل، وهناك من لديه رغبة بأن يمسحها نهائيا ويحولها إلى حي، مجرد حي"، كما يقول طنوس.

الأرقام في ترشيحا لا تكذب، من مجموع 420 موظفا في البلدة هناك 38 موظفا من ترشيحا فقط. تبلغ ميزانية بلدية معلوت - ترشيحا 110- 120 مليون شاقل، "من حقنا أن نحصل على 20% من الميزانية"، كما يقول عضو اللجنة الشعبية أندريه اندراوس، "لكن ما يصرف على ترشيحا يتراوح بين 6-7 ملايين شاقل، تصرف على 4500 مواطن، يشكلون 800 عائلة، وهذه العائلات تدفع سنويا 4 ملايين شاقل. في الحساب البسيط فقط 3 ملايين شاقل تصرف على ترشيحا، نحن لا نستفيد من هذه الميزانية بتاتا"، كما يقول اندراوس. والأرقام بالنسبة له لا تكذب، هذه هي الحقائق، وهذا هو الواقع. على ذلك "من حقنا- يقول اندراوس وغيره- أن تكون لدينا سلطة محلية مستقلة، ومن حقنا أن ندير شؤوننا بأنفسنا، ولا نريد أن يكون أحد وصيا علينا".

ويتابع اندراوس: "الوصاية بحسب وزارة الداخلية، أي السلطة، قائمة وما زالت، ليس هذا الأسبوع، بل منذ أيام الحكم العسكري، الوصاية في بلادنا لا تنتهي بمجرد أن طالب الناس بذلك، المسألة بحاجة إلى نضال حقيقي، والأهم بحاجة إلى نفس طويل، في هذه البلاد بدون نفس طويل لن تصل إلى أي مكان، والمشكلة أن الذي يقف أمامك، في وجهك لديه نفس أطول، ويبقى السؤال من سيتعب أولا، نحن نقول ونؤكد وهذه المرة نرى أنه طفح الكيل، وما عاد بإمكان أحد أن يتحمل، نحن نشعر أحيانا أننا عدم، ونحن أناس وبشر، ولدينا حياة، وعليه لن نقبل هذا الأسلوب من التعامل، التعامل معنا سيء أكثر مما قد تعتقد، صحيح قد تشاهد هنا عشبا أخضر، وهناك وردة، وهنا دوار وهناك رصيف، لكن هذا كله قشرة، فظهر الحقيقة أننا لسنا ضمن حسابات بلدية معلوت، لا من حيث الميزانيات، ولا من حيث الأراضي ولا من حيث أي شيء، هذه هي الحقيقة باختصار".

سياسة الأكثرية

الاختصار لا يفيد كثيرا هنا، على العكس تماما، ترشيحا بحاجة لمن لا يختصر، "لن نتراجع عن هذا المطلب"، عاد طنوس وأكد مرة أخرى "إذا تراجعنا فسيكون هذا انتحار لمستقبل ترشيحا" كما يحذر. وهل ينتحر المستقبل؟ متعلق كيف نفهم الحياة، لكن المخاوف التي يعيشها الناس تحاصرهم وترعبهم أحيانا، "خوفنا أن نتحول مثل الحال في المدن المختلطة، عكا ويافا وحيفا واللد والرملة، نحن نخاف من مثل هذه الحالة، ونحن نريد أن نحافظ على هويتنا، ولا حل إلا في الانفصال، لأنه مهما نعمل ومهما عملنا سنبقى أقلية في معلوت، سياسة الأكثرية هي التي تقرر كما تعلم، ونحن لسنا أكثرية، ولا نستطيع أن نؤثر كثيرا على ذلك إلا بسلطة محلية مستقلة".

هل استيقظت ترشيحا مؤخرا، وهي منذ أكثر من أربعين عاما تحت "الوصاية"، لماذا الآن بالذات؟ "وقعنا اتفاقية مع رئيس البلدية، اتفاقية ائتلاف، بموجبها نضمن لترشيحا حقوقها، لكن رئيس البلدية لم يحترم الاتفاق، هناك أمور يجب أن نقرر بها، أمور تخصنا، مثل قضية الأراضي، لا يعقل أن لا يكون لنا أي تأثير، رئيس البلدية لم ينفذ الاتفاق وقرر التصرف دون أن يحترم الالتزام، كما أن البلدية حولت المدرسة الثانوية الشاملة إلى شبكة أورط، هناك احتياجات وخصوصيات لنا، والرئيس لا يريد أن يحترمها، وأكبر وأخطر ما في هذا الأمر هي قضية الأراضي".

لم يبق لترشيحا الكثير، ولا حتى منافذ، "من الشرق معلوت، من الشمال شارع 89 ومستوطنة معونا، من الجنوب قرية الورود، ولدينا فقط متنفس في الجهة الغربية، والتي تسيطر عليها كفار فرديم ومعونا كذلك، المشكلة أن هناك مسطح مدينة، وترشيحا هي حارة داخل هذه المدينة، واحتياجاتها لا تؤخذ بعين الإعتبار، والمسألة لا تقتصر على الميزانيات فقط".

"أكثر شيء يخيفنا هو المستقبل"، كما يقول أحمد شريح، عضو اللجنة الشعبية، "بإمكاننا أن ندير هذه البلدة، وبإمكاننا أن ندير أمورنا، لدينا إمكانيات، ولدينا كفاءات، الأبواب كلها مغلقة أو على شفا أن تغلق، إذا أغلقت كل الأبواب فأين سيذهب الشباب، هل لديه نية ليبعدنا إلى بلاد أخرى؟" كما يسأل، وهو ليس الوحيد الذي يخيفه المستقبل: "الأرض لأهالي ترشيحا، ونحن معتادون على نمط حياة اجتماعية مختلف، احتياجاتنا تختلف عن تلك التي عند اليهود، وأنا لا أستطيع حتى الآن أن أسكن في بيت فوق جاري أو تحته، بالإمكان توسيع مسطح ترشيحا وحل المشكلة، نحن نريد مسطح بناء لترشيحا وليس مسطحا لمعلوت – ترشيحا"، كما يضيف.

مشكلة مع الرئيس

بالنسبة لرئيس بلدية معلوت شلومو بوحبوط، هناك بلدة واحدة، وبلدية واحدة، و"أنتم جزء منا" كما يقال في العادة للأعضاء العرب في البلدية، وتم التصويت أو المطالبة من قبلهم، "لدينا مشكلة معه كرئيس" كما يقول شريح، "ممنوع أن يقال لا، له الحق أن يقول لا ولا يوجد لأحد الحق أن يعارض ذلك، وكل من يقول لا يصبح عددا، لا يوجد لديه احترام".

في لغة "النعم" و"اللا" و"الموافق" و"المعارض" يعرف بوحبوط جيدا، ومعه أهالي ترشيحا، أن المسألة ليست رفع أصابع ومعارضة ومؤيدين، هناك سياسة، "ترشيحا بلدة مركزية في المنطقة، ومنذ ما بعد النكبة هناك مخطط لتقزيم دورها القيادي وأحد أساليب تقزيمها كان ضمها لمعلوت"، كما يقول عضو البلدية، د. رياض بشارة.

بشارة يعرف أن البلدية بتركيبتها الحالية هي لصالح معلوت و"إرادة أهالي ترشيحا مقزمة، وهذا برز في السنتين الأخيرتين، واضح أن قضية البناء والتخطيط في غاية الخطورة، ولا يمكن أن نحل هذه المشكلة، ولا يمكن أن نحافظ على كيان هذه البلدة، إلا إذا كانت بلدة عربية مستقلة، بحيث يتم فصلها عن معلوت، نحن نريد أن نبقى قرية عربية، وحتى يكون الأمر كذلك، فلدينا مطلب، وهو حل الشراكة مع معلوت". ويضيف: "في السنوات الأخيرة يتم عزل وهدم كل ما يعطي لترشيحا صبغة مستقلة، وذلك تمهيدا لجعل ترشيحا حيا في مدينة كبيرة مختلطة، وهذا هو الكابوس أن نصبح حيا في مدينة مختلطة، هذا كابوس، وسنعمل المستحيل، وليس لنا خيار آخر حتى نبطل هذا القرار، من أجل أن نحافظ على قريتنا"، كما يقول، مؤكدا مرة أخرى أن ما يقلقه هو "كنس الهوية العربية لترشيحا، وتحويلها إلى حي داخل مدينة".

"هذه البلدة أسميت ترشيحا على اسم شيحا، أحد قادة صلاح الدين الأيوبي، لن نسمح أن نطمس هذه القرية باسم التعايش المزيف، ترشيحا تعيش في تعايش، لكن غيرها لا يفعل ذلك، نحن نريد أن نكون بمستوى غيرنا، ولا نريد لأحد أن ينظر إلينا من أعلى، أما فرض سياسة غير مقبولة باسم أهالي ترشيحا، فهو أمر مرفوض وسنقاومه حتى النهاية"، أقوال بشارة.

يعرف أهالي ترشيحا بفطرة العلاقة مع معلوت أن هناك أمورا كثيرة مضحكة، مثل الإدعاء أن هناك منطقة صناعية في البلدة، "الرئيس يضحك علينا، ويقول إن هناك منطقة صناعية"، كما يقول أحمد شريح، وهو يعرف جيدا الرئيس، مثلما يعرفه الكثيرون من أهالي البلدة، "واحدة من الخطوات التي قد ننوي تنفيذها هي إقامة لجنة شعبية خيرية، تتولى وتدير شؤون ترشيحا، في بلدة يهود مثلا حصل أحد الأحياء على حكم ذاتي، حيث يدير شؤونه بنفسه، ابتداء من أيلول وبموافقة وزير الداخلية، هذه إمكانية واردة في ترشيحا نحن لا نطالب بأشياء مستحيلة"، كما يضيف.

ما يبدو عاديا عند البعض يبدو مستحيلا عند البعض الآخر، غير متعلق من أين تنظر للأشياء، أي من أي زاوية، "هذه الشراكة مزيفة، نطالب أن يكون مجلس مستقل، ولا بديل عن ذلك، هو يريد أن يمسحنا عن الخارطة، حتى الفرق الرياضية في ترشيحا تم حلها، لأنها لم تحصل على ميزانيات، لأنها تحمل اسم ترشيحا"، كما يجيد شريح تفسير الحالة.

الكوابيس لا تنتهي في هذا المكان، متعلق في أي ساعة تذهب إلى النوم، وماذا تسمع قبل أن تنام، "المشكلة بالشراكة مع معلوت هي سياسة التمييز العنصرية، المشكلة في هذه الشراكة هي أن هذه شراكة العبد والسيد، الفرس والفارس، نحن لا نتحكم بأراضينا"، كما يقول جابي شاهين، الذي جاء ليشارك في المظاهرة التي نظمتها اللجنة الشعبية في ساعات ما بعد عصر الأحد الماضي، "أصعب شيء هو البناء، نحن لا نتحكم بأرضنا، نحن لا نتحكم بأي شيء، والمطلوب هو فض الشراكة مع معلوت، آن الأوان أن نفك هذه الشراكة"، كما ينهي.


و"عاشت ترشيحا حرة مستقلة"، كما صرخ الشعار على الجارزة السوداء!