إخلاء مستوطنات غوش قطيف عزّز أفكار تبادل الأراضي

هذا ما يقوله الصحافي يائير شيلغ في مقابلة بمناسبة صدور بحثه الجديد: "الدلالات السياسية والاجتماعية لإخلاء المستوطنات في ييشع (الضفة الغربية وغزة)- الانفصال في 2005 كنموذج اختبار" * ما نلمسه لدى تيار الصهيونية الدينية هو هبوط الحماس تجاه الدولة، كما تراجع الاستعداد للتطوع والاستجابة لنداءات الدولة *

(*) سؤال: هل كانت طريقة اتخاذ القرارات التي رافقت الانفصال الأخير (عن قطاع غزة) شرعية من ناحية ديمقراطية؟

- بالإجمال، نعم. فلا يمكن، في المحصلة النهائية، إنكار شرعية الحسم، أو القرارات حتى ولو كانت تنطوي على عناصر إشكالية. كانت هناك أربعة إدعاءات مركزية لدى معارضي الانفصال، واحد منها فقط يعتبر في رأيي صحيحًا.

وهذه الادعاءات هي:

1- استفتاء المعارضين في الليكود الذي بادر إليه أريئيل شارون بعدما صوت هؤلاء ضد الاستمرار في خطة الانفصال. وقد قيل إن ذلك يشكل خرقاً لتعهد. وفي اعتقادي فإن تعهد رئيس الحكومة شارون كان إشكالياً منذ البداية، نظراً لأن حسماً قومياً بناء على استفتاء منتسبي حزب واحد، حتى لو كان الحزب الحاكم، ليس وضعاً سليماً من ناحية ديمقراطية ولذلك فإن عدم أخذ الاستفتاء بالحسبان يعد بمثابة رجوع إلى النظام الديمقراطي السليم.

2- إقالة وزراء كتلة "الاتحاد الوطني" لم تكن خطوة في محلها، عشية التصويت على إقالة الوزراء الذين يشكلون "بيضة القبان" ومن خلال ذلك خلق أغلبية مؤيدة، وهذا بالتأكيد أمر إشكالي.

3- إتهامات جنائية ضد شارون: كانت الإدعاءات بأن الانفصال ولِدَ نتيجة رغبته (شارون) في إنقاذ جلده من تلك الاتهامات الجنائية. ربما كان في هذا الإدعاء شيء من الحقيقة، ليس من طريقة أكيدة لإثبات ذلك، علماً أنه لم تُقدم ضد شارون لائحة اتهام في قضيتي الجزيرة اليونانية و"سيريل كيرن". وفيما يتعلق بالنقد لصمت الصحافة في هذا الموضوع، فقد كان الإدعاء هو أن الصحافيين لم يغطوا أو ينشروا عن تلك القضايا بهدف دفع خطة الانفصال قدمًا. وفي رأيي فإن هذا الإدعاء إشكالي لأن الصحافة هي التي كشفت عن جميع القضايا التي اتهم شارون بالتورط فيها.

4- الإدعاء الرابع لمعارضي الانفصال كان بأن شارون غيّر موقفه رأسًا على عقب خلال عشرة. ففي انتخابات شباط 2003 أيد مرشح حزب "العمل"، عمرام متسناع في حملته الانتخابية، حين تنافس أمام شارون، الانسحاب الأحادي الجانب، فيما عارض شارون ذلك وقتئذٍ بكل شدة. وبعد الانتخابات بادر شارون ذاته إلى طرح خطة الانفصال. هذا هو إدعاء حقيقي. صحيح أن من المشروع تغيير الرأي، لكن ثمة مع ذلك ما يدعو إلى الشك... فهل تغيرت المصالح بـ 180 درجة في غضون عشرة أشهر؟!

(*) سؤال: في بحثك (ورقة الموقف) ثمة انتقادات شديدة للطريقة التي عالجت بها الدولة كل ما يتعلق بتعويض المستوطنين الذين تم إخلاؤهم (من مستوطنات القطاع) والاهتمام بهم بعد الإخلاء. ما هي توصياتك المركزية فيما يتعلق بمسألة التعويض وإعادة التأهيل في حال تقرر إخلاء مستوطنات أخرى في المستقبل؟

- اليوم وبعد سنتين من الإخلاء، جدير بنا مراجعة أين ظهرت ثغرات في قانون "الإخلاء والتعويض". وعلى سبيل المثال فإن البيوت المؤجرة من القطاع الخاص وليس الحكومي، غُبنت حقوق القاطنين فيها، ولم ينظم القانون مكانتهم ولذلك لم يحصلوا إلا على تعويض هزيل. عدا عن المشكلات التي ظهرت في القانون ذاته كانت هناك أيضاً مشاكل بيروقراطية في المؤسسة. وبشأن الاحتياجات والتغييرات التي ينبغي تثبيتها فيما يتعلق بإخلاء مستقبلي، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

1- يجدر دراسة عِبَرْ إخلاء سنة 2005 وسد الثغرات في القانون.

2- يجب وضع جدول زمني للإخلاء يكون أطول ويتيح مهلة كافية للاستعداد، فستة أشهر ليست فترة كافية. هذا الأمر له أهمية جوهرية خاصة إذا ما قبلت توصيتي بأن يتم الإخلاء في نطاق "استيطان بديل". وليس المقصود بالضرورة بناء مستوطنة بديلة مقابل مستوطنة يتم إخلاؤها، وإنما عدم إلزام "المخليين" بشراء شقق في مدن. وفي هذه المسألة (الاستيطان البديل) هناك مشكلة في طلب "المخليين" الحصول على أراضٍ جديدة ومستوطنات منفصلة للاستيطان... مستوطنة مقابل مستوطنة. فهذا طلب غير منطقي.

3- التعاون: جانب من عبر الانفصال يكمن في التعاون. لقد ظن المستوطنون أن نضالهم سينجح، وكان ذلك إلى حد ما نتيجة تشجيع الحاخامات. بعد فشل "النضال" أبدى معظم المستوطنين، خاصة أرباب العائلات، استعداداً أكبر للتعاون وذلك من أجل تأمين مستقبلهم.

(*) سؤال: كيف أثر الانفصال حسب رأيك على الصهيونية الدينية؟ هل يتجه هذا التيار نحو مزيد من التطرف والاغتراب عن مؤسسات الدولة، أم أن الانفصال لم يكن له في المحصلة النهائية تأثير على وجهة نظر الصهيونية الدينية تجاه الدولة؟

- يمكن القول بالفم الملآن إنه لم يحصل انكفاء أيديولوجي قيمي- ما عدا لدى محافل ضيقة- عن التماثل مع الدولة. فالصهيونية الدينية لم تكف عن صهيونيتها، على الرغم من أن المحافل الهامشية والمتطرفة تحتل العناوين. المأساة لا تكمن في الأيديولوجية وإنما في الشعور، فقد هبط الحماس تجاه الدولة، كما تراجع الاستعداد للتطوع والاستجابة لنداءات الدولة. ولعل المعيار الذي يشهد على ذلك هو الازدياد الذي طرأ خلال العامين الأخيرين على عدد الشبان (المنتمين لتيار الصهيونية الدينية) الممتنعين عن التجند والالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بدعوى "التفرغ لتعلم التوراة". إذا استمرت الصراعات والمواجهات في مواضيع "الإخلاء" و/ أو مواضيع أخرى من قبيل تجنيد الفتيات، فإن الحماس يمكن أن يشهد مزيداً من الهبوط والانحسار وهذا وضع إشكالي.

(*) سؤال: كيف أثر "الإخلاء" حسب رأيك على المجتمع الإسرائيلي برمته؟ هل يمكن القول إن شرخاً قد نشأ فقط في صفوف الصهيونية الدينية؟ كيف تأثرت المجموعات الأخرى في المجتمع؟

- الشرخ الأكبر حدث في الصهيونية الدينية. هناك تأثير إضافي فيما يتعلق بـ "عرب إسرائيل". فإخلاء مستوطنات "غوش قطيف" (قطاع غزة) عزز أفكار تبادل الأراضي. وأولاً: فإن جل المسوغات التي قدمت لخطة الإخلاء تمثلت في "الميزان الديمغرافي" ولذلك فإن وجهة النظر هذه تطرح اليوم أيضاًَ حيال بلدات وادي عارة. ثانياً: مشاهد إخلاء (المستوطنين) اليهود من بيوتهم كانت مشاهد قاسية جداً وهناك من يقول الآن إنه إذا كان من الممكن فعل ذلك لليهود فإنه يمكن بالتأكيد "إخلاء عرب" أيضاً. ومن هذه الناحية يعتبر "الإخلاء" أمراً مشروعاً وأكثر سهولة تجاه العرب الذين يجب فقط إعادة رسم الحدود معهم. هذا الحديث بات يشكل خطاباً قوياً في السنتين الأخيرتين ويحظى بشرعية عامة، ليس فقط في محافل (الوزير) أفيغدور ليبرمان، كما كان الأمر في الماضي، وإنما أيضاً في محافل أخرى وحتى في الخطة التي نشرها مؤخراً رئيس الدولة شمعون بيريس. فضلاً عن ذلك، ثمة هنا عامل كُرَة ثلج، إذ أن جميع وثائق "الرؤية المستقبلية للعرب في إسرائيل" التي نشرت مؤخراً تشكل هي أيضاً ردة فعل على الأفكار الداعية إلى إخراجهم من نطاق السيادة الإسرائيلية...

[المصدر: موقع "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" على شبكة الانترنت. ترجمة خاصة]