ظاهرة الفساد في إسرائيل تهدّد استقرار الحكومة

كتب بلال ضاهر

تزايد الكشف عن قضايا فساد ضالع فيها مسؤولون سياسيون في إسرائيل، طالت الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف ورئيس الحكومة ايهود أولمرت ومؤخرا مديرة مكتبه شولا زاكين وكثيرين غيرهم. ووصلت فضائح الفساد حدا غير مسبوق وحتى أنها أصبحت تشكل ظاهرة. وتكاد لا تخلو وسيلة إعلام إسرائيلية، مؤخرا، من تقارير حول فضائح فساد سلطوي. وقال رئيس "الحركة من أجل نزاهة الحكم في إسرائيل"، المحامي إلعاد شراغا، في مقابلة خاصة لـ"المشهد الإسرائيلي" إن ظاهرة الفساد في إسرائيل أصبحت مقلقة جدا حتى أنها تهدد استقرار الحكومة في إسرائيل.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تفسر حجم الفساد السلطوي الكبير الحاصل في إسرائيل في السنوات الأخير؟

- شراغا: "لقد أصبح المسؤولون في أجهزة الحكم ماديين ويسجدون للمال، ويرون أن الله أصبح موجودا في البورصة وأسهم ناسداك. مجتمعنا كله أصبح ماديا أكثر من قبل. وينتج عن هذه النزعات المادية الفوارق الاجتماعية بين الشرائح القوية والضعيفة التي لا يمكن احتمالها. وترافق عملية من هذا النوع عملية فساد القيم والأخلاق التي أصبحت واجهة المجتمع، وهذه الحال لم تكن سائدة في هذه الدولة في الماضي. وفيما عدا ذلك فإن جهاز فرض القانون في إسرائيل ضعف كثيرا، وأنا أتحدث عن الشرطة والنيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة وجهاز المحاكم".

(*) لماذا؟

- شراغا: "لأن الحكومة تريد أن تكون هذه الأجهزة ضعيفة وأيضا لأنه لم يتم رصد الميزانيات الكافية، وكذلك لأن أفراد الشرطة بدلا من الانشغال بمحاربة الفساد والجريمة ينشغلون أكثر بالشؤون الأمنية الجارية. وعندما يكون هناك جهاز ضعيف لفرض القانون، وعندما تغيرت القاعدة الأخلاقية، فإن ما يحدث هو تفجر الفساد كما هو حاصل في إسرائيل اليوم".

(*) هل وضع الفساد في إسرائيل شبيه بوضع الفساد في دول أوروبا والولايات المتحدة؟

- شراغا: "بشكل أو بآخر فإننا موجودون في المستويات ذاتها في تلك الدول، وهذا طبعا لا يعزينا، فنحن نريد أن نكون أكثر دولة ديمقراطية من جهة وأكثر دولة تتمتع بنظافة اليد من الجهة الأخرى. لكن المشكلة في هذا السياق هو أننا غير موجودين في المكان الأفضل وقد تدهور تدريج إسرائيل من ناحية الفساد بين الدول المتطورة في السنوات الأخيرة. لكن يتوجب أن نتذكر أنه رغم كل شيء فإن الشرطة هنا لا تخاف أحدا وتقوم بالتحقيق مع الجميع، من رئيس الدولة إلى رئيس الحكومة وأعضاء كنيست، وهذا يعني أنه على الرغم من الجوانب السلبية فإن ثمة جوانب ايجابية. وهذا يعني أن كل واحد ومهما كان منصبه رفيعًا قد يدفع الثمن مقابل أعمال فساد أو شابه تورط بها، من أجل وقف هذا الوباء. من جهة أخرى فإنه في دول أخرى ربما مثل أعمال الفساد هذه لا يتم الكشف عنها أو معالجتها".

(*) إلى أي مدى يجب أن تقلق فضائح الفساد هذه المواطن العادي وما هو مدى تأثيرها عليه؟

- شراغا: "أعمال الفساد هذه يجب أن تثير قلق كل واحد. الفساد هو أمر هدام. ويجب أن يكون المواطنون قلقين، فهذه الأمور تؤثر على الدولة وتعيق تطورها ولذلك يتوجب القيام بكل شيء من أجل اجتثاث هذه الظواهر".

(*) هل تعتقد أن حالة الفساد هذه، وخصوصا في مكتب رئيس الحكومة، تضعف استقرار الحكومة الإسرائيلية؟

- شراغا: "لا شك في ذلك. إذ أنه عندما يتم التحقيق مع رئيس الحكومة أو في قضايا فساد مشتبه رئيس الحكومة بالضلوع فيها، وعندما يتم التحقيق مع عدد من الوزراء، مثل وزير المالية الذي تقرر الآن التحقيق معه، وهناك قضية وزير العدل (حاييم رامون الذي يواجه تهمة التحرش الجنسي) فإن كل هذا يهدد استقرار الحكومة. فإذا تقرر تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة صباح غد مثلا فإنه لن تكون هناك حكومة أكثر لأنه سيتم حلها".

(*) ولهذا فإن دولا أخرى، في أوروبا والولايات المتحدة، قلقة من هذا الوضع الحاصل في إسرائيل؟

- شراغا: "هذا ممكن. لكن من جهة أخرى على هذه الدول أن تفحص ما عندها. فعندنا على الأقل يتم معالجة هذه القضايا ويتم وضعها على الطاولة ولا يتم إخفاؤها. رغم ذلك فإن الوضع في إسرائيل مقلق وعلينا كمواطنين أن نكون قلقين وأنا قلق جدا من هذا الوضع".

(*) هل تعتقد أنه يتم الكشف عن قضايا فساد في إسرائيل أكثر من دول أخرى؟

- شراغا: "أعتقد نعم. فنحن مجتمع منفتح للغاية ووسائل الإعلام تصل إلى كل مكان. ونحن دولة تحب كثيرا أن تنبش في قضاياها وفضائحها".

(*) هل هذا أمر صحي؟

- شراغا: "حتى حدود معينة. من جهة أخرى فإنه في الدول العربية لا يتم الكشف عن قضايا الفساد مثلما يفعلون في إسرائيل، فهناك يتم كنس كل شيء تحت الطاولة ولا يتم التحقيق فيها وهذا أمر سيء. وهنا من أجل أن تصبح رئيس حكومة من دون أن يتعرض أحد لك يجب أن تكون قديسا طاهرا وتتمتع بنظافة اليد، وهذا أمر صعب جدا أن يكون الإنسان قديسا. رغم ذلك فإن الكشف المكثف عن قضايا الفساد هنا والانفتاح على هذه الناحية يلزم منتخبي الجمهور بالحذر البالغ. وأرى أنه لا توجد طريقة أخرى لتنظيف أنفسنا، ومن أجل أن نشعر أننا أخلاقيون ونظيفون ومتمسكون بقيمنا ثمة أهمية لعبور عملية الطهارة هذه، وحتى لو كانت عملية مؤلمة جدا فإنها صحيحة جدا".