ثلاثة تقارير جديدة عن إسرائيل: تعذيب المعتقلين الفلسطينيين وتقطيع أوصال الضفة الغربية

خلال السنوات الأخيرة اعترفت إسرائيل رسميا بأن محققي جهاز الأمن العام (الشاباك) يتبعون وسائل تحقيق "شاذة" ويستعملون "الضغط البدني" ضد المعتقلين الفلسطينيين في الحالات التي تعتبرها "قنبلة موقوتة". وقد قامت منظمة بتسيلم (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) ومركز هموكيد (مركز الدفاع عن الفرد) بفحص هذه الوسائل المتبعة في التحقيقات ووتيرة استعمالها، إلى جانب الممارسات الأخرى التي تلحق الأذى.

تستند نتائج التقرير إلى عينة مكونة من 73 فلسطينيا من سكان الضفة الغربية الذين تم اعتقالهم بين الأشهر تموز 2005 ولغاية شهر آذار 2006 وتم التحقيق معهم من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن العينة ليست عينة إحصائية علمية إلا أنها توفر دلالة واضحة حول وتيرة الظواهر الواردة في التقرير.

الإطار القانوني

يفرض القانون الدولي حظرا تاما على التعذيب والتنكيل. وهو لا يسمح للدول بتجاوز هذا الحظر حتى في الظروف القاهرة الخاصة بمكافحة الإرهاب. إن المسؤولية في حالة انتهاك الحظر لا تقع فقط على الدولة، بل تطال المُنكلين أنفسهم المعرضون للمثول أمام القضاء في دولهم أو خارجها.

وقد حددت محكمة العدل العليا في قرارها الصادر في أيلول 1999 أن جهاز الشاباك لا يملك الصلاحية القانونية لاستعمال "وسائل التحقيق البدنية" ضد الذين يتم التحقيق معهم. إن الضغط وعدم الراحة إلى حد معين مشروعة، حسب هذا الحكم، وفقط كوسيلة جانبية لاحتياجات التحقيق وليس كوسيلة لكسر معنويات الذين يتم التحقيق معهم. ومع هذا، فإن محققي الشاباك الذين نكلوا بمن تم التحقيق معهم في حالة "القنبلة الموقوتة" يتمتعون بالاعفاء من المثول أمام القضاء. إن هذا الموقف منح الشرعية ضمنا لمثل هذه الأعمال الخطيرة، على النقيض التام من روح القانون الدولي الذي لا يعترف بالحالات الشاذة حول حظر التعذيب والتنكيل.

"تليين" المعتقلين قبل التحقيق معهم

أبلغ شهود العينة عن حالات الضرب، شد القيود المؤلم، الشتائم والإهانات ومنع الاحتياجات الطبيعية التي عانوا منها من قبل الجنود منذ لحظة اعتقالهم ولغاية تسليمهم إلى المخابرات. ثلثا شهود العينة تقريبا (49 من 73) أبلغوا أنهم عانوا من نوع واحد على الأقل من هذه الممارسات المؤذية التي يعتبرها القانون الدولي تنكيلا ممنوعا والتي قد تصل إلى درجة التعذيب. وفي هذا البحث لم يتم فحص السؤال إذا ما كان هذا التنكيل يهدف إلى "تليين" المعتقلين تمهيدا للتحقيق معهم من قبل الشاباك. ومع ذلك، فإن هذه هي النتيجة من الناحية الفعلية.

نظام التحقيقات في الشاباك: التنكيل الروتيني

يتكون نظام التحقيقات في الشاباك من سبعة مكونات أساسية تمس بصور متفاوتة بكرامة الذين يتم التحقيق معهم وبسلامة أبدانهم. كما أن الأذى يزداد على ضوء دمج هذه المكونات خلال فترة التحقيق التي استمرت في حالة شهود العينة مدة 35 يوما بالمعدل:

• الانقطاع عن العالم الخارجي- منع اللقاء ما بين المعتقل وبين محاميه وممثل الصليب الأحمر؛

• ظروف السجن كوسيلة ضغط نفسية- العزل في زنزانة خانقة تفوح منها روائح كريهة؛

• ظروف السجن كوسيلة لإضعاف الجسم- منع النشاط البدني، المضايقة وقت النوم والطعام غير اللائق؛

• وضعية "الشبح"- تقييد يدي المعتقل ورجليه بالكرسي بصورة مؤلمة ومتواصلة؛

• التقريع والاهانات - الشتائم، إجراء التفتيش مع العري التام، الصراخ، البصق وما شابه؛

• التهديدات- وبضمنها التهديد باستعمال التعذيب البدني القاسي، اعتقال أفراد العائلة وغيرها؛

• تخليص المعلومات بواسطة المتعاونين "العصافير" - هذه الطريقة بحد ذاتها ليست مصحوبة بالأذى، غير أن نجاعتها تعتمد إلى حد كبير على التنكيل بالمعتقلين قبل استعمالها.

لقد تم استعمال معظم هذه الوسائل لدى الغالبية العظمى من الشهود المشمولين في العينة. إن الوسائل ليست "منتوجاً مصاحباً" لا يمكن الاستغناء عنه ضمن احتياجات الاعتقال والتحقيق، بل تهدف إلى تحطيم معنويات المعتقلين الذين يتم التحقيق معهم. ونظرا لهذا، فهي تتعارض مع قرار محكمة العدل العليا وتشكل، طبقا للقانون الدولي، تنكيلا محظورا. إلى جانب هذا، فهي قد تصل في ظروف معينة إلى حد التعذيب الحقيقي.

وسائل التحقيق "الخاصة"

بالإضافة إلى الوسائل الاعتيادية، يستعمل محققو الشاباك في جزء من الحالات، على ما يبدو في الحالات التي يتم التحقيق فيها مع من يصفونه "قنبلة موقوتة"، وسائل "خاصة" ترتبط غالبيتها باستعمال العنف البدني المباشر. وقد وصف شهود العينة سبع وسائل كهذه:

• الحرمان من النوم لمدة تزيد عن يوم كامل (15 حالة)؛

• الضربات "الجافة" (17 حالة)؛

• شد وثاق (كلابشات) بصورة مؤلمة، وفي بعض الأحيان إلى درجة وقف سريان الدم (5 حالات)؛

• شد الجسم إلى الأمام بصورة مفاجئة، التسبب بالألم في مفاصل اليدين الموثقتين بالكرسي (6 حالات)؛

• ثني الرأس إلى الجوانب أو الوراء، من خلال الإمساك المؤلم بالذقن أو دفعه بقبضة اليد (8 حالات)؛

• وضعية "الضفدع" (إجبار المعتقل على جلوس القرفصاء على أطراف أصابعه) والمصحوبة بالدفع (3 حالات)؛

• وضعية "الموزة"، طي جسم المعتقل على شكل قوس خلال جلوسه على المقعد بدون مسند (5 حالات).

إن هذه الوسائل تعتبر تعذيبا واضحا وفق القانون الدولي. إن استعمالها ليس دارجا لكنه ليس هامشيا. ومع أن محكمة العدل العليا حددت أنه يمكن لمحققي الشاباك الذين نكلوا بالمعتقلين في حالة "القنبلة الموقوتة" الاستفادة من العفو والتبعات الجنائية، غير أن هذا يكون فقط في حالة أن التنكيل تم كرد فعل تلقائي من قبل محقق منفرد تجاه حادث غير متوقع. من الناحية العملية، تدل كافة الدلائل على أنه يتم استعمال الوسائل "الخاصة" طبقا لإجراء ثابت واستنادا إلى مصادقة يتم إعطاؤها مسبقا.

أجهزة التغطية والمواربة

أعمال التنكيل والتعذيب التي يقوم بها محققو الشاباك والجنود بحق المعتقلين الفلسطينيين لا تتم في الفراغ، بل تتم بتغطية من جهاز تطبيق القانون في إسرائيل.

على الرغم من الحقيقة بأنه منذ العام 2001، قُدمت إلى النيابة العامة أكثر من 500 شكوى حول أعمال التنكيل بحق المعتقلين من قبل الشاباك، لم تر النيابة من المناسب إصدار الأوامر بفتح ولو تحقيق جنائي واحد. إن قرارات النيابة في هذا الشأن تستند إلى نتائج الفحص الذي يقوم به مراقب شكاوى المعتقلين الذين تم التحقيق معهم من قبل الشاباك، وهو أحد رجال الشاباك ويخضع لمدير جهاز الأمن العام (الشاباك). وحتى عندما اتضح أن محققي الشاباك قد نكلوا بمعتقل، فقد قامت النيابة بإغلاق الملف استنادا إلى تفسير متحيز لقرار محكمة العدل العليا بخصوص سريان "الحماية عند الحاجة".

معظم حالات تنكيل الجنود بالمعتقلين لا يتم التحقيق فيها إطلاقا، والقليل منها مما يتم التحقيق به ينتهي إلى إعداد لائحة اتهام. ويعود هذا الأمر في الكثير من الحالات إلى أنماط من الخلل الإداري، مثل التأخير في بالشروع بالتحقيقات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الافتراض أنه بدون المبادرة إلى بذل الجهد من قبل السلطات، تقل احتمالات تقدم المعتقلين بنفسهم بالشكاوى حول ما لحق بهم من أذى أثناء اعتقالهم.

يحظى نظام التحقيقات الخاص بجهاز المخابرات بدعم ملحوظ أيضا من قبل محكمة العدل العليا التي تعمل كختم مطاطي للأوامر التي تنظم احتجاز المعتقلين في ظروف العزل عن العالم الخارجي. ومن بين مئات الالتماسات التي تم التقدم بها إلى محكمة العدل العليا خلال السنوات الأخيرة ضد هذه الأوامر، لم تقبل محكمة العدل العليا حتى التماسا واحدا. كما اعتادت محكمة العدل العليا السماح لجهاز الشاباك بإخفاء مجرد إصدار الأوامر عن المعتقلين والإجراءات القانونية التي تدور في هذا السياق، بهدف زيادة الضغط النفسي الواقع عليهم.

توصيات

على ضوء نتائج التحقيق تدعو بتسيلم والموكيد حكومة إسرائيل إلى اتخاذ الخطوات التالية:

• إصدار الأوامر إلى الشاباك بالتوقف فورا وبصورة تامة عن استعمال جميع وسائل التحقيق التي من شأنها المس بالمعتقلين الذين يتم التحقيق معهم أو بسلامتهم البدنية؛

• المبادرة إلى تشريع يحظر التعذيب والتنكيل حظرًا باتاً وإلغاء إمكانية شمل "الحماية عند الحاجة" بخصوص المستخدمين الرسميين المشتبه بهم باقتراف مثل هذه الأعمال؛

• إتباع نهج يتم من خلاله فحص كل شكوى تقدم بها من تعرضوا للتنكيل ضد أحد أفراد أو ضد المحققين في المخابرات ممن مارسوا التعذيب بحق المشتكي، وفقاً لهذا النهج تقوم جهة محايدة ومستقلة بالنظر في هذه القضية وإن وجدت صحيحة يتم تقديم الفاعلين للمحكمة؛

• توثيق تحقيق المخابرات بتصوير فيديو، وفتح معاقل التحقيق امام الرقابة الخارجية المحايدة، ومن ضمن هذه الجهات المندوب الخارجي للامم المتحدة لمناهضة التعذيب؛

• الضمان، على المستويين التشريعي والفعلي، الحد الأدنى من ظروف السجن الإنسانية لكل معتقل كائنا من يكون وإلغاء الأوامر الخاصة بانتهاج التمييز ضد المعتقلين الأمنيين بخصوص هذه الظروف؛

• إلغاء الأمر العسكري الذي يتيح للشاباك منع اللقاء بين المعتقل وبين محاميه وانتهاج المعايير الثابتة بهذا الشأن في قانون الاعتقالات المعمول به في إسرائيل بخصوص المعتقلين الفلسطينيين؛

• تقديم الجنود الذين مسوا بالمعتقلين الفلسطينيين إلى العدالة.

تقرير "البنك الدولي"

من ناحية أخرى اتهم "البنك الدولي" إسرائيل بتفكيك أوصال الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى 50 في المائة من مساحتها، ما يعيق حركتها الاقتصادية.

وأوضح البنك، في تقرير نشر يوم 9/5/2007، أن "إسرائيل تحد من حرية الحركة للفلسطينيين من خلال تقسيم المنطقة الى مناطق مقطوعة الأوصال ومنفصلة عن بعضها البعض". أضاف ان "القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين وتمنعهم من الوصول الى 50 في المائة من مساحة الضفة الغربية، تنسف كل فرصة بأن يخرج الاقتصاد الفلسطيني من أزمته".

وتابع أن حرية حركة الفلسطينيين وتنقلهم داخل الضفة أصبح "أمرا شاذا عن القاعدة وليس القاعدة، خلافا للتعهدات التي جاءت في اتفاقات عديدة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية" موضحا ان "سياسة الإغلاق في الضفة الغربية تطبق عن طريق الأنظمة الإدارية للاحتلال وعن طريق الحواجز التي تهشم المنطقة الى كانتونات تصغر شيئا فشيئا كلما انفصل أحدها عن الآخر". وأشار الى أن ذلك يستهدف "حماية وتعزيز حرية حركة المستوطنين والتوسع الفعلي والاقتصادي للمستوطنات على حساب السكان الفلسطينيين".

تقرير مراقب الدولة

من جهته، رأى مراقب الدولة الإسرائيلي ميخا لندنشتراوس أن الجيش الإسرائيلي عجز عن وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل من شمالي غزة، وإحباط حفر الأنفاق عند حدود القطاع التي يتم من خلالها تهريب أسلحة ومواد متفجرة من مصر، المستمرة بحسبه منذ 20 عاما.

وأوضح لندنشتراوس، في تقريره السنوي، ان الجيش الإسرائيلي لم يضع خططا للتصدي للصواريخ، مشددا على ان "التحقيق يشير الى أخطاء في عمل الجيش الإسرائيلي أدت الى ثغرات في التعامل مع الصواريخ التي تطلق من غزة". ورأى لندنشتراوس أنه كان لهذه الإخفاقات تأثير غير مباشر على مواجهة مشاكل موازية عند الحدود مع لبنان.

وأبدى التقرير انزعاجا لكيفية معالجة قضايا العملاء المتعاونين مع أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية، وتعامل الجهات المختصة مع ظروف عناصر "جيش لبنان الجنوبي".