ردود فعل أولية: اتفاق مكة لا يستجيب لشروط الرباعية

نقل موقع "واينت" الإلكتروني، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن "اتفاق مكة" بين حماس وفتح "لا يستجيب للشروط التي وضعتها الرباعية الدولية"، وفي الوقت نفسه أوضحت هذه المصادر أن ذلك لا يعني "الرفض الجارف من قبل إسرائيل للتفاهمات التي تم إحرازها بين الطرفين" في إطار هذا الاتفاق. في موازاة ذلك أعلنت وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، التي تقوم بزيارة إلى ألمانيا، أن "حركة حماس لا تمثل المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني". ويُتوقع أن يعلن رئيس الحكومة موقف إسرائيل الرسمي في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية يوم الأحد، 11/2/2007.

وقبل ذلك أعلن أن الحكومة الإسرائيلية ارتأت إرجاء تعقيبها على "إعلان مكة" في شأن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة فلسطينية "إلى ما بعد قراءة تفاصيل الاتفاق بإمعان"، لكن وزراء بارزين كرروا شروط التعامل مع الحكومة الجديدة (وهي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتخلي عن العنف، وقبول الفلسطينيين بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل).

وأبدت محافل سياسية "قلقها" من احتمال أن يُحدث الاتفاق شرخًا في الموقف الموحد للجنة الرباعية الدولية الرافض التعامل مع حكومة فلسطينية لا تعلن قبولها الواضح بـ"الشروط الثلاثة"، وأن تستأنف دول أوروبية دعمها المالي للسلطة الفلسطينية. وادعى معلقون بارزون في الشؤون الفلسطينية أن الاتفاق "حقق لحركة حماس ما تريد، فيما خرج رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) مهزوما".

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر في مكتب رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، أن إسرائيل تدرس "بحذر ودقة متناهية" تفاصيل الاتفاق. وأضافت انه ينبغي متابعة رد الفعل الدولي "في موضوع حساس" كهذا وتجنب التعقيب الانفعالي، وهو ما أكده أيضا النائب الأول لرئيس الحكومة، شمعون بيريس، الذي قال إنه ينبغي على الحكومة والجهات الأمنية إجراء دراسة مستفيضة للاتفاق الفلسطيني لاتخاذ موقف واضح منه.

وقال وزير السياحة وعضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، إسحق هرتسوغ، إن الاتفاق يستدعي التمحيص في تفاصيله "ويستوجب قراءته بمجهر للتيقن من عدم وجود تفاهمات أخرى". ورأى في تعيين سلام فياض وزيرا للمالية أمرا ايجابيا "نظرا إلى المكانة التي يحتلها في نظر الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين". وتوقع أن يتعامل المجتمع الدولي مع الاتفاق بشكل ايجابي، وقد يعتبر ما حصل "تطورا دراماتيكيا"، مضيفا أن هذا التطور قد يكون مؤقتا "فالأوضاع في الأراضي الفلسطينية لا تزال على شفا الانفجار".

من جانبه، دعا الوزير المتطرف افيغدور ليبرمان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل ردا على تشكيل الفلسطينيين حكومة كهذه "لتكون جاهزة لمواجهة أي تطور في المجالين السياسي والأمني". وأضاف أنه يخشى أن تحظى الحكومة الفلسطينية الجديدة باعتراف دولي من دون أن تتخلى حماس عن برنامجها. وزاد أنه يخشى أيضا أن توجه فتح وحماس السلاح الذي في حوزتهما إلى إسرائيل.

وزعم رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، تساحي هنغبي، للإذاعة العبرية أن الرئيس الفلسطيني هو الخاسر في هذا الاتفاق بعد أن تنازل عن مطالبه من حماس التي حصلت على كل ما أرادت "بفعل تمسكها المتشدد بمواقفها، فيما فشل عباس فشلا ذريعاً ومنح حماس انتصارا مهما للغاية"، على حدّ قوله. وتابع أن معنى الاتفاق هو أن العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين لا تراوح مكانها فحسب إنما عادت إلى الوراء. وخفف من قلق أوساط إسرائيلية من حصول تغيير في الموقف الدولي من حماس، وقال إن الولايات المتحدة هي صاحبة القول الفصل في الرباعية الدولية، و"واضح لنا من أقوال وزيرة الخارجية الأميركية (كوندوليزا رايس) أنها ترفض الحفلة التنكرية لدى الفلسطينيين وتصر على تطبيق شروط الرباعية كاملة".

وأبرزت "يديعوت أحرونوت"، كبرى الصحف الإسرائيلية، في عنوانها الرئيس "قلق إسرائيل من استئناف أوروبا دعمها السلطة الفلسطينية". ونقلت عن أوساط في الاتحاد الأوروبي توقعاتها أن يعلن وزراء خارجية دول الاتحاد في اجتماعهم الأسبوع المقبل استئناف الدعم المالي للسلطة في المستقبل القريب. وأضافت أن مسؤولين إسرائيليين باشروا اتصالاتهم بنظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا للتيقن من أن المجتمع الدولي لن يمارس ضغوطاً على إسرائيل للتحاور مع الحكومة الفلسطينية الجديدة التي لا تلتزم شروط الرباعية. كما نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية خشيتها من أن "يكبّل" الاتفاق الجديد الرئيس الفلسطيني فيتراجع عن مطالبه من حماس.

واعتبر روني شكيد، معلق الشؤون الفلسطينية في الصحيفة، الاتفاق الذي وقع في مكة انتصارًا كبيرًا لحماس. وكتب يقول: "رغم الضغوط التي مارسها الملك السعودي، فإن حماس لم تتنازل وخرجت من هناك أشد قوة في الساحة الفلسطينية الداخلية وأيضًا في الساحتين العربية والدولية. حماس لم تتنازل عن السلطة ولا عن الأيديولوجية، ولم تعترف بإسرائيل ولم تتنصل من الإرهاب وكذلك لم توافق على التعهد بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة. ومقابل هذا الموقف المتصلب حصلت على حكومة الوحدة الوطنية التي كانت راغبة فيها كثيرًا. وهي راغبة فيها كي لا تكون المسؤولة الوحيدة عن الإخفاقات المتعددة وكي تحصل على شرعية لمواصلة التمسك بالسلطة من أجل ترسيخ القيم الأصولية في المجتمع الفلسطيني".

وتابع: "ما الذي سيحصل إذا لم تصمد حكومة الوحدة؟ عندها لن تخسر حماس أيضًا. فإن التهمة عن فشل كهذا ستلقى على عاتق فتح ومحمود عباس، ليس فقط في الساحة الداخلية الفلسطينية، وإنما في الساحة العربية أيضًا".

وأشار هذا المعلق إلى أنه في حالة اعتراف الأسرة الدولية بالحكومة (الفلسطينية) الجديدة فمن شأن إسرائيل أن تجد نفسها وحيدة أمام الموقف المطالب بالتفاوض مع حكومة حماس.

لكنه عاد وأكد أنّ "الفجوة الأيديولوجية (بين حماس وفتح) بقيت عميقة وواسعة كما كانت. وهي مسألة وقت فقط حتى تبدأ المناوشات من جديد. ولا ينبغي أن تكون هناك أوهام، فإن حكومة الوحدة لن توقف الإرهاب ولا إطلاق صواريخ القسّام".

أمّا تسفي برئيل، معلق الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، فكتب أنّ صيغة اتفاق الوحدة توضّح حيّز التفاهمات السياسية التي تم إحرازها بين فتح وحماس والتي وقعت في اتفاقيات مفصلة بين الطرفين. "وهي لا تشتمل على تعهد بتنفيذ اتفاقات سابقة ولا على إعلان مباشر بالاعتراف بإسرائيل. لكن هذه الصيغة، على الأقل من وجهة نظر عبد الله ملك السعودية، تنطوي على ما يكفي لرفع الحصار الاقتصادي عن السلطة الفلسطينية".

وأضاف: تكمن في هذه الصيغة الانعطافة الجوهرية في موقف حماس، وهي القبول النظري لبعض الاتفاقيات والقرارات، ومنها اتفاقيات أوسلو وقرارات الجامعة العربية والقرارات المتخذة في مؤتمر القمة العربية في بيروت في 2002 بشأن شروط التطبيع مع إسرائيل. مقابل ذلك فإن إصرار حماس على مصطلح "احترام" بدل "تعهد" يجعل الاعتراف النظري غير عملي، بل ويحدّد في الظاهر مقدرة محمود عباس على إدارة مفاوضات سياسية مع إسرائيل. إذ أن حكومة ليست مستعدة للتعهد بتنفيذ اتفاقيات سابقة لن تكون راغبة بالمشاركة في صياغات اتفاقيات مستقبلية. هذه الصيغة تضع عباس في موقف محرج، إذ أنه يعين حكومة لا تتعهد بقرارات تمنحه صلاحياته.

وتابع: يبدو أن جميع الأطراف، بما في ذلك مصر والسعودية، تفهم أنه على خلفية الوضع السياسي في إسرائيل وعدم اهتمام واشنطن بدفع العملية السياسية من المفضل الاكتفاء بإدارة الأزمة الفلسطينية الداخلية. وفي وسع السعودية أن تكون راضية عن صيغة الاتفاق، الذي مكنها ليس فقط من رفع الحصار الاقتصادي وإنما أساسًا من كبح جماح الشراكة الإيرانية في المشكلة الفلسطينية ومن إبقائها في "أيدٍ عربية".