نغمة جديدة في التعاطي مع سورية

يلاحظ مراقبون إسرائيليون في الأيام الأخيرة نغمة إسرائيلية رسمية جديدة في التعاطي مع سورية برزت أساساً في إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت ووزير دفاعه ايهود باراك مطلع الأسبوع ترحيبهما بمشاركة سورية في "مؤتمر أنابوليس". وعزا مراقبون هذا "التحول" إلى تبدل في الموقف الأميركي من دمشق لجهة الرغبة في مشاركتها في المؤتمر لضمان نجاحه، فيما أشار آخرون إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يؤمن بأن فرص التقدم على مسار التفاوض مع سورية أقوى بكثير مما هي عليه في المسار الفلسطيني.

وأفادت مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في واشنطن، اورلي أزولاي، أن الإدارة الأميركية تعكف على بلورة معادلة تتيح مشاركة سورية في مؤتمر أنابوليس تقوم على وعد أميركي لدمشق بأن يلي المؤتمر الوشيك مؤتمران آخران، واحد لمتابعة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، والثاني للمفاوضات بين سورية وإسرائيل. وتابعت أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ستبحث المسألة مع أركان إسرائيل خلال زيارتها المنطقة الأسبوع المقبل.

ووفقاً للصحيفة العبرية، فإن واشنطن ودمشق اتفقتا، تمهيداً لمشاركة الأخيرة في مؤتمر أنابوليس، على عدم طرح مسألة الجولان السوري المحتل على جدول أعمال المؤتمر الوشيك، لكن أن يأتي على ذكرها. وتابعت أن الاتفاق يقضي بأن يعلن الوفد الأميركي إلى المؤتمر في نهاية أعماله عقد مؤتمرين منفصلين للمتابعة، أحدهما لبحث العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، والثاني للتفاوض على الجولان السوري المحتل واستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية، على أن يشارك في هذا المؤتمر مسؤولون أميركيون كبار يؤدون دور التوفيق بين الجانبين.

وذكرت الصحيفة أن التحول في الموقف الأميركي من سورية حصل في أعقاب قناعة الرئيس جورج بوش بأنه من أجل إنجاح مؤتمر أنابوليس لا بد من التحادث مع الرئيس بشار الاسد ووعده باستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وذلك في أعقاب "توصية" من الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي أطلع نظيره الأميركي على نتائج زيارة موفديه للعاصمة السورية و"انطباعهم بأن دمشق لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية في لبنان". وزادت أن موفدي الرئيس الفرنسي أبلغوه أيضاً أن "الرئيس الأسد معني بالتقرب من الغرب في هذه المسألة".

من جهتها، توقفت الإذاعة العسكرية عند "دوافع" باراك "للتوجه نحو دمشق وتفضيله المسار السوري على المسار الفلسطيني". ولم يتفق المحللون السياسيون في الإذاعة على هذه الدوافع، وعزاها البعض إلى زيارة باراك العاصمة الأميركية قبل ثلاثة أسابيع "وما سمعه ولمسه هناك من تغير في الموقف". ورأى آخرون في ترحيب باراك بمشاركة سورية في مؤتمر أنابوليس وتأكيده "وجوب التعامل معها ومع مصالحها وقيادتها باحترام" مجرد مناورة لمناكفة رئيس الحكومة الذي يبدو بنظر باراك متحمساً أكثر من اللزوم للمسار الفلسطيني. لكن أوساط باراك تنفي عنه مثل هذه المناكفة وتشير إلى اطلاع باراك على تقديرات الأجهزة الأمنية المختلفة بأن مؤتمر أنابوليس لن ينجح "في ظل وجود قيادة فلسطينية ضعيفة عاجزة عن اتخاذ قرارات وتنفيذها".

وفي هذا الصدد، أفادت الإذاعة العسكرية أن أذرع الاستخبارات الإسرائيلية الثلاث، العسكرية (أمان) والعامة (شاباك) والخارجية (موساد)، صاغت أخيراً "وثيقة مشتركة" جاء فيها أنه حتى في حال توصل مؤتمر أنابوليس إلى تفاهمات فإن فرص تطبيقها معدومة تماماً، "إذ ليس لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) وأجهزة الأمن التابعة له أي قدرة حقيقية على تطبيق أي اتفاق حيال القطيعة بين السلطة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني". واعتبرت الوثيقة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية "ملوثة وفاسدة" غير قادرة حتى على اعتقال "تجار مخدرات وسارقي سيارات".

إلى ذلك، تتوقع الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أن يقدم الفلسطينيون تنازلات بالذات في قضية عودة اللاجئين. وبرأي "شاباك" فإن القيادة الفلسطينية قد تقبل بمعادلة تقضي بإعادة مئة ألف لاجئ خلال عشر سنوات.

وانضم وزير النقل القطب في حزب "كديما" الحاكم شاؤول موفاز إلى المشككين في فرص نجاح مؤتمر انابوليس "إزاء الهوة بين توقعات كل من الأطراف المشاركة". وقال إنه بينما تريد إسرائيل عملية سياسية تقوم على أسس "خريطة الطريق" الدولية، يسعى الفلسطينيون الى تحقيق انجازات سريعة تشمل بلورة اتفاق للحل الدائم في غضون أشهر. وأضاف للإذاعة العسكرية أن المطلوب الآن هو تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية لتبسط نفوذها على الأرض قبل الخوض في أفق سياسي "لأن الواقع على الأرض والصراع داخل القيادة الفلسطينية لا يبعثان على التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق لحل الصراع".

(أسعد تلحمي)