أولمرت يرفض وقف الحفريات في محيط الأقصى

أعلنت الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلة رفع حال التأهب في صفوفها الى أعلى درجة، تحسباً لغضب فلسطيني عارم في أعقاب صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك احتجاجاً على مواصلة السلطات الإسرائيلية عمليات الهدم والحفر في طريق باب المغاربة المتاخم للمسجد. ورغم القيود الشديدة التي تفرضها الشرطة على وصول جمهور المصلين الى المسجد، إلاّ أنها تتحسب من النداء الذي أصدره قاضي قضاة فلسطين الدكتور تيسير التميمي باعتبار الجمعة «يوم غضب» في أرجاء العالم. في المقابل، ارتفعت في أوساط مسؤولين إسرائيليين كبار أصوات تطالب رئيس الحكومة إيهود أولمرت بوقف أعمال الحفر فوراً خوفا من تصاعد العنف ومن تدهور الوضع الأمني، وهو أمر رفضه اولمرت.

وأكد نائب وزير الدفاع، إفرايم سنيه، أن وزير الدفاع، عمير بيرتس، وجّه فعلا رسالة عاجلة الى أولمرت بإعادة النظر في الحفريات ودرس وقفها. وقال للإذاعة العبرية إنه يشاطر بيرتس موقفه حيال ما قد تسفر عنه الحفريات من نتائج على صعيد العلاقات بين إسرائيل و«جهات عربية ذات شأن ومعتدلة في العالم العربي ترى في الحفريات أمراً مقلقاً جداً».

ووفقا لصحيفة «هآرتس»، فإن بيرتس الذي لم يُحَط علماً بالأشغال عند إقرارها، ضمّن رسالته الى أولمرت رأياً مهنياً وضعه رئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الدفاع، اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد، تضمّن حججاً أمنية مقنعة لوقف الحفريات. ويرى غلعاد أن الأعمال تسبب ضرراً بالغاً «وتحديداً في هذه الفترة التي تحاول إسرائيل اتخاذ إجراءات تهدئة مع الفلسطينيين والعالم العربي». وتابع ان هناك مخاوف جدية من أن تثير الأعمال غلياناً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي، مشيراً خصوصاً الى أن هذه الأشغال قد تلقي بظلالها على اللقاء الثلاثي المرتقب بين اولمرت والرئيس محمود عباس (أبو مازن) ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في 19 الجاري. وأعرب عن قلقه من عدم تنسيق الأشغال مع الأردن.

ونقلت الصحيفة عن مكتب اولمرت قوله في رفضه لنداء بيرتس: «الدراسة المستفيضة للمسألة ستكشف ان هذا العمل الجاري لن يؤذي أحدا، ولا صحة للشكاوى المثارة ضده». وأشارت الى أن مسؤولين في الشرطة الإسرائيلية وجهات أمنية أخرى تحفظت من أعمال التنقيب قبل الشروع فيها، ورأت انه يمكن ترميم الجزء الذي انهار من طريق باب المغاربة من دون الحاجة الى هدمه كليا وبناء جسر علوي جديد. ولم تعقب الأوساط القريبة من اولمرت على مضمون رسالة بيرتس مباشرة، واكتفت بالإشارة الى أن دوافع بيرتس الحقيقية من الرسالة «استمالة الأعضاء العرب في حزب العمل عشية الانتخابات داخله على زعامة الحزب».

لكن اللافت انه في مقابل الأصوات «العقلانية» المطالبة بوقف الحفريات، حرضت صحيفة «هآرتس» المحسوبة على الأوساط الليبرالية، وحتى اليسارية الصهيونية، في افتتاحيتها، الحكومة على «عدم الخنوع» للضغوط وعلى مواصلة الحفريات، مذكّرة بأن وزير الدفاع إبان الاحتلال الإسرائيلي للقدس موشيه ديان قرر أن يبقي باب المغاربة بيد إسرائيل «للحيلولة دون تمكن المسلمين من إغلاق البوابات كافة المؤدية الى المسجد الأقصى» حيث «جبل الهيكل» وفقا للقاموس الإسرائيلي. وأضافت ان بناء الجسر الحالي هو «مصلحة إسرائيلية حيوية لا تنفيها حتى هيئة الأوقاف الإسلامية»، وهو جزء من «الوضع القائم» (الذي أرساه ديان وتبنته الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال القدس قبل 39 عاما). وحذرت الصحيفة مما وصفته بـ «زعزعة الوضع الراهن».

وفي وقت لاحق أعلنت الناطقة باسم هيئة الآثار الإسرائيلية، اوسنات غويز، انها تنوي ان تبث مباشرة على شبكة الانترنت مشاهد الحفريات التي تقوم بها في محيط الأقصى، لتظهر للعالم ان هذه الأشغال لا تشكل تهديدا لأساسات هذا المكان المقدس. وأضافت انها تبحث «في إمكان وضع كاميرات اعتبارا من الأسبوع المقبل لتنقل مباشرة على الانترنت صور الحفريات الأثرية التي تتم في هذا الموقع».

واتخذت هذه المبادرة من النائب في اليمين المتطرف يسرائيل حاسون، الرجل الثاني السابق في جهاز الأمن الداخلي (شين بيت)، اثر الاحتجاجات التي أثارتها هذه الأشغال في العالم العربي والإسلامي. وأفاد مصدر برلماني إسرائيلي بأن حاسون عرض هذه المبادرة على اولمرت الذي أعطى تعليمات لتنفيذها. وقال حاسون ان «هذه المبادرة تهدف الى أن تثبت للعالم العربي أنه لا يتم التعرض بتاتا للمساجد من خلال الأعمال الجارية».

ميدانيا، واصلت الجرافات الإسرائيلية تحت حماية الشرطة و«حرس الحدود»، أعمال التجريف والهدم لتلة باب المغاربة لليوم الثالث على التوالي من خلال عزل المسجد ومحاصرته وتعزيز انتشارها في محيط البلدة القديمة. ومنعت مئات المتظاهرين من المقدسيين وفلسطينيي الداخل من الاقتراب من الموقع، فأعلنوا الاعتصام قبالته. كما منعت رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ رائد صلاح، من الاقتراب من أسوار القدس وأوقفته في حي واد الجوز بعد الحكم الذي أصدرته محكمة إسرائيلية بوجوب ابتعاده عن موقع الحفريات 150 مترا على الأقل. ومنعت الشرطة مسيرة خططت لها «هيئة الوفاق الوطني» داخل «الخط الأخضر» من أمام المسجد الأقصى لتصل إلى كنيسة القيامة. [أسعد تلحمي]