توقعات بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسب عالية خلال شهر

*المحللون الاقتصاديون يحذرون من تضخم مالي متستر وزاحف بشكل تدريجي*عوامل في الأسواق العالمية وراء ارتفاع المواد الغذائية الخام*ارتفاع قيمة صرف الدولار بنسبة 10% خلال أقل من ثلاثة أشهر*البورصة تهبط بنسبة 10% خلال أسبوع*

لوحظ في الأيام الأخيرة أن حالة من القلق بدأت تسود الاقتصاد الإسرائيلي على ضوء سلسلة من المعطيات، من أبرزها ارتفاع سعر صرف الدولار بنسبة 10% خلال أقل من ثلاثة أشهر، وتوقعات بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والاهتزازات العنيفة التي شهدتها أسواق المال الإسرائيلية، البورصة، التي سجلت انخفاضا بنسبة 10% في غضون أسبوع واحد.

ومن السابق لأوانه الحديث عن انهيار اقتصادي، ولا أحد يتكلم عن هذا الموضوع في إسرائيل، إلا أن ما يحدث هو بعكس أجواء الاستقرار الاقتصادي التي عاشتها إسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة، وسجل فيها الاقتصاد نموا عالية وحالة من استقرار الأسعار.

وهذا ما دفع الصحف الاقتصادية والملاحق الاقتصادية في الصحف الكبيرة للصدور بعناوين صارخة تحذر من الارتفاع الحاد في المواد الغذائية في الأسابيع القليلة القادمة، وحتى قبل موسم الأعياد اليهودية الذي سيبدأ في منتصف الشهر القادم- أيلول/ سبتمبر.

ويتوقع المراقبون في إسرائيل أن يصل ارتفاع المواد الغذائية حتى الشهر القادم إلى نسبة 10%، وهذا يعود إلى سلسلة من الأسباب في غالبيتها خارجية. ويقول أصحاب كبرى شركات تسويق المواد الغذائية في إسرائيل، إن محاصيل الحبوب في العالم تلقت ضربة قاسية بسبب تقلبات المناخ في الكثير من مناطق العالم.

كذلك فإن الكثير من أصحاب حقول القمح وحبوب الصويا في العالم انتقلوا لزراعة الذرة، بعد اكتشاف إنتاج مادة الاتونول من نبات الذرة، وهي المادة التي تشكل وقودا طبيعيا يتزايد الطلب عليه في العالم، وهذا الأمر يقف أيضا من وراء ارتفاع أسعار القمح في العالم بنسبة 41% في الشهرين الأخيرين، أما أسعار حبوب الصويا فقد ارتفعت في نفس الفترة بنسبة 31%، في حين ارتفعت أسعار حبوب الذرة بنسبة 3ر9%.

وهذا إلى جانب الارتفاع الحاد في أسعار النفط، وهي الطاقة التي تنتج المواد الغذائية وتنقلها من مكان إلى آخر، وتشكل عنصرا هاما في تحديد سعر المادة الغذائية.

لكن ما يلفت النظر هو أن جهات اقتصادية عالمية ترى أن من أسباب ارتفاع المواد الخام الغذائية، هو ارتفاع المستوى المعيشي لدى مئات ملايين البشر في الصين وشرق آسيا، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على هذه المواد الغذائية في الأسواق العالمية.

إلا أن المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، ساريت مناحيم، ترى أن اتفاقيات الأجور الجديدة التي تم التوقيع عليها بين اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، والحكومة، ستؤثر هي أيضا على ارتفاع الأسعار، على الرغم من أن الاتفاقية المذكورة تقضي بتلقي العاملين علاوة غلاء بنسبة 5%، مقسمة على ثلاث مراحل، الأولى في مطلع العام القادم 2008، والثانية في منتصفه، والثالثة في مطلع العام الذي يليه 2009.

كذلك فإن قيمة الشيكل (العملة الإسرائيلية) انخفضت منذ نهاية شهر أيار/ مايو الماضي وحتى اليوم بنسبة 10% مقابل الدولار، الذي عاد عمليا إلى مستوى صرفه الذي كان عليه حتى مطلع شهر آذار/ مارس الماضي- في حدود 3ر4 شيكل.

وكان سعر صرف الدولار قد شهد انهيارا كبيرا منذ مطلع آذار/ مارس وحتى النصف الثاني من شهر أيار/ مايو، وهبط إلى مستوى 93ر3 شيكل، وهو المستوى الذي كان عليه قبل تسع سنوات، ولكن هذا الهبوط لم يجر وراءه هبوطا في الأسعار، أما الآن فإن ارتفاع سعر صرفه ينبئ برفع أسعار الحاجيات المرتبطة بالدولار، وغالبا إما مستوردة أو أنّ موادها الخام مستوردة.

وقد سجل التضخم المالي في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 1%، وهو الارتفاع الأكبر منذ ست سنوات، التي سجل فيها التضخم ارتفاعا طفيفا. وفي عدة سنوات كان التضخم يتراجع، فمثلا في العام 2003 تراجع التضخم المالي بنسبة 9ر1%، في حين أنه ارتفع في العام 2004 بنسبة 2ر1% وفي العام 2005، بنسبة 4ر2% أما في العام 2006 فقد انخفض التضخم بنسبة 1ر0%، ومن المتوقع ان يرتفع في هذا العام بنسبة 5ر2%، وهذا يناسب توقعات الحكومة، التي خططت لتضخم مالي يتراوح ما بين 1% إلى 3%.

ويتساءل المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" موطي بسوك، في مقال له، "هل بات التضخم المالي في إسرائيل يرفع رأسه؟ وهل يعكس جدول الغلاء في إسرائيل بشكل صادق ارتفاع الأسعار في السوق الإسرائيلية؟ إن الارتفاع الحاد (نسبيا) في التضخم المالي في شهر حزيران/ يونيو الماضي، بنسبة 7ر0%، يناسب شعور الكثيرين بأن أسعار البضائع المحلية ترتفع بوتيرة أعلى بكثير من الوتيرة التي تتحدث عنها دائرة الإحصاء المركزية".

ويقول بسوك، إن جدول الغلاء سجل في الأشهر الـ 12 الأخيرة انخفاضا بنسبة 7ر0%، في حين أن أسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعا وبنسبة عالية مقارنة مع وتيرة تحرك جدول الغلاء.

وعمليا فإن بسوك هنا يضع إصبعه على جرح مفتوح منذ عشرات السنوات، وكانت تثير قضيته القوى الاجتماعية فقط، في حين أن السياسة الاقتصادية الرسمية وكبار أرباب العمل كانوا، ولا يزالون، يرفضون الالتفات إلى هذا الأمر.

ويجري الحديث عن شكل احتساب جدول الغلاء (التضخم المالي) في إسرائيل، إذ تؤكد القوى الاجتماعية أنه لا يعكس شكل مصروف السواد الأعظم من الجمهور الذي يُحسب على الشرائح الفقيرة والضعيفة، والقسم الأكبر من الشرائح المتوسطة.

وحسب آخر تعديل في دائرة الإحصاء المركزية، فإن احتساب التضخم في إسرائيل يجري بناء على سلة مشتريات، من المفترض ان تكون لعائلة مكونة من خمسة أفراد وتعيش في المدينة، وتبلغ قيمتها الحالي 10551 شيكلا، وهو ما يعادل 2480 دولار تقريبا.

وحسب توزيعة السلة فإن 21% من هذه السلة تصرف على سعر البيت، إضافة إلى 15% تصرف على صيانة البيت وضرائبه وأثاثه ومعداته، أما المواد الغذائية على أشكالها فإن حصتها ليس أكثر من 17%، مقابل 21% للمواصلات والاتصالات، و13% على التربية والتعليم والترفيه، و3% للألبسة والأحذية و5% للصحة، و5% لفروع مختلفة.

وتؤكد الجهات الاجتماعية أن هذه توزيعة نسب غير واقعية بالنسبة للغالبية الساحقة من الجمهور، وعلى ما يبدو فإن الحكومة الحالية التي تبحث عن مخرج لأزمة دائرة الفقر المستفحلة، باتت تدرك هذا الأمر، وقد قررت قبل نحو شهر إقامة طاقم مختصين يعد احتساب سلة مشتريات للشرائح الفقيرة والضعيفة، وعلى أساس ارتفاع أو انخفاض أسعار هذه السلة، التي جلها يعتمد على أسعار الحاجيات الأساسية للمعيشة اليومية، يتم تعديل مخصصات ورواتب هذه الشرائح.

في الأيام الأخيرة شهدت أسواق المال الإسرائيلية هبوطا حادا لم تشهده منذ خمس سنوات، إذ في أسبوع واحد هبطت البورصة بنسبة أكثر من 10%، وليس بالإمكان توقع مصير البورصة التي تتأثر من عدة مؤثرات عالمية ومحلية، لكن في نفس الوقت فإن هذه الاهتزازات في البورصة الإسرائيلية تعكس أيضا حالة الشك التي بدأت تتغلغل في الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان حتى قبل ثلاثة أسابيع يعطي إشارات ثبات واستقرار عالية.