الصحافة الإسرائيلية تتبنى الرواية النووية للعملية العسكرية ضد سورية

بعد مرور عدة أيام من التكهنات المتناقضة يبدو أنّ الصحف الإسرائيلية، الصادرة أول من أمس الأحد (16/9/2007)، على أثر عطلة لثلاثة أيام بسبب عيد رأس السنة العبرية، تبنّت الرواية التي نشرتها الصحف الأميركية خلال الأيام الماضية والتي تدعي بأن الطيران الحربي الإسرائيلي قصف "موقعا نوويا" في سورية. كما أشادت "بالدعم الصامت" من قبل الدول الأوروبية والعربية.

وأجمعت الصحف الإسرائيلية أيضا على أن النشر حول دوافع اختراق الطيران الحربي الإسرائيلي للأجواء السورية بدأ يجلي الغموض، وبدأت قطع الأخبار المنشورة بشأن الموضوع تركب الصورة الكاملة لما حدث ودوافعه.

ولا تزال القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية على صمتها حيال الموضوع وتفرض الرقابة العسكرية سلطتها على النشر حوله في وسائل الإعلام الإسرائيلية من خلال السماح بنشر معلومة ما ومنع نشر أخرى رغم نشرها في وسائل إعلام في العالم مؤسسة بذلك "الرواية النووية" ضد سورية.

واعتمدت الصحف الإسرائيلية على النشر حول الموضوع في الصحف الأميركية لبناء الصورة التي تبرر من خلالها إسرائيل، دون التصريح رسميا، اختراق طيرانها الحربي للأجواء السورية.

فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الأربعاء الماضي، عن مصدر في الإدارة الأميركية قوله إن كوريا الشمالية نقلت شحنة من المواد النووية إلى سورية وأن مصدرا في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قال إن الطيران الحربي الإسرائيلي هاجم هدفا سوريًا واحدا.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم الخميس الماضي، إن إسرائيل مررت للولايات المتحدة صورا التقطتها أقمار اصطناعية إسرائيلية وادعت من خلالها بأن سورية تقيم منشأة بالتعاون مع كوريا الشمالية في عمق الأراضي السورية وأنه تم جمع هذه المعلومات على مدار نصف عام.

كذلك اعتمدت الصحف الإسرائيلية على ما نشرته وكالة "أسوشييتد برس"، يوم الجمعة الماضي، نقلا عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية بأن لسورية علاقات سرية مع مزودي"عتاد نووي" وأنه يمكث في سورية تقنيون أجانب وربما يكون بعضهم من كوريا الشمالية.

ونقلت "واشنطن بوست"، يوم السبت الماضي، عن خبير أميركي قوله إن هدف الهجوم الإسرائيلي كان منشأة استخدمت لإنتاج اليورانيوم وتقع على ضفة نهر الفرات وقرب الحدود مع تركيا.

من جانبه كتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن المعلومات المحدودة حول العملية الإسرائيلية لا يتم إيصالها، خصوصا للمسؤولين الأميركيين، عبر القنوات الاستخباراتية العادية وأن كل من يعرف تفاصيل الموضوع يعلم بأن المسؤولين في واشنطن أطلقوا على العملية اسم "بستان".

وتساءل فيشمان فيما إذا كان الحديث منذ شهر آذار الماضي عن احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وسورية في الصيف الحالي سببه وجود معلومات لدى إسرائيل "منذ ذلك الحين" حول نوايا سورية بتطوير سلاح نووي في أراضيها وهل هذا هو سبب التوتر غير الواضح بين الدولتين.

وأردف فيشمان أنه في الوقت الحالي لا توجد أجوبة على هذه الأسئلة.

وكتب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، أن المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة طلبت بشكل رسمي وغير رسمي أن "نحاذر من تحرير أي تناول للموضوع أو الكشف عن أية معلومات حيال ما حدث في سماء سورية في السادس من أيلول، كما أن الرقابة العسكرية لا تسمح بنشر أي معلومات حول القضية" في إشارة إلى أن ثمة معلومات متوفرة لدى بعض الصحافيين الإسرائيليين.

لكن هارئيل أطلق أول إشارة صادرة من إسرائيل إلى أن طيرانها الحربي اخترق فعلا الأجواء السورية لدى وضعه أجوبة محتملة حول سبب كشف سورية عن العملية.

وكتب أن "تفسيرا محتملا يتعلق بقوة منظومة الدفاعات الجوية التي تم تفعيلها في ليلة اختراق الأجواء ومن الجائز أيضا أن العملية كانت غير اعتيادية للغاية لدرجة أن عددا كبيرا من المواطنين (السوريين) شاهدها وشعر النظام السوري بأن عليه أن يزودهم بإيضاحات".

وفي لهجة تضمنت بعض الانتقاد للقيادة الإسرائيلية خلص هارئيل إلى أنه "لا يمكن اتهام دمشق بأنها لا تثق بالوعود الصادرة من القدس (الغربية) بأن وجهة إسرائيل ليست للحرب".

ورأى المراسل والمحلل السياسي في "هآرتس"، ألوف بن، أن الصمت الإسرائيلي حيال اختراق الطيران الحربي الإسرائيلي للأجواء السورية ودوافعه سيبقى على حاله في الفترة القريبة المقبلة كما أن إسرائيل قررت عدم الرد على الشكوى التي قدمتها سورية إلى الأمم المتحدة.

وأضاف بن أنه بإمكان إسرائيل أن "تسجل لصالحها التجاهل البارز للادعاءات السورية من جانب جميع الحكومات الهامة في العالم، فالأوروبيون الذين يسارعون عادة إلى التنديد بإسرائيل بعد كل مس بالفلسطينيين تجاهلوا الادعاءات حيال القصف الليلي الذي نفذه سلاح الجو في عمق الأراضي السورية كما أن الدول العربية غضت الطرف".

ووصف بن هذا الوضع بأنه "دعم صامت" لإسرائيل التي منعت بدورها استنكارا واسعا للعملية بسبب عدم تفاخرها بها على الملأ.

ومضى بن أن أي حملة إعلامية كانت ستنفذها إسرائيل وتصف فيها سورية على أنها جزء من "محور الشر" ما كانت ستحقق "إنجازا كهذا"، في إشارة إلى "الدعم الصامت".

وقدّر الكاتب أن النشر حول العملية في وسائل الإعلام الأميركية وتصريحات متحدثين أميركيين تشير إلى أن التنسيق والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة بهذا الخصوص كان وثيقا.

من جهة أخرى نقل بن عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن "غاية الكشف من جانب واشنطن عن سورية وكوريا الشمالية ليس مساعدة إسرائيل لمواجهة الادعاءات السورية وإنما لخدمة مصالح داخلية للإدارة الأميركية" التي تواجه انتقادات "الصقريين" في واشنطن الذي يدعون بأن الاتفاق على تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية هزيل ومليء بثغرات.

ورأت المصادر السياسية الإسرائيلية ذاتها أن النشر في وسائل الإعلام الأميركية حول علاقة سورية مع كوريا الشمالية والادعاء أن سورية حصلت على مواد نووية من كوريا الشمالية غايته تخفيف الضغوط على الإدارة الأميركية وإظهار أنها تتابع نشاط كوريا الشمالية في الشرق الأوسط ولا تتجاهله.

من جهة أخرى، وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن القيادة العسكرية الإسرائيلية دعت في الأشهر الأخيرة القيادة السياسية إلى التوجه لمفاوضات سلام مع سورية محذرة من أن عدم إجراء مفاوضات كهذه من شأنه أن يصعد التوتر بين الدولتين الأمر الذي قد تتدهور المنطقة في أعقابه إلى شفا الحرب.

وفي هذا السياق كتب المراسل العسكري لصحيفة "معاريف"، عمير ربابورت، أنه حتى بعد التطورات الأخيرة واختراق الطيران الحربي الإسرائيلي للأجواء السورية وتصاعد حدة التوتر لا تزال تعلو أصوات واضحة في جهاز الأمن تؤيد تجديد المفاوضات السياسية بين الدولتين.

ونقل ربابورت عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم في منتصف الأسبوع الماضي إن "لإسرائيل مصلحة واضحة في إجراء مفاوضات سلام مع سورية حتى لو لم ينتج عنها شيء".

وأوضح ربابورت أن هناك موقفين في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) حيال المفاوضات مع سورية، ويقضي الموقف الأول، الذي يقوده رئيس قسم الدراسات في شعبة الاستخبارات العميد يوسي بايداتس، بأنه على الرغم من تسلحهم المتزايد إلا أن السوريين مهتمون فعلا بالتوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل.

وفي المقابل يقود رئيس شعبة الاستخبارات، الجنرال عاموس يدلين، توجها مناقضا وبموجبه فإن السوريين ليسوا مهتمين بالسلام مع إسرائيل وذلك لأن السوريين يصرون على إجراء مفاوضات كهذه بوساطة الولايات المتحدة وليس مباشرة ولأن سورية تواصل السماح للفصائل الفلسطينية بممارسة نشاطها في أراضيها.

ورغم ذلك فإن يدلين يرى أن على إسرائيل السعي لإجراء مفاوضات مع سورية لأن فوائد ذلك أكثر من أضراره ولأن من شأن ذلك أن يزيل التوتر بين الدولتين.

كذلك كتب ربابورت أنه في الأيام الأخيرة علت أصوات لمسؤولين داخل جهاز الأمن الإسرائيلي مفادها أنه "الآن بالذات ثمة أهمية خاصة لإجراء مفاوضات لكي يتضاءل بشكل كبير خطر تدهور الأوضاع إلى حرب".

أخيرًا رأى يوسي ميلمان، معلق الشؤون الأمنية والاستخباراتية في صحيفة "هآرتس"، أنه بحسب تقارير وسائل الإعلام الدولية، نقلت كوريا الشمالية إلى سورية شحنة يمكن أن تكون مرتبطة ببرنامج بيونغ يانغ النووي. مع ذلك من غير الواضح ما إذا كانت الشحنة معدّة للبرنامج النووي السوري، الذي قال إنه موجود في مراحل أولية غير متقدمة، أم أن كوريا الشمالية تطلب من دمشق أن تخبئ الشحنة في أراضيها؟. من غير الواضح أيضًا ماذا تحتوي الشحنة، لكن مما نعرفه عن البرنامج النووي الكوري الشمالي يمكن تقدير محتواها.

ومضى يقول: تقدر أجهزة الاستخبارات الأميركية بأن لدى كوريا الشمالية القدرة على تركيب قنبلة نووية. ومن هنا يمكن الاستنتاج بأنه إذا ما نقلت كوريا الشمالية شيئًا ما إلى سورية فمن الممكن أن يكون بلوتونيوم أو حتى قنبلة جاهزة. وهناك احتمال آخر هو أن تكون كوريا الشمالية نقلت إلى سورية أجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم، مثلما تفعل إيران.

وجزم بالقول: إن الاحتمال الأكبر هو أن يكون هذا الشيء كمية معينة من البلوتونيوم أو حتى قنبلة بلوتونيوم، لأن هناك شكًا كبيرًا في أن تقدم أي دولة على مجازفة فقط بسبب شحنة أجهزة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم، إذ أن المسافة بين تفعيل هذه الأجهزة وبين إنتاج القنبلة النووية تظلّ بعيدة جدًا. وحالة إيران الآن هي أسطع مثال على ذلك، فعلى الرغم من تفعيلها الآن 2000- 3000 جهاز طرد مركزي لا تزال بعيدة بحوالي عامين عن تخصيب كمية كافية من اليورانيوم لتركيب قنبلة نووية، بحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية.